Wednesday, November 28, 2007

نقطة ضعفي


نعم أنت نقطة ضعفي.. وأصل كل بلائي
أنت نقطة التحول التي أسمع عنها
والشعرة التي تقصم الظهر نعم
أنت أيتها الحقيرة المشعوذة
يا صنم العجز يا مظلة الدناءة
أنت أيتها السيجارة الفاجرة
مرد هذاالتدهور ِ..
وجذر هذه التنبلة

نعم عشقتك أيتها المومسة
عشقت لحظة البحث عنك
ككل عاهرة عشقت حضورك المزري
وافتخرت بك.. مثل قواد بفتاته
حتى قسوتك على قلبي.. كانت ممتعة
حتى ارتداؤك ثوب الفلسفة الداكن
وانتهاكك أنفاسي.. وابتذالك جسمي
حتى وقفتك الثابتة بين إصبعيّ..
كحلمة داعرة مريضة بالسَّودا
نعم عشقتك أيتها الكلبة الرشيقة
لذا.. سوف يكون فراقنا حادا على دمي

الآن أطفيء نارك التي حرقتُ في بخورها حياتي
حرقت مجدي فيها وأحلى ذكرياتي
الآن غير آسف أنا أخنق استبدادك بي
وأسترد أول حرياتي السليبة
نعم سئمت خلطة التبغ بالعبودية والمذلة
وسئمت أرفع عن دمي.. بصماتي
سئمت لهوي بالشباب الضائع.. والثقة العمياء بالقدر
سئمت الليل والدخان والفجور وانكسار القمر
سئمت القرارات الثكلى ومازوخية الروح في الخطر
سئمت قمع الخطايا لي.. والنهاية المأساوية المرتقبة
سئمت سئمت لفظة "آخر مرة"
وكدت أكفر بانتظار مولدي الجديد

Thursday, November 22, 2007

مؤتمر أيام اشتراكية بنقابة الصحفيين من 6 الى 9 ديسمبر 2007

ليست هناك مناسبة أفضل من هذه لأشرح أنا وزملائي في تيار الثورة الاشتراكية العالمية آراءنا ونعرض لطموحاتنا الواقعية في عالم بديل ينطلق من المقاومة الشرسة للاستغلال والاستبداد والاستعمار.. ليصب في عالم رائع مؤسس على حرية الفرد والمجموع، وعدالة التوازن بين الواجب والمكسب، مع تجاور سلمي ومتعاون فيما بين الأعراق والثقافات والمعتقدات.
لطالما أهينت كلمة الاشتراكية من قبل أعدائها وأنصارها على السواء، وما بين خبث الإعلام الرأسمالي المضاد من جهة، وجهل المتزمتين دينيا وقوميا من جهة أخرى، ورعونة قطاعات يسارية ضالة من جهة ثالثة.. تحولت الاشتراكية المسكينة من فلسفة للخلاص البشري إلى جثة مجهَّلة تفرق دمها بين قبائل اليسار واليمين وأقصى اليمين.. وبدلا من أن تكون الاشتراكية امتدادا منطقيا لنضالات العمال الكادحين وفقراء الفلاحين والمثقفين الثوريين ومن خلفهم كافة المضطهَدين.. أصبحت طريدة العدالة البرجوازية السفاحة والمنافقة..
وهكذا يأتي مؤتمرنا السنوي المعنون "أيام اشتراكية" كنافذة صغيرة يمر منها قدر طاقتنا صوتنا المحاصر لكي نشتبك مع قضايا الساعة داعين الجميع إلى التفاعل معنا والتحاور وإيانا حول مستقبلنا ومستقبل أولادنا ومستقبل جماهيرنا التي تباع الآن وغدا بأرخص الأثمان لكي يحقق رأسماليو الوطن وزملاؤهم من رأسماليي العالم المعوجّ –عبر حكوماتهم المنحطة- رخاء أرباحهم التي هي أغلى من دمانا جميعا.
من نحن؟ نحن مجموعة ممن لم يسلموا بانهيار الاشتراكية ولا ساءهم تحلل الإمبراطورية السوفييتية لسبب بسيط هو أننا لم نؤمن أبدا أن تلك هي الاشتراكية! نعم.. لا نحن ولا كل أدبيات تيارنا هذا –والذي ينتمي لحركة الجماهير لا لنظريات الفلاسفة- سلمنا يوما بأن الاشتراكية يمكن أن تصبح نشيدا سخيفا في دولة قمعية، ومن هنا عادينا في مركز الدراسات الاشتراكية كل التجارب الفوقية لتطبيق الاشتراكية أي تلك التجارب التي حاولت فرض النظام الاجتماعي بقوة الجيش لا بقوة المجتمع.. قوة طبقاته المحرومة ضد طغيان النخب المتحكمة في رقاب العباد وفي ثروات البلاد.
نحن لم نؤمن بالاشتراكيات المريضة من الصين إلى كوبا، كما أننا لم نكفر أبدا بقدرة الجماهير على تغيير واقعها بأيديها دون وصاية أو فرض.. وهذا بالتحديد ما نسميه بالاشتراكية من أسفل.. من الجذور.. من قاعدة الهرم الاجتماعي.. من أفقر وأبسط وأضعف المواطنين والذين يشكلون غالبية العباد من جهة، كما انهم من جهة أخرى هم من يشكل ثروات الأمم بجهدهم المتواصل في كل مواقع العمل والإنتاج.
ونحن اخيرا رأينا الأمر أبسط من رطان المتفلسفين.. هذا العالم الرأسمالي الذي يبيح القتل ويخرب البيئة جنيا للربح إنما يحتاج إلى قرار إزالة شامل.. وهذا القرار هو الثورة الاشتراكية العالمية والتي سيتبناها يوما بعد يوم كل المضارين من عالم اليوم.. وما اكثرهم!
وفي مؤتمرنا السنوي هذا العام لدينا قائمة من المفروضات التي لا يمكننا تجاهلها:
فعمال مصر الذين طالما تنبأنا بهبتهم هبوا بالفعل وخطفوا بالطبع الضوء من الجميع في مشهد واحد، بينما المقاومة العربية والإسلامية لجيوش الإمبريالية تتصاعد وتزداد مباركتها من جماهير المنطقة والعالم كله، ومع ذلك تتزايد المعضلات أمام كل المقاومين ومن هنا يجدر بنا الرجوع للوراء قليلا لمتابعة الخطين المتمايزين في الفكر العربي في مراحل نهضته أي العلماني والسلفي لتصور كيف يكون المستقبل القريب، كما نحتاج للنظر عن كثب لانتصار الثورة العمالية في روسيا 1917 لنرى كيف تدهورت الأمور بعدها، ثم علينا ان نفيق على اخطار محدقة كسرطان الطائفية وهكذا تأخذ المسألة القبطية حقها من التحليل والتحذير، ثم نعرج على السرطان الحقيقي في المنطقة وهو دولة إسرائيل، ولا ننسى أن نعرض لكفاح فلاحي اليوم ضد ما كافح أجدادهم للهرب من عبوديته، وهكذا يحق لنا أن نسأل: لمن هذه التنمية المزعومة؟؟ وحين نلقي نظرةعلى عدم مجانية التعليم قد تكتمل الصورة!
إن ما يهمنا في طرح هذه القضايا وغيرها الكثير ليس هو خطورة كل قضية على حدة، بل كيف نفهم العلاقات الخفية بينها جميعا وهذا بالذات هو ما يميز تيارنا عن بقية التيارات على الساحة المحلية والعالمية.. بل دعنا نقول إن هذه الرؤية الشمولية هي ما جعلت من تيارنا تيارا عالميا بالرغم من قلة أعداد أنصاره حتى الآن.. ولكن هذا أمر طبيعي جدا في تاريخ النضال، وما من تيار عميق وصلب إلا بدأ مستضعفا وصغيرا، ومع انقلاب الأمور في لحظة محددة يتزايد أنصاره بالملايين حين يوقنون انه التيار المنزه عن الانتهازية، المناضل للنهاية، والإنساني بحق في أعماق قلبه.
يشارك في مؤتمر هذا العام نخبة من الكتاب والسياسيين والمناضلين من مختلف أنحاء العالم.. فمن العالم العربي يشارك كل من سامي رمضاني الأستاذ الجامعي البريطاني العراقي الأصل، وفواز طرابلسي الكاتب والمفكر اليساري اللبناني، وعلي فياض عضو المكتب السياسي لحزب الله.. ومن بريطانيا يشارك كل من كريس هارمان المناضل والكاتب الاشتراكي البريطاني، وجون روز الكاتب الاشتراكي المتخصص في شئون الصهيونية وإسرائيل.. أما من مصر فالقائمة طويلة وتضم الدكاترة عبد الوهاب المسيري، وسمير أمين، وعاصم الدسوقي، ومحمد أبو الغار، والنائب حمدين صباحي، والمناضلين والنشطاء كمال أبو عيطة، وإلهامي الميرغني، وهبة رءوف، وجهاد طمان، وبشير صقر، والنقاد والمثقفين بشير السباعي وفتحي الخميسي، والمناضل كمال خليل مدير مركز الدراسات الاشتراكية وعدد من أعضاء ونشطاء المركز.

فكونوا معنا

للمزيد من المعلومات
Site:
www.ayyam.e-socialists.org
Email:ayyam@e-socialists.org

Phone: 0121195995
--------------

Thursday, October 11, 2007

تكذيب لما جاء على لساني بالأهرام المسائي

بالأمس (10/10/2007 )، نسبت إليّ الأهرام المسائي تصريحات لم تصدر عني، وهي بالتحديد:
1-المانشيت "مسلسل يعقوبيان فاشل وصورة باهتة من الفيلم".
2- المانشيت "نظام الإنتاج الحالي يسعى للربح على حساب الفن".
3- المانشيت "أنا ضد الرقابة لأنها تضع المشاهدين في قالب واحد".
وقد اعترضت للمحرر هاتفيا على هذه المانشيتات التي لا تعبر عني بدقة، ويؤدي أولها لظهوري بمظهر سيء الأدب تجاه زملائي من الفنانين حيث أنعت عملهم بالفاشل وأحط من شأنه إذ أصفه بأنه صورة باهتة من الفيلم الذي يحمل نفس الاسم والذي سبق أن شاركت به، وهذا سلوك غير مقبول مهنيا ولا نقابيا ولا أخلاقيا، ويضرني قطعا ويمس علاقات الزمالة والعمل، بل وقد يهدد صورتي العامة أيضا لدى جميع من يتابعونني بحماس.
وإذا ما أضفنا للمانشيت الأول المانشيت الثاني، لصار لدينا قدح في جميع جهات الإنتاج على الساحة السينمائية والتلفزيونية، واتهام للجميع بأنهم يسعون للربح على حساب الفن.. وهو قطعا شيء يتجاوز تماما رأيي المعلن في إشكالية العملية الإنتاجية والتسويقية في بلادنا إلى الإهانة الشخصية التي قد تثير العداوات الشخصية ضدي بلا داع.
ناهيك عما يحمله مانشيت 3 من فكرة غامضة مستحيل أن تصدر عني "أنا ضد الرقابة لأنها تضع المشاهدين في قالب واحد"! فما الذي يفهمه القاريء على لساني؟ أني أوافق على رقابة تفرق بين الناس مثلا بحيث تسمح "لعلية القوم" بما تمنع عنه الآخرين؟؟!!
ربما حدث سوء فهم من المحرر، أو ربما تدخل الديسك في صياغة العناوين التي رآها أخاذة، المهم أن النتيجة واحدة.
المهم.. انتظرت قيام الجريدة بتصحيح الوضع، فوجدت المانشيت التالي:
-خالد الصاوي: (مسلسل) عمارة يعقوبيان ليس العمل الفني السليم.
وبصراحة شديدة.. لم أر في حياتي موقفا ينطبق عليه القول المأثور "جه يكحلها عماها" قدر ما رأيته في عدد اليوم من جريدة الأهرام المسائي.
حقيقة تصريحاتي:
أنا صاحب رؤية نقدية للواقع الاجتماعي والسياسي والفني وأعبر عنها بوضوح في لقاءاتي التلفزيونية وفي كتاباتي على الإنترنت أو في بعض الجرائد والمجلات (كالدستور-دبي الثقافية-أوراق اشتراكية-الاشتراكي)، ولهذا أنتقي ألفاظي بدقة حتى لا تسبب كلماتي أي لبس لدى المستمع أو القاريء، صحيح أني أنتقد مؤسسات استثمار الفن في بلادنا، وأنتقد أجهزة الرقابة على الفن والإعلام، ولكني لا أنزلق أبدا لا إلى التعميم المعيب، ولا إلى الإساءة المباشرة التي تتناول الأشخاص لا المواقف.
ففي التصريح 1 ما حدث هو أنني انتقدت تقديم مسلسل عمارة يعقوبيان في هذا التوقيت من منطلق أن هذا المال كان يمكن توجيهه لإنتاج اعمال جديدة بدلا من محاولة استثمار نجاح الفيلم في المسلسل.. لأنها طريقة تفكير إنتاجية قديمة في رأيي تتفادى المغامرة وتركن إلى ما تراه مضمونا.. وقد عبرت عن هذا الرأي بتوسع في مقالاتي على الانترنت ولم يحدث أن أهنت بها أو بغيرها زملاء لي مطلقا لأن هذا ليس بهدف يستهدفه الإنسان الراغب في تغيير الأوضاع للأفضل.
وفي التصريح 2 ما حدث هو أنني انتقدت هذه الفلسفة الإنتاجية من منطلق أنها تعوق تقدمنا، أنا بالطبع كثيرا ما قلت بأن هدف المنتجين عموما هو تكوين الأرباح، ولكن لم يحدث أن اتهمتهم جميعا بأنهم يريدون تحقيق الربح "على حساب الفن".. وكأنهم يتعمدون إفساد الفن أو الذوق العام، ففي مثل هذا التصريح حط من شأنهم لا أستهدفه.
وفي التصريح 3 ما حدث هو أنني انتقدت تقييد الفكر والإبداع والإعلام، وقلت إن الرقابة الوحيدة المقبولة في رأيي هي الرقابة العمرية، ولا أعرف كيف تحورت هذه الأفكار الواضحة إلى كلام غامض من عينة أن سبب رفضي للرقابة هو أنها تضع المشاهدين في قالب واحد!
وبناء عليه..
ققد تمسكت بأن أوضح لجمهوري ولزملائي والمتعاملين معي وجميع المنافذ الإعلامية الحقائق التالية:
-إنني رغم انتقادي لتوقيت إنتاج المسلسل من منطلق أن الأجدر هو تقديم أعمال جديدة لا تكرار اعمال ناجحة، إلا أنني لم أنعت مسلسل عمارة يعقوبيان بالفشل ولا بأنه صورة باهتة من الفيلم.
-انني رغم انتقاداتي المتكررة للنظم الإنتاجية والتسويقية التي تسيطر على السوق الفنية وتؤدي حسب رأيي إلى عرقلة تطورنا، إلا أنني لم أتهم جميع جهات الإنتاج بأنها تسعى للربح.. "على حساب الفن"، وهو قول يتعدى الرغبة في التغيير للأفضل إلى الرغبة في الإساءة المباشرة.
-انني ضد الرقابة على الفن والفكر والإعلام بشكل عام (وباستثناء الرقابة العمرية فقط)، ولم يحدث أن صرحت بما قد يوحي به المانشيت الثالث من معان لم أنطق بها.
وكل حبي واحترامي للجميع
خالد الصاوي
القاهرة في 11/10/2007

Tuesday, October 02, 2007

أتمهل الآن


أتمهل الآن
طويلا ركضتُ.. كذا أشعرُ
مثل غزال صغيرٍ.. بعمره ينجو
بذعري ركضتُ
بقلة حيلتي
بانعدام التمرسْ
أتمهل الآن
أتامل التفاصيل المقدسة
أسخر من قدس التفاصيل
أشرب القهوة بالحليب والعسلْ
وأدخن واحدة من عشيقات فمي
أنظر للنيل ببعض التحدي.. والوجلْ
وبقلبٍ مُبْتَلَعْ
أتمهل النظرْ
أتمهل الآن
أعيد التقاط النفس المتسرب
أرتق روحي الجريحة اللاهثة
أرمم أخلاقي المُسَوَّسة
أغسل المكان كله بالخلِّ والليمون
أنثر الملح فوق جثتي الشهيدة
أستولدني مني وحدي
من قاع الظلمةِ.. من بئر ذكرياتي
من شغفي بالإيقاعات المنفجرة الطارقة
من خبرة العَدْوِ من براثن الساحِقة
أستولد الصاعقة
وأمرق مشتعلا في اتجاه الهدفْ

Tuesday, August 28, 2007

قانــون الــدم

(1)
حينما تتداخل كل التفاصيل بيني وبين الحصان الذبيحِ الذي يُسْلم الروح فوق فراشي
وبين صدور الصبايا التي تُسْلم الفتنةَ الملكيةَ بين يديّ
وتلفظ أنفاسها فوق صدري
وتختلط الصرخاتُ.. وتنطحن النجماتُ.. ويعجن طعم الهشيم فمي
ويسيل دمي..
في ممرٍّ تشقه حِنّاء شَعرِ الأميرة فى دفتر الشَّعرِ أكتبُ..
إني أحب النبيذ الذي لم نذقْ
والحروب التى لم تحنْ
والنداء البعيد النزقْ
كما أعشق العُري والشجرَ المتوحشَ والليل والخوف والجسد المنفجرْ
فامنحيني سُمُوَّكِ بعض انحنائي لأقضم ساقيكِ.. أمضغ كفيك.. أشعل فينا الحريق الكبيرا
وأرفل بين الرفات أميرا
على الروح أن تنطلقْ
فاذبحيني..
وكوني النصيرا!!
ــ ــ ــ
(2)
تستحمُ..
كتفاحةِ فى نبيذٍ..
لها هضبتانِ على الصدر خاشعتانِ.. كآثار حرب قديمة
وعاهتها المستديمة..
هى الطعنة المستقيمة
ولا أفهمُ..
لماذا يطل من الجرح هذا الفمُ..
لينزف وهو يداعبني..
النبيذ دمُ..
ولا أعلمُ..
لماذا أريد السباحة!
ـ ـ ـ ـ
(3)
أسمع فى الليلْ..
أصوات أُناسٍ تأكل بعضا
تتعقبني تكتكة الأسنان على العظمْ
تطرحني أرضا
حين ترن على الأرض الفِضّة..
أشهدها رؤي العيــــنْ
وأكان أُجنّ!!
ــ ــ ــ ــ
(4)
يدها فى يدي
نحمل الموز فوق الكتف..
تضع الغصن فى شعرها..
وفى كفِّنا يتأرجح سِنُّ الحجرْ
نفتش عن حفرةٍ يختبي في ثراها الهوى والثمرْ
وحين تعريتُ.. شاءت تراني من داخلي
وأظهرت الرغبة الجامحة
أن أشق لها الصدرا !
أشرت لها:
"إذا انشق هذا أموتُ!"
أشارت: " تعرَّا!!
اخلع الجلد وابذل لي اللحم والدم وارفع العظم تاجَا ليا"
ففجرت نهرا..
ونمنا على دَمِيَـا!!
(5)
يأكل الطير أجنحتَهْ
والمهرج يأكل أقنعتَهْ..
والجماهير تضحك
الجميع يسلم أسلحتَهْ
ويموتُ..
والجماهير تضحك.. تضحك.. تضحك..
وهي تموت رويداً.. رويدا
ـ ـ ـ
(6)
يأكل الطير أجنحته
منذ ألفي سنة
ويصبح طائرة من ورق
دمٌ يتسرب من كفنا
والخيوط تطير..
تَرَسَّبَ فى الأرض حبٌّ بِكُرْهٍ..
ودمعٌ بضحكتنا الآمنة
فيورق فينا الغضبْ
وتنمو لنا سوسنة
فنقطفها فى سنين اللعبْ
(فأحبك أكثرَ)..
ندفنها فى فصول التعبْ
(حبنا طاهرٌ.. كدمٍ في حديقة)
زهرتا عشقنا فى تلاصقْ
عرقٌ عنبرُ..
غضبٌ أخضرُ..
وشلالُ دمٍ زلالٍ يغطى الحدائقْ
تولد الأرض ثانيةً ثانية
وأحبك أكثر..
(7)
يأكل الطير أجنحتَهْ
يصبح الطير مقذوفةً.. أو حجرْ
يسقط الطيرُ.. يصدر آخر شهقة
وينطق أحلى خبرْ..
"أنا الموت فاجئني.. إنني.."
يصفق ألف من الصبية الحاضرينَ..
يظنون أنه سوف يقومُ..
(دمُ)..
وأنه سوف يطير.. (دمُ)
وسوف يعود الجناحانِ..
(جف الدم)!!
وسوف يعود اليه السفرْ..
يصفق ألفٌ..
يصفق مائة..
يصفق خمسٌ..
أصفق وحدي..
ولا ينهض الطيرُ..
وحدي أصفقُ.. لا ينهض الطيرُ..
وحدي أصفقُ..
حتى يطل الجناحان من جانبيّا!
أرفرفُ.. حتى أطيرَ وأسعى ألامس وجه القمرْ
ولكنه عابسٌ.. عابسٌ..
فأعرف أني غداً سأصيرُ على الأرض مقذوفةً أو حجرْ
فآكل أجنحتي قبل أن ألمس القمر المستحيلْ..
وآكل بين الجوانح حلم الخطرْ !
(8)
من مخطيءٌ؟
الطيرُ.. أم هذا الشفق؟
الأجنحة..
سرعان ما.. تتآكلُ..
(سرعان ما.. سرعان ما..)
مصبوغةٌ حُفَرُ السما..
دَمَاً.. دَمَا!!
هل مخطيءٌ إن طارَ.. أو إن لم يطرْ ؟!
شفقٌ.. حجرْ
الأجنحة..
سرعان ما تتكسّرُ..
سرعان ما تتكسّرُ..
سرعان ما.. تتكاثرُ !!!
كل الطيور تطير فى عينيَّ حتى لا أرى دمها على الدرجاتِ يصعدُ للشفقْ
السرب يضرب رأسه فى حائط الأفق الغروبيِّ الحديدْ
ركن جديدٌ ينغلقْ.
والأجنحة
ستعودُ.. لكن لن تعود كما مضى
سربا يلوح فى أفقْ
الأجنحة..
تتناثرُ..
تتناثرُ..
ـ ـ ـ ـ ـ

Thursday, August 23, 2007

دوامة

وجدتُ عقلاً فى الطريق.. وجدتُ عقلا
قبّلتُهُ وركنته جنب الرصيف.. وسرت أبكي
وجدت قلًبا فى الطريق.. وجدت طفلا
يبكي على قدم الحقيقة.. وهى تبكي
وجدت عضواً للذكورة فى الطريق.. وجدت عضوا
فدفنته فى الرمل.. فانتفض الشجرْ
حبل المساء من القمرْ
وضع النهار وليدَهُ..
طفلا بلا عقلٍ ولا قلبٍ ولا عضوٍ ولا شيءٍ سوى.. هذي الطريق إلى البيوتْ
فى جثةٍ شُوِّهَتْ ..
رأيتُ نعشَ المدنْ
رذاذُ وجهي دمٌ
هذي البلاد تموتْ !!

قصائد فى فنجان 1987

بعض وريقاتٍ ماتت فينا
أشجار الأعصاب الخضراءْ
يابسةٌ.. متيبسةٌ..
يعجز عن شفتيها الماءْ
ــ ـ ـ ـ
(1)
قلبي يعمل بالغازِ أُغذّيه صباحاً.. ينبض حتى منتصف الليلْ
أعشق فاتنةً تعمل بالكيروسينْ
لما نتصارحُ.. نعرف أن عبوة كلّ منا ناسفة ٌ
نعشق أكثرْ
نتقابل فى ميدان الأزهرْ
نتأمل عُلَباً تمشي يصعد منها الصهد ويرهقها التدخينْ
تتيقظ فينا بعض مشارعنا الأولى
نتعانق سهوا
نقوى
نتحدى أدخنة النظرات وفرقعة الكلمات ونبقى حتى
تندلق النار على البنزيــنْ
طاقتنا انفجرت فى الإسفلت شرارةَ حبّ تشعل فيمن مات الرغبة
فغدونا فى الصبح التالي
أزهاراً فى ميدان العتبة
(2)
أحيانا أطلب من أصحابي أن يُوصِلَني أحدٌ منهم بالتيارْ
عَلّي أتنفسْ
لكني حين يجربني أحدٌ منهم
أعجز عن إصدار شرارْ
تفحصني زوجتي الحبلى
تتحسسْ
تتحسسْ
تشعر أني.. أتَكَلّسْ
تبكي فى صدر صديقي
تبكي.. تبكي
حتى تنعسْ ‍‍
ـ ـ ـ ـ
(3)
المَبْسَمُ يبحث عن شفتي
شفتي تبحث عن شفةٍ أخرى
الشفة الأخرى تبحث عن شفةٍ مجهولة
والشفة المجهولة تبحثُ.. عمن يعرفها
ـ ـ ـ ـ ـ
(4)
حينما اصطدمت ركبتي بالقمرْ
حنوتُ عليهِ وقلت لهُ:
لماذا وقفت بوجهي؟
ثم قبّلتُهُ
كان يبكي ويسألني عن طريق الرياحْ
فاصطحبته للقسمِ
كان الأمين يسجل حادثة مزعجة:
اختفاء القمرْ
في ظروف تثير السؤالَ
وأن الرياح تفتش عنهُ
وتجمح باحثةً عن أثرْ
فاصطحبت القمرْ
إلى ملجأٍ لليتامى
فعانقني.. كنت أبكي
وقبلني.. كنت أجهش
قبلتهُ.. ثم ودعني
وفقدت البصرْ
ـ ـ ـ ـ ـ
(5)
الشجرْ
يبحث اليوم عن غابةٍ
فى البلاد الأُخَرْ
ـ ـ ـ ـ
(6)
زوجتي لا تحب أخي
لست أدرى السببْ
إنما
كان الاثنان أول من فتش الجثة الطازجة
ولاذا -على اثنين مغنمي- بالهربْ
ـ ـ ـ ـ ـ
(7)
أخبرني زوج صديقة خالة جاري أول أمسْ
أني أشبه شخصاً ما
يجعل فى عينيه دموعاً
لكن يجهل ماذا فى عينيّ على وجه التحديدْ
نسترجع كل الأسماء المشتركة حتى نعجز أن نتواصل
نرتدّ إلى بعضٍ لما.. أنبئه أني كنت لقيطا
يبكي وهو يقول حزيناً.. إنه أخطأ منذ سنين
يعلن أني
لكن يقسم إنه سوف يعوضني!!
ـ ـ ـ ـ ـ ـ
(8)
قرر أن يغتصب الليلة أول أنثى سيقابلها
سَنّ المطواة على باب الملهى
تخرج قنبلةٌ شهوائيةُ الاستفزازِ تعلّق بذراعٍ يدَها
يذبح صاحبها
يحملها وَلَها
يطرحها بَلَها
يشرع كله أن يغتصبا
لكن.. ما انتصبا
ـ ـ ـ
(9)
ركب قطاراً فى ذاك الظهر الملعونْ
أوجهُ.. أوجهُ.. وقفا بجوار قفا
معهم وقفَ
داست قدمَهُ قدمٌ ما اعتذرتْ.. حكّ بجسده جسداً أشعل فيه الرغبة
ربحت رغبتُهُ بعد ثلاث محطاتٍ.. نزعتْ شرفَهْ
ألصق في ظهر الثوب مقدمة البنطال المشحونْ
التفت إلى وجهه ذاك الوجه السكينْ
فتحت وسط الوجه البابَ
همست: بابا ؟؟!!
----
(10)
عزلتنا أنّا
حين نقابل بعضاً.. توقفنا مصافحة عجلى.. لتفرقَنا
عزلتنا أنّا
نمشي عددا
نهوي أحداً.. أحدا
----
(11)
دافعت عنها في المدينة حين قالوا عاهرة
زارتني ليلا.. أغلقت فاهي بفيها.. أغلقت بالكعب بابْ
أعطت عيوني عيونَها.. أعطت يديّ الخاصرة
جاءت لتدفعَ لي الحسابْ !!
----
(12)
كان البواب الأبكم يعشق خادمةً عذراءْ
بائع ألبانٍ يتوسطُ.. يتورطُ فيها
تتبنى بائعةُ الخبزِ الطفلَ الملقى!
وأنا وحدي.. فى ذات الشقة
حيناً أشتاق إلى البواب الأبكمِ..
(سافر حين رآها فوق السطح تجفف دمها)
حينا أشتاق إلى الخادمةِ العذراء
وأنا أتأمل جير بنايتنا الساقط..
وبطول طوابقها العشرة..
آثار دماءْ!!
ـ ـ ـ ـ ـ
(13)
أيها البؤساء فى كل العصورْ
كمَّم الفمَ المرارُ.. وما بصقْ
أيها العابر بالباب الكبيرْ..
للمشاة الضوء.. فاحتلّ الطرقْ
ـ ــ ـ ـ ـ
(14)
ثورتنا انتصرت!
ألقينا بدن الشر المترهل فى قاع البحرْ
زغردت النسوة فى شباك الصبر الأصفرْ
وقضينا جميعاً -دون استثناءٍ- ليلتنا الأولى فى القصرْ
نشرب نخب الثورة
المنتصرة

قرب الظهر صحونا
أحدّ منا.. سرق الغافين وغابْ
آنسةّ تدخل باكيةً
أحدّ منا.. ضاجعها فى منتصف السهرة عنوة
ورماها فى أحراش الغابْ
أحدّ منا..
أحدّ منا..

فى العام القادم حين نقوم بثورة
سيثور على كلّ منا.. كلٌ منا
ـ ـ ـ ـ
أشجار الأعصاب الصفراء
أفرعها يابسةٌ بكماءْ
بعض ورقيات ماتت فينا
بعض وريقات أخرى
سوف تموت غدا
لن يبقى فينا
غير الرائحة الجرداء
صحراءْ..
صحراءْ..
صحراءْ

ألوان الحب


ليلى (كارولين خليل) امرأة من الطبقة الوسطى تعيش في ظل زوجها طارق (خالد صالح) الذي هو مزيج من الحنان والطفولة والقسوة والأنانية والشبق والتملك لدميته المجوفة. سيطر طارق على ليلى الطالبة وتزوجها فعطلها عن الدراسة حتى تفرغت لخدمته وصارت مسخّرةً للذته وفقط، كيف سيطر؟ بخلطة القمع والتدليل مع التعلق الحقيقي بزوجته في آن واحد!
الفيلم مبني على فكرة التعدي.. فالشخصية تغزو الشخصية الأخرى، ويفيض الماضي على الحاضر، ويهيمن الميت على الحي.. وهكذا أيضا شكل ألوان الحب.. فيلم الديجيتال 40 دقيقة، الذي حصل على الجائزة الذهبية بمهرجان الساقية الأول للسينما المستقلة 2004، وهو الفيلم الثالث لمؤلفه ومخرجه أحمد غانم (بكالوريوس سياسة)، إنتاج "سمات"، تصوير أحمد عبد العزيز، ومونتاج أحمد داود.
-------------------
عيد الأم، طارق وليلى في جولة لشراء هدية لأمها تسفر عن شراء طارق لحذاء أعجبه، ثم يتملص من زيارة الأم التي لا يخفي كرهه لها متهما إياها بالتسميم الدائم لأفكار زوجته. يخلوان مساء لبعضهما وطفلتهما نائمة، يغمر طارق ليلى بخمره وقبلاته (ولكليهما في الفيلم معنى رمزي هو الاستعباد بالنشوة).. وهكذا انتهت الليلة بما أراد طارق فقط.. وبصوت فيروز الذي يعشقه، بعدما منح ليلى هدية هامسا: "كل سنة وانت طيبة يا أحلى ماما في الدنيا".. ويترك المخرج اللحظة الحارة ليركز على الحذاء الجديد الغامض ويتركنا للتوجس.
في الصباح يدور حوار قصير بينهما يلغي فيه طارق شخصية محبوبته رغم فيض حنانه وتدليله لها، يقرر وحده فيلم السهرة، يأمرها بما ستطبخ وبكيفية طهيه، يلبس الحذاء الجديد ويتركها ليومياتها المنزلية الرتيبة بينما فيروز تصدح وكأن روح طارق تهيمن على المكان في غيابه، طارق الذي إن قرر ممارسة الحب ظهرا واستحت ليلى لقرب رجوع طفلتهما من المدرسة قال ببساطة متناهية: "أنا رجعت من المدرسة!!"
فجأة يأتي رجلان بطارق وقد وقع فريسة لأزمة تنفس، ليلى تخلع له الحذاء الجديد، يشرد وتومض في ذهنه أحلى مقتنياته وأحب "الأشياء" لقلبه.. ليلى والطفلة.. تدور المروحة ثم تزوغ.. وعلى صوت فيروز قبالة الحذاء المخيف يموت طارق!!
---------
في أربعين طارق، تختفي ألوان الفيلم ويتحول للأبيض والأسود.. ثم تنهمر ذكريات ليلى مجسّدة في مشاهد حية فتعود الألوان للحظات مع حضور طارق، ثم تختفي مع إفاقة ليلى للواقع الرهيب الذي ألفت نفسها فيه بعد انهيار ذلك الظل الوسيع الذي احتواها لسنوات.
ليلى حائرة وأمها تتشاجر مع أخت ليلى هاتفيا وقد هجرت بيتها، وتتشاجر مع ليلى على ذكرى طارق، الأم وابنتاها في دولاب استغلال متبادل عنوانه "من يسخر الآخر لخدمته؟"، وتمارس الأم ابتزازها العاطفي، تضج ليلى فتتجه للمطبخ لتدخل كهف الذكريات.. طارق يلون حياتها ثانية، نلمس التفاصيل اليومية التي تكشف ازدواجية التعلق والقهر في نفسية ليلى، وبسلاسة وشاعرية يرتحل بنا غانم وبطلاه المبدعان من الحاضر للماضي للحاضر، ليلى تصارع نفسها.. ارتبكت لرحيل طارق حتى فقدت الثقة بالقدر، فربما يخطف ابنتها بعدما اختطف سندها، ليلى وطارق في الفراش السعيد فتلمح خرابيش نسائية على ظهره فتثور ليخرسها طارق بحقوقه المطلقة، جارة ليلى تنادي رجل البيكيا ولكن ليلى تستنكر وتتهيب بيع المرء لذكرياته، نحس صراعها الخفي بين رغبتها التحرر من سطوة طارق حتى بعد رحيله من جهة وذوبانها جسما وروحا فيه من جهة مضادة، وحتى حين تقرر بيع حذاء النحس فيبخس رجل البيكيا ثمنه ترد بعفوية: "لا دي بتاعة طارق!"
وختاما تعرف ليلى أنها حبلى! فماذا تقرر؟ "أسميه طارق وأربيه على مزاجي!"..
نعم.. لهذه الدرجة هذا الحب.. لهذه الدرجة هذه العبودية!!
-----------

Thursday, August 16, 2007

تنبوء

يأتي زمنٌ.. يُقْتَلُ فيه الشعراءُ مئاتْ
هذا قتلته امرأته
هذا قتلته حكومتهُ
هذا قتلته الإحباطاتْ
ينتحر البعضْ
مملكتي ليست من هذي الأرضْ
يلقي العقلاءُ على الشعراء القبضْ
ويموت الشعرُ.. يموت الشعرُ.. يموت الشعر بهذي الأرضْ
-------
يأتي زمنٌ.. يصبح فيه الشعر مواداً تُدْرَسُ فى التاريخْ
كان الإنسان يقول الشعر سنينا بعد أن اخترع الصاروخْ
ينفجر الأطفالُ الأحفادُ من الضحكْ
فيدق الأستاذ المكتب.. يستطرد:
حتى لفظوا آخرُهم آخرَ أنفاسِهم في مُنْعَزَلِ بين الكردونات السِلْكْ
-------
يأتي زمنٌ.. يتسول فيه الشعر ليُنطَقْ
يَطرُقُ يَطرُقُ.. لكن لا يُطْرَقْ
تلمحه الصبيةُ تتبعه.. تلقيه بأحجار استغرابْ
يركض فى الطرقات.. يُشَدُّ الشَّعر من الشَّعر فينزف
يترك بصماته حين يحاصره الجمهور على الأثوابْ
يسعى فى الطير.. فيُنْتَفُ ريشه.. يُفضَح رمزه.. تتكسر أبيات فيه
وتجنّ القيثارة فى بحّة صوته.. ينعق.. ينهق
يُفْزِعُ آذان الجمهور ويضرب بجناحيه الصف ويركض
يحجل.. يزحف.. حتى..
حتى يحتضر على الأبوابْ
-------
يأتي زمنٌ.. سيهاجر فيه الشعر المتبقي سهوا
يتنكر فى زيّ ليليٍّ
يختم صورة مصنع تبغ ببطاقته
ويجوب قطار الليل.. يجوب جميع المنهزمين
المنبوذين الشاذين الفارّين
القتلة والسفلة والأوغاد المنتحرين
ليبيع لهم آخر ما معه من حلوى
آخر ما لُفِظَ من الزمن المهجور من الأبيات الحلوة
يعُطون الشعر مَفَرّاً فى أنفسهم
يعطيهم.. بعض السلوى
-------
في زمنٍ ما
كان الشعر يُرَدّد فى الطرقات
ويتردد فى الليل على السمّار
ويدخل كل بيوت البلدة.. يأمن شر الصبْيَة
يركب فى الحرب الخيل ويشعل معركة التحرير
ويترك للغير غنائمه بحثا عن أغُنيّة
يبحث عن شرف للفرسان وعن قُبَلٍ للموتى
عن ليلٍ فيه قمرٌ وصبيٌّ وصبيّة
كان الشعر شجيرة حُسْنٍ تنمو فى سنوات السلم وتفقد حين تنام مع الليل العذرية
عرسٌ يتكرر فى أعياد إله الإخصاب
يصير الشعر عروسا وجوادا وعناقا للجُمَل الليلية
تتطاير أبياتٌ سكرى
تتلقفها الأطفال فتثمر فاكهة في العينين ورؤيا
للرب.. لآلهة تتبادل أقداح الخلق وأنخاب الحرية
كان الشعر صديقا للرحالة والعسكر والصنّاع وأهل المعبد والعاهرة الثكلى والراقصة الليلية
إني لا أعرف بالتحديد لماذا صار الشعر عبيط القرية
-------
يأتي زمنٌ.. تتكاثر فيه استفسارات تلامذة الحفريات عن الزمن الغابرْ
عن شكل الشاعرْ
الشاعر مرحلة وسطى بين الإنسان القرد وبين الإنسان الطائرْ
-------
يأتي زمنٌ.. سيدور حوار بين الناس وبين الشعرْ
يفقد في آخره الشعر الصبرْ
فيشدّ الشَّعرْ
قولولي ماذا أعطيكم؟
ماذا تعطيكم يا أخوة رائحة الزهرْ؟
إني لا أعرف كيف أعيد القدرات الجنسية للعاجز
لا أعرف كيف أعيد الغائب
إني لا أفعل أكثر من معجزة السحرْ
لا أفقس بيضا لكني.. أربطكم في أجنحة الطيرْ
لا أزرع عنبا لكني.. أدخلكم في دائرة السُكْرْ
لا أحيي الموتى لكني.. أحييهم فيكم
لا أزعم أني سأصارع مَلَكَ الموت ولكني.. أفتح فيكم أبواب القبرْ
أرقد فيكم.. أنهض فيكم
أعطيكم تجربة الإحياء.. أريكم روح الأشياء
الخلق.. الخالق.. كيف تكون الزهرة فى أيديكم وتراها عين العقل
تُشَمُّ بأنف القلب.. تُلَوَّن ثانية فيكم
تتشكل فى واديكم طفلاً.. طيراً.. وجه امرأةٍ.. أعطيكم لون أمانيكم
لغة الأنحاء.. وملمس جدران الدنيا.. أرسم أشواق أراضيكم
أكسر أصوات الموج وآخذكم.. فى رحلة موت بحريّ وأنجيكم
أنْفُذُ فيكم صوتا للنور وطعم ظلام يقبع فى أصداف مآقيكم
يتحجر فى قوقعة القلب.. يدق الحائط.. يُنْهيكم
وأفكّ اللغز وراء اللغز على أعتاب مواجعكم.. وأداويكم
وأُجَرّحُكُمْ -إن لزم الحسن- وأفضحكم
وأشذ شذوذ الكون.. أُجَنّْ.. أحِنُّ الى سفرى فيكم
أرقد فيكم.. أنهض فيكم.. أُحْييكم.. أحييكم.. أحييكم
-------
يأتي زمنٌ.. يأتي زمنٌ.. يأتي زمنُ
-------

ليست قصيدة

ليست هناك قصيدة ٌ
الباب أضيق من مرور الروح ِ
ريحُ تستريح على انتفاض الجلدِ
والشباك رسمة صرخة ٍ فى وجه بردٍ لايمرّ
والليل كرسيّ ٌ عتيقٌ.. والقمرْ
مصباح زيتْ
وحبيبتى لما تعِدّ الشاي لي تنتابني الذكرى
ويخلو الجسم من أركانه الثلجيةِ.. الدفءُ الذى يأتي به الفنجانُ يدخل فى لباس النوم ِ
أنهض كى أحس بأنني فى البيتْ
أغفو على الشباكِ.. كنت أحاول التذكار فى خشب المقاعدِ
والهواء يمر من بين الحواف.. يوقظني السؤال
النوم والشاى المُدَلى
أي ّ من الاثنين أحلى؟
ـ ـ ـ ـ
لا يا حبيبة لا أريد النومَ.. طاب مساؤكِ
لن أنسى إطفاء المصابيح الصغيرة
نوما هنيئا.. أيقظيني في الصباح..
لأنني فى هذه الأيام لا أصحو كثيرا
ـ ـ ـ ـ
النوم أصبح مأزقًا.. يأتي بلا وقت ٍ.. بلا سببٍ
بلا طير يحلق فى الجفون قبيل أن يأتي ليعلن عن مجيء النومْ
النوم يدخل جلستي.. كوفيتي.. همسي الأخير.. غياري الصوفيّ.. مأدبة العشاءِ
مناقشات الأصدقاءِ.. تذَكّر الأيام -هل مرت بنا حقا؟- وهل كنا الذين يقصّ عنهم هؤلاء القوم؟
من هؤلاء؟؟ الأصدقاء بلا وجوهٍ.. والوجوه بلا جرَِسْ
ما عدت أذكرهم وهم حولي ضبابٌ فى خرَسْ
أغفو ويوقظني السؤال
النوم والتذكار والشاى المدلى
أيّ من الميتات أحلى
ـ ـ ـ ـ
اليوم أعرف حين أنظر للكتابة فى الجريدةِ
-ليس حرفٌ واضحاً إن لم أضع نظارتي-
اليوم أعرف أن عاما قد مضى
فشرابي الصوفيّ أسمك.. رُوبي الصوفيّ أطول..
كلبي المجنون من زمن ٍ يحط بجانبي
لا عاد يصرخ أو يكسّر أو يجيء على ندائي
اليوم أعرف أن شيئا من حماسته انقضى
اليوم أعرف.. أن عاما.. قد مضى

Thursday, August 02, 2007

هامش


من هذا الهامشِ.. من أعلى لحظات الضعفْ
يزحف شِعري جيشا من نملٍ فى عرش الأمسْ
من هذا الهمسْ
تتولد إيقاعات الزمن القادمْ
من هذا الركن الناعمْ
أشحذ نصل السيفْ
وأبايع نفسي

سكين أخضر

أحتاج لسكين أخضر
أوغله فى صدر الشر
أحتاج لسكين أعمى
يتصيد حتى الشر بقلبي
يتعقبه حتى قتلي
أحتاج لسكين أخضر
يحصدنى حتى أتحرر
من قسوة هذا القلب الأعمى
(1992)

أغنيــــة

كم كان حلواً.. حلواً كانْ
وكان شيءٌ.. شىءٌ ما
يكاد يصبح فى الإمكانْ
لكنّ طيراً..طيراً طارْ
وضاع فى جنبات الكونْ
وكنت أرسم بالفرشاة
وتمسح الصفحات اللونْ
وكان لونٌ.. لونّ مـا
تكاد تشربه الصفحاتْ
لكنَّ هذا الدفتر صارْ
للبيع مع كل الصندوقْ
لما شرعت أبيع الدارْ
وأضيع فى جنبات السوقْ

سيدة المسرح

قابلت امرأةً في الطرقات فقلت لها
سيدة المسرح
كانت من قبل تمثل أدوار الملكات فصارت ملكة
إني شاهدتك قلت لها
في كليوباترا تنسكبين مع الضوء ليونة
في ميديا تنفجرين جنونا
وشهدتك تحتضنين أوديب وهملت والمجنونا
وأنا يا سيدة المسرحْ
تابعت عروضك من أسوان إلى سينا
قالت لي شكرا
قلت لها
مُذْ أن قُلَّدْتِ يا سيدة المسرح تاج المُلكْ
وأنا أتمنى أن ألقاك مصادفةً
قالت لي شكراً.. قلت لها
سيدة المسرح كدت أجنّْ
جئتك من قبل وأوقفني مسئول الأمنْ
أفهمته أني أحد الناس المنبهريـــنْ
أفهمني أنك تجتمعيــــنْ
ظهري مستند للشجرة
شهرّ ولّى.. شهران.. ثمانيةٌ.. عشرة
لا بأس.. فإني أفهم كيف يطيل الصحفيونْ
سيدة المسرح.. كدت أجنّْ
هذي جلنارْ
زهرة أعمال العبد المتواضع للفنّْ
هذي جلنارْ
قصة سيدةٍ..
رحماك.. لا
لا تمشى يا سيدتي الآنْ
لا تمشى يا
لا
ـ ـ ـ
الضوء الأخضر يُمنَح فى بعض الأوقاتْ
لتمرّ عليـــك السيــاراتْ
1987

قصيدتي دائرة الألوان - مجلة دبي الثقافية عدد أغسطس

في قلبي دائرة الألوانْ
تدرينْ؟
تلك الدائرة الخشبية..
كنا بالأمسْ..
فى معمل مدرستي ندفعها.. ندفعها.. ندفعها.. يا سبحانْ
فتظل تلفُّ تلفُّ تلفُّ تلفُّ تلفُّ تلفُّ تلفُّ.. لتعطي لون الشمسْ
ـ ـ ـ ـ
أحمر فى القلبْ
النهد الخنجر يُرشَقُ فى زاوية القلبْ
النهد الحلمْ
جسد لامرأةٍ أو لقتيلٍ أو لثريدٍ.. أشرب كأس الدمْ
الإيقاعاتُ الإفريقيةُ.. وشم النار على خد الأطفال.. اللهبُ.. الشهبُ.. القنبلة اليدويةُ.. ليلتنا الحمراء الأولى.. الثانيةُ.. الثالثةُ.. الألفْ
النهد السيفْ
أرشقْني فى صدر امرأةٍ عاشقةٍ ننجب لك ثورة
أحمر فى القلب.. مساحة موتٍ أو ميلادٍ حرة
ـ ـ ـ
أصفر فى القلبِ.. مخاض القمح.. أغارُ أغارُ أغارُ
الوردة صفراءُُ يا أغبى من قابلتُ.. أحبكِ
أشعل رأسي الخوفُ فأنبت زهداً
الوحشة.. رعشة إصبع تبغٍ.. تبتسم الصفراء صفاراً.. ألفظ حقداً
أصفر فى القلب وفى الأمعاء وفى الأسنانْ
ثابتةُُ دائرة الألوانْ
ـ ـ ـ
أخضر فى القلبْ
يقول الشعراء كثيراً فى اللون الأخضر
أما عني.. سقط الورق الأخضر منذ سنين
وتعرت كل الأشجارْ
وامتد خريف مثل الدود وخرب تجربة الإثمارْ
لا أعرف عن لون الخضرة
إلا الفكرة
إلا.. ما لم يكن الألوان الأخرى
ـ ـ ـ ـ
فى القلب بنفسجةُ تمنحني لون الحزنْ
الدفء.. الصمتُ المتأهب للصوتْ
أو للموتْ
امنحنى طلاء بنفسجةٍ.. أمنحك دموع الناي.. وسحبةَ قوسٍِ فوق كمانْ
(تبدأ فى السعي على مهل دائرة الألوان)
ـ ـ ـ ـ
أزرق فى القلبِ استوقفَ دائرتي القزحيةَ
يفتح ضوء القمر الأزرقَ.. موج البحر الأزرقَ.. وجه الموت الأزرقْ
رجل يُخْنَقْ
أتشتت فى الإيحاء الأزرق بين النجمْ
وثلوج الفمْ
أزرق فى القلب.. نبيّ الفجرْ
فيروزٌ يتدفق فى لؤلؤة القلبْ
والبردُ البردُ البردُ البردْ
وعلامات الضرب
ـ ـ ـ ـ
في قلبي دائرة الألوانْ
تدرينْ؟
وقفت من زمنٍ.. أو قولي.. أبداً لا تتحرك.. حتى ألقاكِ.. فى الأسبوع الماضي
أشعر أن الدائرة الصخرة
صارت حرة
دارت دورة
دورة
دورة
أَخَذَتْ دائرة الألوانْ
تبرح ناصية النسيانْ
واليوم صحوت على صوت فى القلبْ
وعرفت الآن
كيف استبقيتُ اللون الأبيض فى قدس الأقداس وفى حرم الأحرام وفى ركن الأركانْ
وصحا فى القلب القلبْ
ورحلتُ الى سنوات الدرسْ
وانتعشت دائر ة الألوان
لتظل تلفُّ تلفُّ تلفُّ تلفُّ تلفُّ تلفُّ تلفُّ تلفُّ تلفُّ تلفُّ تلفُّ
فتعطي لون الشمس
ــ ــ ــ ــ

همس النخيل


نعمات ريفية كادحة من قرية إمياي، لديها من السنوات 45 ومن الأولاد ستة، تعمل قفاصة -تصنع الأقفاص- مع زوجها من ثلاثين عاما، هي أول من يستيقظ بالبيت، توقظ زوجها هامسة لنفسها (ده احنا لو ريحنا يوم ما نلاقيش نوكل العيال)، تلتئم الأسرة حول الطبلية، الكل يأكل مما تيسر ونعمات شاردة في أغلالها ما بين تعب جسدي مستمر وفقر بيّن وقدر موجع أعطاها ولدا وبنتا من الصم والبكم (عذابي الحقيقي إني كنت بشوف زرع بطني بيدبل من حواليا).. ولكن نعمات لم تستسلم، بل أصرت على أن يتعلم أولادها وبخاصة المعوقان (الاثنين دول لازم يتعلموا.. أسيبهم لمين؟؟)..

نتابع مسيرة هذه الكتيبة من المنزل للزراعية حيث ينقسمان لمجموعتين: مجموعة الدراسة ومجموعة التقفيص.. الأولى بها محمد وإيمان –المعوقان- وأختهما سحر، والثانية مكونة من نعمات وزوجها وابنيهما أسامة وإبراهيم اللذين لم يحرزا تقدما تعليميا فاستسلما لجحيم التقفيص.

نحن الآن في الورشة، اللقطات القريبة والمتوسطة التي تميز الفيلم كله تجبرك على أن تعيش خنقة هؤلاء الناس لمدة 14 ساعة يوميا، (ده عرقنا احنا الأربعة في القفص 57 قرش!!) بينما هم يحتاجون إلى 7 جنيه يوميا لمحمد وإيمان فقط لأن مدرستهما في بنها (وأنا منبهة عليهم ماحدش يدفعلهم الأجرة ولا يستعطف بيهم)..

ننتقل لصف الصم والبكم بينما صوت نعمات الداخلي لا زال يصاحبنا، ثم ننتقل إلى ورشة التقفيص حيث تعيد المخرجة لحظة من الحياة دون أن تشعرك بأنها فارقت الأسلوب التسجيلي للفيلم.. فلأنها (مهنة متعبة والجميع تعبان منها) يترك الابن أسامة الأعواد ساخطا للحظة فتسأله نعمات (مالك يا عين أمك؟) فيجيبها (دماغي مصدعة) فترد نعمات ما بين مطرقة العوز وسندان الأمومة (قولة انك تعبان دي بتزعلني لأن أنا أم.. حعملك شاي بس اشتغل).

الوحيدة التي لم نرها من الأبناء حتى الآن هي زينة التي أخذت الدبلوم وتزوجت، فهل نجت من قبضة التقفيص؟ أبدا.. تزوجت قفاصا وصارت مثله قفاصة وهي الآن تزورهما في الورشة ومعها ابنها الرضيع، تسألها الأم لماذا رضيت بهذا العمل؟ فترد زينة عليها: ولماذا رضيت به قبلي؟!(بيؤثر في نفسي أما بشوفهم حواليا وبيشتغلوا امال كنت بعلمهم ليه؟؟) تقولها وقد اجتمعت الأسرة كلها في الورشة.. وحين تذرف نعمات دموعها الحقيقية التي لا جليسرين فيها فلابد لكل بشر أن يبكي معها..

في المساء يعودون، نعمات شاردة فيما تحمل من هم (كنت كل ما أكون راضية بحالي تفاجئني الدنيا بشيء أصعب من اللي قبله) ثم تركز مع ابنها محمد الذي يتابع مع أبيه وأخويه المباراة محاولة قراءة أفكاره (آه يا ابن بطني.. اليوم انت اللي بتربيني!) .. أليست كلمات نعمات عذبة وصادقة؟ (أنا عشت جوة قفص ماعرفتش أبدا أخرج منه).. ثم تستدرك (هو أنا لوحدي؟ ما كل الخلق مزنوقين برضه جوه قفص!)

وتلتقط المخرجة هذه الاستعارة لتخلق لحظة ختامية مشحونة حيث نعمات تتقلب في سريرها وطرق التقفيص في أذنيها من جهة ولقطات من الورشة من جهة أخرى إلى أن تحمل نعمات الحفيد وتنظر للبعيد في عشم عكس نظرتها الحقيقية في فراشها للغد الغادر وعيناها متوجستان لتهمس (يا ترى حيحصل جوة القفص حاجة ثانية حلوة؟؟).

"همس النخيل" سيناريو وإخراج شيرين غيث خريجة معهد السينما عام 1996، إنتاج قطاع النيل للقنوات المتخصصة عام 2006، تصوير وائل يوسف وشريف شعير، مونتاج سامر ماضي، وقد حصل على جائزة أحسن فيلم تسجيلي وجائزة الإبداع للمخرجة بمهرجان الإذاعة والتلفزيون، وأحسن تسجيلي فوق 15 دقيقة بالمهرجان القومي للسينما، وجائزة لجنة التحكيم بمهرجان النيل لأفلام البيئة.

Tuesday, July 31, 2007

نظرة


من صاحب الشعار المريب "الشرطة والشعب في خدمة القانون"؟! ولماذا أصبح بديلا للشعار المنطقي السابق "الشرطة في خدمة الشعب"؟! وأيّ الشعارين أقرب لروح كل دساتير العالم المعاصر؟
"الشرطة في خدمة الشعب" كان شعارا براقا أكثر منه واقعا يوميا، ولكنه كان واضحا في نسب السيادة للشعب، والجيل الذي ينشأ على ذلك الشعار يقرّ في وعيه أن الشعب هو أصل جميع السلطات، ورغم أنه يقابل في الحياة مشاهد غير سارة أحيانا تخص علاقة الشرطة بالشعب، إلا أنه يظل مؤمنا بأن الشرطة يجب أن تكون في خدمة الشعب.
أما شعار "الشرطة والشعب في خدمة القانون" فيؤسس لعلاقة عكسية وبنبرة لا تخلو من التعالي والرغبة في الانتقام من الشعار القديم، ناهيك عن أنه شعار خال من المنطق القانوني السليم، فهو يقطع العلاقة المباشرة بين الشرطة والشعب ويصورهما ككائنين متساويين كلاهما خادم لكائن ثالث هو القانون، وهذا غير صحيح، فرجل الشرطة موظف عام يتبع وزارة الداخلية التي هي جزء من السلطة التنفيذية إحدى السلطات الثلاث التي من المفترض أن تخضع جميعها للشعب، وهذه السلطات الثلاث التي تشرّع القانون وتطبقه وتنفذه إنما تفعل ذلك كله باسم الشعب الذي يدفع رواتب العاملين فيها، والذي يستطيع أن يغير القانون نفسه متى صار متخلفا عن تطور الحياة، والذي له وحده الحق في اختيار من يحكمه ومن يمثله، والذي يظل صاحب السيادة الأصلي على الأرض والمؤسسات.

ده مقالي في مجلة أوراق اشتراكية عدد يوليو 2007


سيما أونطة.. هاتو فلوسنا!!
خالد الصاوي

تتكون صورتنا عن أنفسنا من عدة عناصر متفاعلة يحكمها في نهاية الأمر حجم ما حققناه من إنجاز واقعي بالقياس لما تمنينا تحقيقه سلفا، وبالمقارنة بما أنجزه الآخرون من أقراننا..
وعلى هذه الخلفية فلنتساءل: لماذا بعد أكثر من مائة عام من السينما، وبالرغم من عشرات الأفلام الممتازة، تنظر الجماهير المصرية لسينماها نظرة منخفضة التقدير إلى حد كبير؟

فباستثناء مجموعة نادرة من التحف السينمائية لقلة من صناع أفلامنا، ومع تسليمنا بأننا جميعا لم نتمكن حتى الآن من مشاهدة كل إنتاج السينما المصرية وهو واحد من عيوب منظومتنا السينمائية القاصرة، إلا أننا دائما ما نلاحظ في حدود الكم الكبير من الأفلام المتاحة وجود شيء تافه أو ساذج أو غير مدروس في الفيلم المصري.. شيء تاريخي عبرت عنه الجماهير بعبارات موحية من عينة "كلام أفلام"، "فيلم عربي"، "سيما أونطة".. ما هو هذا الشيء؟ وما حتمية وجوده؟ ولماذا هو شبيه بكل مصنوعاتنا المصرية التي لا تصمد أمام المنافسة العالمية؟ وما علاقة هذا الشيء بتكرار أزمات السينما المصرية بشكل شبه رتيب؟ ولماذا كتب على الفيلم المصري طوال تاريخه أن يكون مساحة ترفيه مكررة تحدها من الجهات الأربع محدودية الابتكار في جميع صناعاته، بدائية تسويقه محليا وخارجيا، سطوة جميع السلطات عليه، والمزيج الفريد من التبعية شبه المطلقة لليبرالية الغربية مع التشبث الرهيب بالقيم الشرقية وأهمها القمع والنفاق والعشائرية؟!

لقد غزا الفن السينمائي الوليد بلدان فرنسا ومصر وروسيا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة وبريطانيا في أوقات شديدة التقارب، ولكنه سار في كل منها في مسار خاص حفرته تفاعلات السياسة بالاقتصاد بالقيم الفكرية والجمالية والأخلاقية المتناحرة، وكانت له في كل منها تحدياته وصولاته وكبواته، وخلق لكل منها مجال نفوذ سينمائي إقليميا أو عالميا..

وبالرغم من الإنجازات الملفتة للسينما المصرية التي تجاوزت القرن من عمرها إلا أنها عامة سينما مأزومة إنتاجيا ومتواضعة في غالبيتها فنيا وفكريا إذا ما قورنت بالسينمات الأخرى التي ولدت معها، بل ولو قارناها بما كان يمكن أن يصيبها من مستقبل أفضل في بداياتها بفضل توافر روافد النهضة الفنية من المسرح والموسيقى، وعلى أرضية ثورة شعبية كبيرة في 1919 مهدت للبرجوازية المصرية الطريق لمشاركة الاحتلال البريطاني قضمة من كعكة الحكم والثروة، وفي إطار أكذوبة الاستقلال النسبي تحت راية الباشوات الذين رعوا تدفق رؤوس الأموال الزراعية على إنشاء الصناعات الوطنية..

والمتأمل لإعلانات الصحف في تلك المرحلة من تاريخنا ليلاحظ كيف تسولت تلك البرجوازية زبائنها بوازع الوطنية، ولم تخجل من استخدام أسماء سعد زغلول ويوسف وهبي وأم كلثوم للترويج للصابون المصري والتبغ المصري، وهكذا أيضا تم التعامل مع الفيلم المصري كسلعة مضمونة الربح طالما هي مصممة على الطراز الغربي، وتتمسح بالمصرية، ويتم حشوها بعناصر الجماهيرية المجربة سلفا، ودون أن تثير غضب السلطة السياسية أو الدينية نهائيا.. والمسألة بهذه الكيفية لا تحتاج مؤسسات عملاقة ومتشعبة.. فمكاتب إنتاج وتوزيع صغيرة وستوديوهات بدائية لقادرة على تنفيذها.. وهذا ما كان.. لقد قرر مستثمرو الفن السينمائي في مصر أن يكونوا صغارا ومهادنين وأن يكتفوا بالأسهل من الربح مقابل بذل الأقل من المغامرة.. فلم يرحبوا طبعا بمحاولات فردية هامة لصناعة الكاميرا أو الشريط السينمائي أو عمل فيلم كرتون أو تجربة مواضيع مختلفة أو تحدي أية سلطة..

وبينما كانت أفلامنا الجماهيرية الركيكة تتلمس أولى خطواتها في الثلاثينيات كانت التعبيرية الألمانية قد ظهرت وأثرت في السينما العالمية منذ عقد من الزمان، وقبلما ينفذ طلعت حرب مشروع ستوديو مصر كان الروس قد صنعوا سينما جبارة في العشرينيات رغم حصار الدول البرجوازية للثورة الروسية.. (نعم صنع ثوار روسيا الكاميرا والشريط ودور العرض الكثيرة وأبدعوا عليها مدارس فنية خالدة وسط الحصار!).. والسينما المصرية أقدم من السينما الإيطالية ولكنها لم تبلور اتجاها فنيا عالميا على غرار ما قدمته الواقعية الإيطالية في الخمسينيات من القرن العشرين، أو الموجة الجديدة في فرنسا الستينيات، ناهيك عن البون الشاسع بين صناعة السينما في مصر ومثيلتها في أمريكا وبريطانيا، حتى وصل الأمر إلى أن تجاوزتنا تباعا سينمات أخرى ظهرت للوجود بعدنا مثل السينما الهندية والصينية والإيرانية مؤخرا.. فهل يمكن فصل تلك الحقائق عن الحقائق الأعمق: أننا رغم مئوية السينما عندنا لم نتمكن من صناعة الكاميرا ولا أي جزء من مكوناتها ولا حتى شريط السليولويد رغم المحاولات الفردية لمحمد بيومي وأوهان مثلا والتي لم تلق أية رعاية لغياب المؤسسسات السينمائية العملاقة التي تبني الأساس المادي اللازم لصناعة السينما؟؟

فتلك البرجوازية الوليدة المهجنة من الملاك الزراعيين والصناعيين، والتابعة للغرب رغم تنافسها معه على استغلال جماهيرها، والتي يتناقض داخلها الغلاف الليبرالي المتفرنج بفلسفة وآليات القمع الشرقية المتوارثة عبر القرون، والتي رضيت بنصيب متدنٍ من مستوى الإنتاج والتسويق والخدمات والربحية قبالة التفوق الغربي.. إنما هي المسئولة الأولى عن تحجيم الفيلم المصري بشكل لا يمكن فصله عن مجمل محدودية إنجازات البرجوازية المصرية سواء في مجال التصنيع أو التحديث أو الابتكار أو التنمية الذاتية، وهو الانعكاس المنطقي لخياناتها الاجتماعية المتتالية لأمة من الفقراء والمضطهَدين تكافح منذ مطلع القرن التاسع عشر من أجل استقلالها الكامل ونهضتها الشاملة وصولا للتحرر الحقيقي والعدل الاجتماعي.

إن أغلب الأقلام التي تؤرخ للسينما عامة -وللسينما المصرية بخاصة- هي أقلام واقعة تحت سيطرة الفكر البرجوازي، ولهذا نجدها تركز على الجانب الفني لتاريخ السينما فاصلة إياه عن مجمل العلاقات الإنتاجية التي يتحصل عنها، وكأن الفيلم يخرج للنور من العدم لا تحكمه شروط عديدة حسمت على مدار السنوات سقف التوقعات بشأنه.. ولكن الحقيقة الغائبة هي أن جميع إنجازات السينما المصرية تعود لأجرائها من الفنانين والفنيين أبناء الطبقة الوسطى رغم تواضع أغلب هذه الإنجازات، بينما جميع أزمات السينما المصرية راجعة للبرجوازية المنتجة والمسوقة للسينما رغم تجاوزها لتلك الأزمات تباعا.. فالمشكلة هيكلية بالأساس.. نمط الإنتاج السينمائي نفسه -بما يحتويه من مختلف آليات استثمار الفيلم- هو نمط هجين ومرفه وغير صدامي وخصي في بلاط الاستبداد والإمبريالية تماما مثل البرجوازية التي تمتلكه وتديره، أما الفنانون والفنيون من أبناء الطبقة الوسطى فهم من منح هذا الفن حق الحياة بكل ما فيها من تناقضات.

لقد انهارت برجوازية الباشوات على أيدي سلطة يوليو 1952 والتي استندت لقاعدة اجتماعية شابة وقتها هي الطبقة الوسطى –الأفنديات سابقا- ولكن السينما سارت في المسار الذي حفرته خلاصات تجاربها السابقة في إطار فلسفة "اضرب واجر" والتي تبنتها برجوازية الباشوات وأورثتها لبرجوازية دولة العسكر فيما بعد والتي عبرت عن نفسها بوضوح متصاعد بعد نكسة 1967 تلك التي أنهت رسميا مشروع الطبقة الوسطى الناصري للتنمية المستقلة ومواجهة الإمبريالية وأحلت محله مشروع برجوازية مصرية جديدة تعمل تحت جناح الإمبريالية..

ومن سمات البرجوازية المصرية الفقدان المنظم لما تكسبه اعتباطا.. فبالرغم من نمطيته البالغة ومحدودية آفاقه الفكرية، إلا أن الفيلم المصري كان حسن الحظ عربيا حتى صار يشكل ثاني دخل للاقتصاد المصري، كان سفيرا فوق العادة للأمة المصرية في ربوع العالم العربي وحتى اندونيسيا، إلى أن فقد تلك المكانة تدريجيا لسبب جوهري في نمط إنتاجه التجميعي –التلفيقي بالأحرى- والقائم على تكرار المأمون وتجنب المغامرة، فقصة الفيلم لا تأتي من التربة المصرية إلا نادرا، وطرز النجوم مستوردة من هوليوود منذ الثلاثينيات، وكلما شئنا إظهار التميز في عنصر من عناصر الفيلم لجأنا للغرب كما هو حادث الآن على مستوى مشاهد الحركة أو طبع الفيلم مثلا.. من الغرب إذن أخذ الفيلم المصري الكاميرا والشريط السينمائي والمعامل والكمبيوترات والأفكار، ومن الشرق أخذ أدوات القمع والفوضى والعشائرية.. وبعد عشرات السنين من تدخل الدولة في الساحة السينمائية لا نجد إلا الآثار البيروقراطية فقط.

السينما عمل جماعي مركب ومكلف، وتدور حول حلقة إنتاج الفيلم حلقات كثيرة تسبق وتتلو صناعة الفيلم، وإذا كنا نتخيل أي تطور للسينما المصرية فلابد وأن نرى ذلك في سياق عملية ديناميكة تربط الفن المدرسي بالجامعي بالأكاديمي المتخصص بمساحات التعبير المتاحة بآفاق استثمار الفيلم داخليا وخارجيا، السينما فن مؤسسات.. ومؤسساتنا "البرجوازية" قاصرة..

تأمل مثلا تلك العبارات المتداولة في البرامج التلفزيونية وفي الحوارات الصحفية والتي تؤكد على أن هناك أزمة نص أو أزمة ابداع في المخرجين الشبان أو ندرة الموهوبين في التمثيل، بينما المتابع بجدية للشباب المغمور هنا وهناك لابد وأن يستنتج أن الأزمة لم تكن أبدا في طاقة الإبداع في شعبنا المتذوق للفنون بل في الكيفية التي يتم بها استكشاف المواهب الشابة وتنميتها وفتح الطريق أمامها للعطاء الفني.. ليست لدينا مؤسسات حقيقية تضخ الدماء في شرايين المهنة!

هناك شباب قادر على الإبداع من الإسكندرية لأسوان ولا تنقصه إلا الفرص المناسبة.. تلك الفرص التي يستحيل أن توجد في منظومة استثمار الفنون عامة -والفن السينمائي بخاصة- بالكيفية التي وصلنا إليها عبر قرن من حكم البرجوازية الرثة سواء تحت حكم الباشاوات أو العسكر أو رجال الأعمال.. وبعد تجاربنا السيئة مع التأميم البيروقراطي للميدانين الثقافي والإعلامي وما صاحبه من نمو قطاع خاص ركيك وطفيلي بالفعل يستسهل التربح من تكرار نجاحاته واستحلاب مواضيعه.. وقد أدى هذان القطاعان –البيروقراطي والطفيلي- إلى أن أصبح أغلب الفن الرائج بالذات مصمما على شاكلة واحدة هي السلعة الترفيهية البحتة المجردة من الهموم والتحديات الواقعية إلا فيما ندر..

وبالرغم من وجود طوابير من أروع فناني الشرق الفرديين في مصر الا أن السينما كعمل جماعي مخطط هي شيء آخر.. شيء يخلقه ويتحكم فيه مستثمروه أكثر بكثير من مبدعيه.. ونحن في مصر لم نر مستثمري السينما يفتحون أسواقا عالمية أو حتى يخلقوا منها عادة عائلية مستديمة بأن يقيموا في كل حي دار عرض مناسبة وهو أضعف الايمان..

إن هزال البرجوازية المصرية منذ نشأتها وللآن منعكس بلا شك على هزال مستثمري الفن السينمائي طيلة المائة عام سينما، وباستثناء عدد قليل جدا من المنتجين المحترمين تبدو الصورة قاتمة للغاية.. وإن شئت فلتتأمل حال غرفة صناعة السينما والتي هي تجمع لمستثمري الفن السينمائي في مصر تحت إشراف الدولة.. إلا أن ان اسمها أكبر من حجمها للأسف!

وإحقاقا للحق أيضا.. فإن الإنجاز الحقيقي للسينما المصرية لا يعود للفنانين المصريين فقط، بل يعود أيضا للفنيين وعمال السينما الذين ظلوا يغزلون برجل حمار طوال مائة عام من محدودية التحديث بل والتراجع المزمن وبساعات تشغيل طويلة وأجور محدودة.

لحسن الحظ أن مرت بنا عبقريات نادرة كصلاح أبو سيف ويوسف شاهين وغيرهما ولكن هذه العبقريات الإبداعية لم تصادف ما تستحقه من عبقريات استثمارية لا قبل 52 ولا بعدها.. لا في القطاع الخاص ولا في القطاع الحكومي.. ناهيك عن الجهاز البوليسي السخيف المخصص للرقابة على الابداع والذي لا نفهم سببا لوجوده مع تاريخنا الطويل من الأفلام المنحطة إلا لحماية النظام السياسي من النقد، ولولا هذا كله لكانت لدينا سينما عالمية ومجيدة بحق..

حين دخلت السينما في كبوة النصف الأول من التسعينيات هل هب لنجدتها أحد؟ لا أحد.. لا الدولة ولا كبار النجوم ولا غرفة صناعة السينما.. وقبل ذلك.. حين كانت أفلامنا تسرق في العالم العربي والغربي على السواء هل تصدى للدفاع عنها البرلمان بتشريعاته أم اقتصر دوره كالعادة على تقديم الاستجوابات الغريبة لبعض الأفلام؟! وحين راجت السينما مرة أخرى بفعل الحضور الجماهيري الشبابي واحتاجت من أجل تطوير أرباحها لتقديم صوت وصورة أفضل وأفلام حركة وما الى ذلك فهل كانت مؤسساتنا السينمائية جاهزة للقيام بهذا الدور أم اضطررنا للسفر للخارج أو لاستجلاب الأجانب –ولو من جنوب افريقيا بالمناسبة- كلما أردنا فعل أي شيء متطور دون أن نبني على هذه التجارب للاستفادة منها مستقبلا؟؟ أين المعامل؟ أين المعاهد؟ أين الحرف المحيطة بصناعة الفيلم؟ أين مراكز الأبحاث التي يستقي منها الفيلم بياناته ومعلوماته؟ أين دور العرض الشعبية.. أم أن الاكتفاء بأرباح شاشات المولات يغني عن تطوير قاعدة المشاهدة؟! ومعهد السينما ماذا كان يفعل قبالة موجة سينما المقاولات في الثمانينيات؟ هل كان يعمل بجد لتخريج جيل جديد من المبدعين الذين سيتجاوزون ذلك المأزق أم على توظيف أبناء الوسايط وغلق السوق على عدد محدود من المتعيشين على صناعة الافلام؟؟ أين كل تلك المؤسسات الغائبة؟ وبمعنى أوضح.. أين إنجازات برجوازية السينما إذا استثنينا منها قدرتها الفائقة على تكوين الأرباح دون تطوير المهنة؟؟

إن متابعة التجارب المتميزة في ساحة السينما الموازية والتي توجد في الهامش الإعلامي شبه المظلم لابد وأن تؤكد لنا أن في مصر مبدعين، ولكن ليس في مصر مؤسسات سينمائية قادرة على اكتشاف الإبداع وتطويره.. وإن بحثنا عن سينما تليق بنا وبتراثنا هو بحث عادل، ولكن تصورنا أن يأتي الحل من نفس نمط الاستثمار المأزوم هو الهذيان بعينه.. فلكي ننهض بالسينما لابد أولا من توفير عناصر أساسية سياسية واقتصادية وتشريعية وإعلامية لا يمكن انتظارها من البرجوازية وإلا لأجرتها وحدها لمعالجة أزمات السينما المتكررة والمتحصلة عن ضعفها الهيكلي محليا وخارجيا، ولابد ثانيا من تدمير أجهزة محددة أو استبدالها بأخرى عكسية وهو ما يستحيل على الطبقة الحاكمة عمله بشكل جذري لأنها أجهزة من صنعها ومصممة لحمايتها اقتصاديا وسياسيا.. وهذه الرؤية المتكاملة في تقديري هي ما يميز الثوريين عن الإصلاحيين..

فالإصلاحيون واقعون شاؤا أم أبوا تحت جناح البرجوازية وبرون العالم من منظارها الضيق، ولهذا فهم يحبذون التغيير البطيء التدريجي من جهة، ولا يريدون أن يمسوا جوهر العلاقات الاجتماعية فيما يخص الملكية -وسلطة الملاّك بالتالي- من جهة أخرى، وينعكس هذا على تعريفهم لأزمة السينما بطبيعة الحال وعلى تصورهم للحلول.. والنتيجة المنطقية لمجمل رؤيتهم هي ثبات النظام السياسي ولو تغير شكله تدريجيا، واستمرار النمط الإنتاجي ولو تغيرت اتجاهاته بسرعة.. وعلى الصعيد السينمائي يعني هذا توجيه الاستثمارات صوب الاحتكار وإجراء إصلاحات شكلية على الفيلم والمهنة ككل، ولكن تجاه الأمور الجذرية ستبقى الحدود البرجوازية نفسها ضد التطور الكامل والخلاق للفيلم المصري..

هناك فارق أسطوري بين مشروع الإصلاحيين لتطوير السينما المصرية من أجل مراكمة الأرباح في أرصدة حفنة من المستثمرين الراغبين في التنسيق مع الإمبريالية لا سحقها، وبين الرؤية الثورية التي تربط تقدم الفنون والعلوم بسيطرة الأجراء على وسائل الإنتاج في المجتمع.. وهو ما يعني إطلاق كافة حريات التعبير والإبداع وتملّك الأجراء لآيات الثروة -وللقرار السياسي بالتالي- والدعم الكامل للعلم والثقافة والفنون ومحو البطالة ومواجهة المشروع الإمبريالي للعولمة الرأسمالية.. هنا فقط لن توجد رقابة على الإبداع، ولا اغتراب للمبدع، ولا استعباد لأجراء المهنة، وسيمكن اكتشاف المواهب وتنميتها على نطاق واسع، وتثقيف الجماهير فنيا، وسينفتح الطريق أمام الإعلام الحر والنقد العلمي، وتذوب الفوارق بين الفيلم التجاري والفيلم المهمش رغم فنياته العالية، ويتمكن كل مبدع من طرح رؤاه التي يؤمن بها واثقا أن كل فيلم سينادي جمهوره بعيدا عن مؤامرات أرباب السوق، كما سيمكن توجيه الإنفاقات صوب مشاريع سينمائية جبارة بعدما يتحرر الفيلم من اللجام البرجوازي الخانق الذي لا يعبد إلا الربح.. وهذا التصور ليس يوتوبيا مستحيلة، بل هو بعينه ما حققه فعليا انتصار الثورة الاشتراكية في روسيا 1917 من إنجازات سينمائية خالدة بينما أعاق تحققه في مصر إحباط الثورة الشعبية في 1919 وسيطرة البرجوازية –لا الأجراء- على آلة الدولة.. في الحدود التي يسمح بها الاحتلال.

Monday, July 23, 2007

محمود سليمان

استفاد محمود سليمان خريج المعهد العالي للسينما عام 1994 من خلفيته القصصية، فقد انعكس قلمه المكثف ورؤيته الإيحائية وغزله للمعاني بأسلوب رمزي متعدد الأبعاد على فيلميه القصيرين الجميلين "النهارده 30 نوفمبر" و" أزرق وأحمر".

ففي "النهارده 30 نوفمبر" يقدم محمود سليمان شابا مصريا منعزلا يعيش في عوامة ويكتب رسالته الأخيرة حيث قرر الانتحار في هذا التاريخ المميز بالنسبة له متمنيا أن ينجح هذه المرة فيما فشل فيه في الأعوام السابقة.
ورغم أننا أمام شاب مقبل على الانتحار إلا أننا لا نرى أي أسى أو تردد في كلامه، بالعكس، هو يبدو متفائلا ومقبلا على الموت بما يوحي لنا بأن الحياة التي نحياها أحط من الموت بكثير، وهو المعنى المتردد على مدار هذا الفيلم القصير الذي يخطفك من أول لحظة.
وفي نفس الرسالة يوجه الشاب المنتحر كلمة للضابط الذي سيعاين جثته مؤكدا عليه أنها ليست جريمة قتل وليست بالتالي مدعاة للترقي والحصول على دبورة كما يقول هذا الشاب الذي لعب دوره بسلاسة وإتقان الفنان باسم سمرة.
ينطلق الشاب إلى الشارع بحثا عن أسلوب انتحاره في جو مرح للغاية لا أثر فيه لأية مأساة لنقع في سلسلة من مواقف العبث المصري من فوضى الشارع لجنون الحياة داخل الميكروباص، وإذ يستقر الشاب على الانتحار تحت عجلات المترو، يمسك به العسكري على شريط المترو ويقتاده للضابط الذي لا يعنيه إلا رؤية البطاقة ثم يصرفه، فيختار الشاب عمارة ليقفز من فوقها ولكنه يقابل عبثا جديدا حيث لا يجد شاب آخر وفتاته مكانا خاصا يحتويهما بفقرهما إلا المصعد الذي يوقفه البواب ممسكا بالثلاثة شاكيا من أن جميع الشباب يستغلون مصعد عمارته لذات السبب!
وبعد أن يعطي البطل للشاب الآخر وفتاته مفتاح عوامته ينطلق إلى عرض النيل على مركب بمجداف بينما المراكبي العجوز يستحلفه ألا يقدم على الانتحار إذا لم يكن لديه كيس بلاستيك متين يحفظ فيه بطاقته من الماء حتى لا يقبضوا على المراكبي كما حدث معه مرارا! والمدهش أن كل هذا يتم بأسلوب شاعري ولكن بشكل عادي جدا وكأن المشاعر كلها تحجرت ونضبت الحياة ولم يعد هناك مجال لأن يشتهيها حتى الشباب.
وفي لحظة رائعة يتمشى البطل على الكوبري وقد اشترى كيس بقسماط لكي يستخدم الكيس في تغليف البطاقة قبل القفز للماء من الكوبري، فيلتقي صدفة بنفس الضابط الذي سبق أن أفرج عنه، وهنا نراه ضابطا شاردا ومهموما، وحين يعرض عليه الشاب بعض البقسماط تلمع عينا الضابط طلبا للكيس.. أي طلبا للانتحار هو الآخر!!
ويعود الشاب لعوامته التي منحها للشاب الآخر وفتاته، ونشعر بمرور زمن حيث صار لهما طفل يحمل نفس اسم البطل الذي يكرر محاولته في عام آخر وقد تركنا في حيرة ممزوجة بالدهشة لتعدد الاحتمالات وقوة الإيحاء معا والتي خلفها مزج الحنين بالمرارة وتغليف حب الحياة بالرغبة الظاهرية في فراقها.
الفيلم 35 مللي من إنتاج المركز القومي للسينما عام 2005 وقد حصد عدة جوائز هامة منها جائزة لجنة التحكيم في المهرجان القومي للسينما المصرية، وجائزة الفيلم القصير في مهرجان اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وجائزة محمد شبل للأفلام القصيرة، والجائزة البرونزية في مهرجان قرطاج، وجائزة جيرهارد ليمان في مهرجان لوكارنو بسويسرا إضافة لجائزة أحسن ممثل في مهرجان طنجة.
-------------
وفي العام التالي اتجهت فكرة الفيلم القصير "أزرق وأحمر" بمحمود سليمان إلى السينما المستقلة عبر فيلم ديجيتال قليل التكلفة ولكن شديد التكثيف والبراعة قام محمود بإنتاجه طمعا في المزيد من الحرية سواء في مواجهة محدودية وبيروقراطية إنتاج وتسويق السينما القصيرة في مصر أو في مواجهة مؤسسات الرقابة الشاملة على الإبداع.
فالأزرق والأحمر هنا هما لونا نتيجة اختبار الحمل، وبطلانا شاب –هو بطل محمود المفضل باسم سمرة- وشابة متميزة أتت بجهدها ووعيها من تيار المسرح الحر إلى ميدان السينما المستقلة هي الفنانة ريم سيد حجاب، ومكان الأحداث هو حجرة واحدة لا نبرحها مطلقا هي حجرة هذا الشاب الأعزب الذي يقع مع حبيبته فيما يقع فيه عدد كبير من شباب جيلهما المضطرب.. الحمل دون زواج.
النافذة الوحيدة المفتوحة على العالم خارج الغرفة هي سماعة الهاتف التي تنقل لنا أصوات أصدقائهما ما بين ناصح ولائم ونهاز فرص، وأم الفتاة التي تداري عن زوجها غياب ابنتها بينما الشابان يخدعانها بتشغيل شريط يحمل صوت الشارع حتى لا تشك الأم في أن ابنتها في مكان خاص، وموظفة جهاز تنظيم الأسرة التي لا تأبه لأي شيء مطلقا.
وبالفعل ينجح محمود في نقل إحساس التوتر لنا ولكنه يفعل ذلك بأسلوبه الرشيق الذي لا يسمح للأحزان أن تستولي على اللحظة مطلقا بل هو يلهو بالمأساة –كما فعل في فيلمه السابق- وكأنه يقول لنا (نعم نحن نعيش حياة سخيفة ومؤلمة، ولكن ذرف الدموع لن يغيرها.. دعونا أولا نتحدث بصراحة عن حياتنا هذه).
وبعد وصلة التوتر هذه وما صاحبها من تخيل للمستقبل وتكشف لكمية الضعف والمهانة التي يعيشها شباب غير قادر على تكوين حياة طبيعية حرة ومحترمة معا، تأتي نتيجة اختبار الحمل سلبية، لننعم مع الشابين بإحساس الراحة بعد قلق، وإن لازمنا إحساس المرارة بعد انتهاء هذا الفيلم الكبسولة.
الفيلم إنتاج نوفمبر 2006 وقد حصل حتى الآن على جائزة الفيلم القصير في مهرجان أولترنتيف برومانيا والجائزة الكبرى لمهرجان تيرانا بألبانيا.
--------
محمود سليمان واحد من شباب كثيرين قادرين على ضخ دماء جديدة وجريئة للسينما المصرية، وهو واحد من عشرات الأمثلة الواقعية على أن الأزمة لا توجد في الشباب ولا في النصوص، بل تكمن -وأكررها دون كلل أو ملل- في أسلوب اكتشاف وتنمية وتسويق مواهبنا.. فهي ليست أزمة مبدعين ولا أزمة جمهور، بل هي أزمة إدارة بالأساس.

Friday, July 13, 2007

نهار وليل

لا يريد إسلام العزازي (خريج معهد السينما عام 1993) من فيلمه القصير نهار وليل (إنتاج شركة سمات -السينمائيون المستقلون- عام 2006) أن يلهيك عن بؤسك، بل يمد إصبعه لينغز الجرح في الصميم مراهنا على عنصرين رابحين دائما: الصدق الشديد وإنعاش العين كمقدمة لإنعاش الروح.

باسم سمرة وهند صبري شاب وخطيبته هامشيان من قاع الإسكندرية، يمران بيوم طويل جدا يبدأ بانتهاء الفرح الذي يحضرانه (لاحظ إيحاء البداية) وينتهي في الصبح التالي وقد خسر الشاب 2000 جنيه هي في هذه اللحظة كل حياته!

نعم هذا ما يعيشه ملايين الناس.. شاب يركّب خطيبته التاكسي بعد حضورهما فرحا.. الفتاة تودعه: (عقبالنا) فيرد مهموما (يا رب!).. ينخرط في غابة الشارع حيث الفقر واللاإنسانية.. يلتقي بالمقاول الذي يقلب له بقالة والده القديمة لمحل ملابس رجالي بأقل التكاليف.. الشاب ربط مصيره بهذا المشروع بعدما كان له عمل مضطرب بالميناء عرضه لمساءلة الشرطة.. وهو الآن يريد عملا شريفا وحياة محترمة كملايين الفقراء المكافحين.. أخو الشاب من الجامعيين الذين يهرب الكثيرون منهم من التزاماتهم تجاه أهلهم في الأقاليم بل ويتحولون لعالة عليهم.. يجب إنهاء هذه المقاولة في خلال أيام لأن على الشاب الاستفادة من موسم العيد القادم وقد استدان وحرر شيكات وخلافه.. الصنايعية آخر غلب وآخر استهبال معا.. وهم كالعديد من الهامشيين يتلصصون الطريق لبيوتهم لأنهم بلا بطاقات أو متهربين من الخدمة العسكرية.. تاجر الخشب الملتوي أخّر تشطيب المحل.. الشاب يسترد منه بعد عناء مبلغ 2000 جنيه ستتمحور حولها حياة بطلنا.

يحيطك العزازي بتفاصيل هذا العالم الفقير مازجا بين التسجيلية والتعبيرية، الأحداث والحوار عادية جدا ثم يبزغ فجأة شيء غير عادي يجعلك تنظر للشيء المألوف نظرة جديدة، وكأنك إذ تعيد اكتشاف أقل الأشياء أهمية وجاذبية إنما تعيد اكتشاف الحياة كلها، اللقطات الكبيرة تجبرك على تأمل أدق الأشياء بعين جديدة، بينما تخلق اللقطات الواسعة جدلا فوريا بين الشخصية ومحيطها البائس.

ننطلق مع البطل لأحراش الشارع مرة أخرى ليقذف به الحنين الجارف للطفولة إلى نعيم مطبخ الأم التي كانت تطعمه بحنان يديها في البيت المتواضع النظيف.. الخطيبة تحاور نفسها في صمت بينما تتمشط وكأن نصفها القنوع المتفائل يتعارك مع نصفها البائس اليائس.. الشاب في المحل يداعب نملة بحبات السكر وقطرات الماء وكأنه يتأمل نفسه الحائرة بين مغريات الجياة ومصاعبها.. تأتيه خطيبته فيدخلان في حوار عادي جدا حول الستائر ثم من تحت السطح الهاديء يتفجر الماضي بسبب خطاب ورد من أخيه –المثقف الهارب- والذي نعرف الآن أنه كان الحب الأول لخطيبته.. يصلان للحافة: (انت خطبتني ليه؟) فيرد ثائرا: (لو مش عاجبك نفسخ الخطوبة حالا!!).. يغلبهما الحب ويتلامسان فتبعده فورا فيصرخ: (إيه خايفة من إيه؟) فتنهره: (ليه إنت مش خايف عليا ولا ايه؟!) فيرد يائسا نادما: (أنا لا خايف عليك ولا عليا.. أهو الواحد خايف وخلاص!!).

يركّبها التاكسي ويعود في ظلام الليل سيرا فتحتك به مجموعة أوباش وتسرق منه الألفين جنيه بعد أن تضربه.. ليشرق عليه الصبح في حديقة عامة يطبب له جراح رأسه وروحه أحد الذين يفترشون الشارع.. ووسط كل هذا الجحيم يقبل صاحبنا كوب الشاي بالحليب من ذلك الرجل ليجد نفسه منساقا لأن يمد ساقيه ويرتشف لحظة طفولية متأملا بهجة شمس الصباح بينما عيناه مغرورقتان بالمهانة ولكن مبتسمتان بالأمل في لقطة ختامية رائعة من الجميع.. من المخرج-المؤلف، والبطل، والموسيقيين محمود رفعت وتامر عطا الله، ومديرة التصوير المرهفة نانسي عبد الفتاح وبقية زملائهم الذين ساهموا في التقاط لحظة مشحونة في حياة الشاب المصري الغلبان الذي يتعارك مع الحياة يوميا.

Wednesday, June 27, 2007

إهــــداء

إلى امرأةٍِ ما اكتُشِفَت بعدْ
إلى أرضٍ لم تُفَتَح بعدْ
إلى بحر لم يُرْكَب بعدْ
وشمس لم تسطع بعدْ
ورمل لم يُروّض يُبهر القدمين يُلهب فى الحنايا الوجدْ
وخيل لم تُوَلَّف بعدْ
وورد لم يُقلَّم في أظافره مقص الوردْ
وأشعارٍ وأطفالٍ وغيمات لم تُكّون بعدْ
الى رجل يقاتل ذكريات الروح كى ترتدّْ
إلى سيف لا له من غمدْ
إلى رجل.. لم يْسَلَّم بعدْ

الحصـــار (إلى أسد محاصر)

محاصرٌ.. محاصرٌ.. تضيق حول عنقك الدائرة
مطالبٌ بأن تمد فى الهواء قبضتيك صاغرا
حتى يقص الصائدون فى المخالب التوحشَ الطليق والمكابرة
ويلبسوك طوق الصمت، يختموا ساقيك

(كانتا نسرين ناريين أطلقا على طبول الشوق فى الأحراش.. فى المدى.. فى باطن الحقيقة)
بخاتم الحديقة

ـ ـ ـ ـ
مطالبٌ بأن تمد صدرك الفتى.. حتى يقصوا منه زهرة التمردْ
ويفرطوها فوق رأسك المطيعْ
فتكتسي شفتاك بابتسامة الترددْ
ورجرجات الصمت والصدى

قبالة المخاطرة
ـ ـ ـ ـ
محاصرة..
كل الفصول والأيام فيكَ.. ذكريات الوحش فى كفيكَ

فى انفجار رغبةٍ.. في صيحةِ طليقةِ

فى لحظة منحت جسمك العملاق للتى منحتْ
ثم ارتحلت مثلما أتيتْ
-----
مطالبٌ بأن تصير مثل جدك الكبير حارسا فى كف حاكم الأحباشْ
مطالب بأن تُقِطّعِ الشريعةِ الأمّ

وتخرق العهد الأب الذى وقعته بالنار والدماء فى الأحراشْ
أن لا تكف الحرب.. لا تُروَّض الأنيابُ فيكَ

لا تقوم مثل جدك الكبير بالتسول الأخير بعد فقرة المهرجينَ

أن تموت جائعاً ولا تكون وادعاً أمام من يصوركْ
أو ينهركْ
أو يظهركْ

أضحوكةً فى مسرح الدمى!
وقعته دما

أن لا يلين جسمك العضليُّ مهما

أن لا يكون فيك منفذٌ لرحمة
ـ ـ ـ
محاصرّ .. محاصرّ.. محاصرّ

مطالبٌ بأن تقول كلمة أخيرة لهم

إذن

أحب أن تقول قولةً.. وتستريح أو تعاني لا يهمّْ
"دمٌ بدمْ"
قل قولة الوحوش فى عيونهم

"فمٌ بفمْ"
لا تجعل الصيحات فى حلوقهم -علامة انتصارهم- تبدد الزئيرا
فاقلب عليهم احتفالهم
–دما بدمْ–
ورُدّهم يعلقون فوق سترة القنص الغرورة

دماءهم مغسولة بها دماكْ

ماسحا بها الألمْ
-----
حصارهم.. حرابهم.. عيونهم.. جميعهم دمُ
دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمُ
قاتلهمُ.. قاتلهمُ

همُ.. همُ.. السلاح والدمُ
مهددٌ بأن تعيش كالذين استسلموا
دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمُ
مخيرٌ ما بين.. أو محاصرّ ما بينَ.. هاربٌ أو مُقدِمُ
دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمُ
دمٌ هو الغد الأسيرُ.. عمرك الذى مضى

كرامة التوحش الجميل فى عينيك (حربتين كانتا)
دمٌ هي الأظفار والجراح
رأسك المطروقُ.. والشقوقُ.. جسمك المرشوقُ فى الخلاءِ والخلاءُ واجمُ
دمٌ.. دمُ
دم هو الشروقُ.. لسعة الحريقِ.. صدرك الفتى.. دمٌ هو الفمُ
دمٌ.. دمُ
دمٌ.. دمُ
قاتلهُمُ
همُ دمُ
دمٌ همُ.. دمٌ.. دمٌ.. دمُ

"غنيوة للطير"

يقع الفيلم القصير "غنيوة للطير" تأليف وإخراج عطية الدرديري في منطقة ما بين أفلام المومياء والطوق والإسورة وعرق البلح، فالشريط الصوتي والملابس ومواقع التصوير وتضمين السرد في الحوار تذكرك فورا بتلك الأفلام الكبيرة، ولكن رغم اقترابه من الجو العام لتلك الأفلام إلا أنه لم يبهت لسبب أساسي هو بريق الحالة نفسها والتي تم غزلها بنعومة تأليفا وإخراجا.

نحن في قرية فقيرة بصعيد مصر، الأم تنتظر عودة ابنها –الزين- من غربته وهو الغائب منذ زمن بلا خبر، وحين يعود تقتله أمه.. فكيف يحدث هذا؟

يخطط عطية سيناريو الفيلم ليصبح وحدات متكاملة تنزلق الواحدة منها في إثر الأخرى بسلاسة.. ففي المشهد الأول توجد الأم –فردوس عبد الحميد- في الصحراء منطلقة لضريح الشيخ مسعود متوسلة عودة ابنها الغائب والذي يحيط صوتها الداخلي مولده بجو أسطوري مستوحى من التراث الشعبي.

في المشهد الثاني نرى الأم وضاربة الودع –فاطمة السردي- التي تخبرها بأن حاميها غائب، تتلهف الأم لسماع سر الرمل ولكن الغجرية تنبهها لضرورة الصبر وعدم استباق الغيب وتلاحقها بقصة اليمامة التي قتلت فراخها بقلة الصبر.

في المشهد الثالث تمر الأم بفلاح يعمل ويغني متأسيا لحالها، ثم ننتقل للمقهى أمام بيتها حيث تتضارب الشائعات حول مصير الزين.. فمن الناس من يقول مات مذبوحا بالسعودية بسوء سلوكه، ومنهم من يراه شابا صالحا سافر لليبيا وحين أغلقت الحدود معها لم يمكنه الرجوع، بينما يؤكد المتعلم المتفلسف أنه سافر من ليبيا لإيطاليا ثم لأمريكا –لكليفلاند تحديدا- حيث يمتلك مطعم فول! تمر بهم الأم فيسكتون ولكنها تلمح نظرة شاردة بين أحد هؤلاء القرويين وزوجة الزين –أجفان طه- في شباكها والتي تعيش معها منذ تزوجت ابنها من 13 سنة لم تسعد به إلا عشرين يوما اختفى بعدها.

في المشهد التالي نرى أربع إناث بلا ذكر هما الأم والزوجة .. والأرنبتان! الزوجة تشير لاستحالة استمرار الحياة "للأرنبتين" وحدهما، فتأمرها الأم بأن تكف عن الخروج على الرجال من الشباك.. يكاد اليأس أن يستبد بالزوجة من طول غياب الزين بينما الأم مصرة على أنه غدا يعود ويعوضها ما فات بكرمه.. بشرط صيانتها لعرضه في غيابه.

المشهد التالي لزفة أحد العائدين بعد غياب، تقطعها الأم بسؤال عينيها فيخبرها العائد أنه رآه بالعراق ثم انقطعت أخباره، ومع انصرافها يقول لصاحبه إن الزين تطوع مع العراقيين لقتال الإيرانيين فمات!

المشهد التالي محاولة إغواء للزوجة من قبل من كان يراقب شباكها-الزميل المرحوم مدحت فوزي- وكلامه وخز محسوب.. (حرام الفاكهة تذبل على غصنها) (في البدن نار تريد انطفاء) .. الزوجة تقاوم.. الأم تلحظ فتتبع الزوجة للبيت لتنهرها وتهددها .. الزوجة تصرخ بيأسها التام من عودة الزين، الأم تكاد تأكلها مستشهدة بأنها كانت تطعم طفلها رأس الحمامة حتى يكون له عقلها فيعود لداره مهما طالت غربته، وتغني الأم للحمام بينما تغسل الزوجة رأسها لإطفاء الشهوة والتوتر.

المشهد التالي للزوجة في الضريح تتوسل عودة زوجها فيترصدها ذلك الذي يغويها فينجح في إقناعها بانتظاره في المساء، وفي المشهد الأخير يطرق الباب وتفتح الزوجة خلسة فيدخل من؟ نعم.. يدخل الزين! تحضنه زوجته المرتبكة الملهوفة فتقتله الأم وقد ظنته غريبا أتى ينهش عرضه..

هنا ينتهي الفيلم بكل إيحاءاته، بعالمه الفقير، بالمغتربين من أجل اللقمة، بالمنتظرات لرجالهن، بلعبه بالرمز وبالأسطورة وبالحلي التراثية، ولتستخلص منه أنت ما تحس..

الفيلم 35 مللي من إنتاج قطاع الإنتاج، حصل على جائزتي شادي عبد السلام ومحمد شبل عام 2006 ، مدير التصوير محمد حمدي، المونتاج لمنار حسني، والإعداد الموسيقي لسمير عوف.

إيثاكي

فيلم آخر لن تراه إلا مصادفة.. "إيثاكي".. تأليف وإخراج إبراهيم البطوط خريج الجامعة الأمريكية 1985 والذي قضى شبابه متتبعا بكاميرته الحروب والكوارث البشرية لصالح محطات أوروبية ويابانية حاصدا للجوائز عن أسلوب تغطياته لحرب الخليج الأولى، وللمقابر الجماعية في العراق، وليوميات قائد سيارة إسعاف في رام الله، وللختان في الحبشة.

أنتج المصري إبراهيم البطوط واليوناني كيراكي باباجورجيو فيلم "إيثاكي" الواقع في منطقة ما بين الفيلم التسجيلي والفيلم الروائي عام 2005 فنال جائزة مهرجان الفيلم المستقل الذي نظمه المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة.. ولكنك لم ولن تراه في دور العرض ولا على شاشة تلفزيونك سواء وجهت الريموت للمحطات المصرية أو للفضائيات العربية، لأنه فيلم خارج السياقين.. السينمائي والتلفزيوني.. أي أنه لا يتبع القواعد ولا القوالب الصارمة التي تفرضها مؤسسات استثمار وإدارة الفنون في الميدانين.

إيثاكي هي وطن البطل الإغريقي الأسطوري أوليسيس الذي استغرقت رحلة العودة لدياره عمرا طويلا وعذابات جمة، وإيثاكي هي أيضا قصيدة الشاعر اليوناني السكندري قسطنطين كافافي التي كتبها عام 1911 والتي استهل بها البطوط فيلمه إذ نجول كوبري قصر النيل فجرا فنسمع باليونانية:
حين تعتزم الرحيل إلى إيثاكي
تمن طريقا طويلة شاقة
حافلة بالمغامرات وبالمعرفة
وما دامت روحك صافية
فلا تخش لقاء الوحوش الأسطورية
فما لم تحملها في روحك بالأساس..
فإنك غير ملاق للشرور
ويأخذنا البطوط في رحلة تفاصيل بصرية.. فيمتزج تراشق الضوء بالشموع بالبخور، وصولا إلى شاب وشابة متحابين –عمرو فكري وكريمة نايت- هي تكتب بالمعجون على مرآة الحمام "أحبك" وتطعم العصافير ثم يلتحم وجه الحبيبين وسط الميوعة الضوئية الراقصة.. فما هذا؟ إنه توحد الحياة بالحب كما يراها البطوط وفريق عمله غير الهادف للربح، وهي الرسالة التي لا يخشى إبراهيم الإعلامي من التصريح بها إرضاء لإبراهيم الفنان.. فالاثنان هما إنسان واحد يحاول استخدام قلمه وكاميرته للدفاع عن حب الحياة بعد أن خاض حتى العنق في مشاهد الموت والخراب وقد عاد يبحث عن إيثاكي.. وطنه الإنساني الذي يكمن في القلب.. إن جاز التعبير.

ويتقمص أحمد كمال دور البطوط نفسه ليقص لنا بعض ذكرياته، فمثلا في رحلته لكوسوفو جاءه رجل يحمل طفله وكلمه بلغة لم يفهمها واستمر البطوط في تصويره ثم طلب من شخص ترجمة ما قاله الرجل فقال: كان يسأل: "أين أدفن ولدي.. هل تعرف"؟؟

بصفعات كهذه ترج المرء عاد البطوط لبلاده بعد سنوات من معايشة روح الشر في العالم طامحا في الوصول لشاطيء الوجود الإنساني الحقيقي والممتليء، أو ذلك الضوء في آخر نفق النفس الإنسانية.. فيتجول بنا وسط دائرة أصدقائه من وسط البلد غازلا قصته بقصصهم.. وإحداها قصة الشابين المتحابين واللذين ستنتهي قصة حبهما في نهاية الفيلم ولكن الحب نفسه سيولد ثانيةً في لحظة الفقد.

هناك الزوجان بيسو وحنان (بطرس غالي وحنان يوسف)، الأول يهدد عشقه للخمر كبده المصاب والثانية مهتمة بالسحر الأبيض –نقيض السحر الأسود- ورسالتها إضفاء طاقة الحياة والحب على تماثيلها الصغيرة وعلى كل من يلامسها، وهناك الباحثة الأجنبية المقيمة بمصر والتي تتبحر في هذه العوالم ، وهناك الموسيقار فتحي سلامة بشخصه ووسط فرقته وفي جانب من حفلاته، هناك الرجل الذي فقد عينه في التدريب العسكري فتحول لعشق الموسيقى، والمخرج الجزائري الذي قتلته يد الإرهاب..

إيثاكي قصيد فيلمي تثريه الروابط الخفية بين تجربة النجاة بعد الجراحة، وموت سمكة حزن عليها الزوجان اللذان ربياها فسخر منهما الأصدقاء، والطفل الذي عاش في الحرب تجربة مريعة جعلته يعتبر مخيم اللاجئين جنة، والمرأة التي تلف نفسها بدائرة من الورود وكأنها تستحضر قوى الحب ضد قوى الكراهية، والتفاهة التي تغلف نصف حياتنا بينما الذعر والوحشية يجتاحان نصفه الآخر.. إنه دعوة للإبحار في النفس الإنسانية لاقتلاع جذور الأنانية والكراهية والتدمير.. وسواء وافقته أو عارضت فلسفته المسالمة ستحترمه وتتحمس لمناقشة ما يطرحه من قضايا شائكة، متشوقا لرحلتك الذاتية بحثا عن "إيثاكي" التي تخصك.

Tuesday, June 12, 2007

حبيبتي الحياة



حبيبتي الحياةُ.. دفؤها، وصفوها، حنانها ولهوها المثيرْ
أبارز الشتاء فيها.. أستحث الزمهريرْ
ترتج عاصفةً.. غيورةً.. خبيثةً..كطفلة تحب جارها الصغيرْ
نلهو.. ونكتب الأشعار فى الأشجارِ تارةً..
وتارةً نموت ضاحكَينِ من شجارنا على السريرْ!
ـ ـ ـ ـ
حبيبتي الحياةُ.. بأسها، ويأسها الخريفيّ المطيرْ
إذا اكتست بالحزن.. عرّت الفؤاد من خضارهِ.. ومن صغاره الطيورْ
تجمدتْ بالخوف تحت صدري.. تعلقتْ بظهري..
وأدمعتْ على خديّّ فى سرورْ!
ـ ـ ـ ـ
حبيبتي الحياةُ.. حدةً.. تحطم الجدران بالعناد والغرورْ
تشدني وتدفعُ..
تنهار ثم تركعُ..
والباب فى يديّّ رعشةٌ.. تئن بالصريرُْ!
ـ ـ ـ ـ
حبيبتي الحياة صيفها، وصهدها.. جحودها.. وعقلها الصغيرْ
سرابها الرمليُّ ملء حلقي..
وحقها خصومة لحقي!
نزاعنا.. وحقدنا.. ورغبة التدميرْ!
ـ ـ ـ
حبيبتي الحياة فى ربيعها القصيرْ
وفى طفولة الصباح.. فى ميوعة المساءْ
حبيبتي الحياة كلّها.. وسرها الخطيرْ
عذوبتي.. حريتي.. وشهوة النماءْ

Monday, June 11, 2007

عيد ميلاد سعيد

واحدٌ وثلاثون سنة
وأنا
لا أعرف بعد من أنا
ـ ـ ـ
واحد وثلاثون سنة
واحد وثلاثون رحلة للأرض..
واحد وثلاثون حصادْ
واحد وثلاثون شمعة
واحد وثلاثون عيدا للميلادْ
واحد وثلاثون عيدا لرأس السنة
وأنا
لا أعرف بعد من أنا
ـ ـ ـ
الصغار غدوا كبارا
والبلاد تغيرتْ
أمم ٌ بادت.. وأمم ٌ أينعتّْ
والحياة تشابهـتْ
فغدت أكثر ذعرا !
ـ ـ ـ
واحد وثلاثون عاما كاملا
كل عام يحمل الأحلام والأماني
وخطابات التهاني
بالسنين الراحلة
واحد وثلاثون رؤيا.. باطلة
ـ ـ ـ
واحد وثلاثون سنة
واحدا وثلاثين بحرا قد عبرتُ
مئاتِ الجزرْ
مئات المرافيءْ
آلافَ القراصنة
والسحب الداكنة
الشواطىء العذارى
والخلجان الساكنة
القبائل الحيارى.. والشعوبِ المهجنة
واحدا وثلاثين مرة ً التقي طيورا مهاجرة
واحد وثلاثون رحلة.. وأنا
لا أفرح إلا بالشروق والغروبْ
وضحكة الدرافيل اللعوبْ
وبهجة الأسماك الملونة
ـ ـ ـ
واحد وثلاثون نتيجة عام جديدْ
صورى تزيدْ
وتزيد التجاعيدْ
وعديدُ الأسئلة
وأنا فى مكاني
أتلقى التهاني
وفى عيني ّ نعي ٌ للسنوات الراحلة
مشفقا على الأماني
والرفاق السكارى
والعاشقات العذارى
وأرمق الكهول بابتسامة عجوز
أليس أمس أحلى
أما تعجل الزمان إذ تولى
أما تخلى
أليس أمس أحلى
فأشهد ابتسامة العجوز للعجوز
ودمعة الغموض
وأذكر الأشياء كلها التى تذكرا
الطفولةَ والصبا
الهوى والشباب
الزفافَ والوليدْ
وفرحة الحفيد
أذكر حتى حزن الخماسينْ
والوحدة فى دار المسنين ْ
والزيارة من سنة لسنة
واحد وثلاثون سنة
كل عام.. والجميع طيبونْ
حتى مواسم السنة
حتى الزمان المنهمرْ
الطائش المستمرّْ
الحاضر الماضي
والمستقبل الذى مضى
والحياة كلها
حتى بلاط حزنها الأميرْ
وكبرياء عرشها المثيرْ
حتى غرور نورها
وومضة الشباب فى سرورها
ولهوها القصيرْ
حتى اختفاؤها البطيء فى الأفقْ
ورعشة الشفقْ
وهدأة القبورْ
كل عام والجميع طيبون
كل عام والجميع فى سرور

25 نوفمبر 1994


ـ ـ ـ ـ ـ ـ

شكر خاص من ديوان نبي بلا أتباع 1995

شكراً لمن حفروا معي وأنا أفتش عن وطنْ
شكرا لمن صرخوا معي وأنا أفتش عن لغة
شكرا لمن ضحكوا معي
وأنا أفتش عن مجالسة الصغار على ضفاف النهرْ
أقدامنا فى الماء تضحكنا البرودة ُ.. تعطس الحلوات فى فصل الشتاءِ طوال شهرْ
ونعود نبحث عن أصابع نهرنا النعسانِ يبحث عن مصب ّ
شكرا لمن عطسوا معي.. حتى وإن ضاع المصبّ
ـ ـ ـ
شكرا لمن سهروا معي وأنا أفتش عن كلام الليلِ قالته النجوم لطائرٍِ فبكى وسافرْ
وأنا انتظرت مسافراً يطوى كلام الليل فى جنبيهِ
كم أنا ساذجّ إذ أننى أعطيت ميثاق الأمانى لأنجمِ وجناح طائرْ
ـ ـ ـ
شكراً لمن نعسوا معي
وأنا أفتش عن ثقاب فى ليالي البردِ أشعلها.. فأكشف فى زوايا الكونِ ما غطى المساءْ
شكراً لمن ناموا معي.. وشاركونى فى الشتاءْ
---
شكراً لمن لهثوا معي وأنا أفتش عن طريق للهربْ
شكراً لمن نادوا معي وأنا أفتش عن لقبْ
شكرا لمن ماتوا معي.. وأنا أفتش عن صديقْ

Sunday, June 10, 2007

خماسين

غفى الكلام على الشفاه
حزن ٌ خريفي ٌّ خرافي ٌّ تمر على نوافذنا يداهْ
شعرٌ يقال بلا انتباهْ
هذي ملامح قصةٍ إذن لتزهر أو تطيرا
فتملكي هذا المصيرا
إني سئمت تملكي ما طاش فى العقل الهوى حزناً وتفكيراً وذعراً
فإن بعد الحب عسرا
ثم بعد العسر عسرا
ثم عسرا
ثم عسرا

نشيد الختام - من ديوان نبي بلا اتباع 1995

أشعر بعد مُضىَّ الرحلة
أنى وحدي فى الصحراءْ
حتى جملي شد رحالَهْ
كنت نبياً دون رسالة
دون وصايـا
حتى دون المنبـوذينْ
كنت نبيا ثم فقدت كتــاب الدين
لم يتبعني إلا ظلي.. والغيماتْ
عاش نبي ٌّ فى أحشائي.. حتى ماتْ
أشعر.. أشعرْ
أن حنيني يكبر.. يكبرْ
لن أتكبرْ
كنت أحن دوام العمر إلى عينيكِ
يستدرجني في كفيك حنين الأمس إلى هاويتي..
فمعذبتي..
يا من عاشت بين عيوني
أعشق.. حتى اخضَرَّ جبيني..
لكن وحدي.. كيف أحس بماء العالمْ؟
ما ألمسه.. يصبح رملا
أشعر بعد مضى الرحلة..
أني لم أتحركْ بعد..

إنشاد (من ديوان نبي بلا أتباع 1995)

هذي أناشيدي الأخيرة ربما
أنجو بها أو ربما سأمــوتُ
هذا خلاص الروح.. أكشف مهجتي
كي لا يحس الغربة التابوتُ
الباب ثقبٌ.. والعناكب فى دمي
بيني وبيني وحشة ٌ وسكوتُ
الآن أشدو كى أطل على فمي
يرتج فى زَبَدِ الردى ويفوتُ
فلقد يمر من النشيد يمامة ً
ولقد يموت بصمته.. وأموتُ

عودي

عودي فإني قد سئمت وجودي
وكرهت ذاتي.. وارتضيت قيودي
أنا فى الطريق إلى المحال.. أحبه
وأحب أن تأتــي بلا تمهيــدِ
ألقاك فى أمسيةٍ كحليةٍ
فيفيض برقي.. تستباح رعودي
أنا لن أعيش على أمان زائفٍ..
فلتقتليني.. كى أحـس وجودي
ـ ـ ـ ـ
لي في جنونك خطة مطعونة ٌ
والعمــر عبدّ دان للمعبــودِ
عودي.. فإني لا أطيق أصابعي
ظلي الضئيل على ظـلال جدودي
"من أنت؟".. "ماذا كنت؟".. "كيف ستنتهي؟؟"
وأنا أحاول أن أريـــق ردودي
عيناك وحدهما –ولا لهما شريك– طاقتي.. ومعاركي.. وجنودي
عيناك هاتان اكتشافي.. واحتلالي.. واغتصـابي.. جزيتي ونقـودي
همـا ما امتلكـت مـن النساء جميعهن: طفولتي.. همجيتي وبرودي
عودي فإني قد سئمت كرامتي..
وكرهت عيني.. واحتقرت خدودي

Tuesday, June 05, 2007

مذكرات فراء


كنت أبرق في المحال الأجنبية
كنت آنئذٍ فراءً يتمطى فوق فستانٍ لسهرة
ذات مرة..
أُعْجِبَتْ بي
حين كانت تفحص التاريخ فيَّ..
لوثتني..
فاشترتني!
----
علقتني..
منذ شهرٍ ومسامي تختنقْ
"إفتحيلي.. إفتحيلي"
كان شهر الصيف يضحك من جنوني..
وعيوني تحترقْ
----
أذكر الآن كثيرا من صبايْ
كنت أشطر ثعلبٍ في الحي أذكرُ..
لم يكن في الحي من ذكر سوايْ!
كنت شاباً في سِني عمري الفتيّةِ.. أرضعتني الأرضُ.. أطعمني انطلاقي
كيف أَقْنَعُ أن أعلّقَ فوق أثواب الحرير فراء زهوي واشتياقي؟!
----
جاء شهر البرد أنقذني وفاء الزمهريرْ
وضعتني فوق ملمسها الخرافيِّ الأحاديِّ النظيرْ!
هاجمتها الريح فاحتضنتني حتى لا أطير ولا تطيرْ
صرت حضناً
صرت نبضاً!
اكتسى ريشي انبهارا
جادل الموت غيابي والحضورْ
صرت حيّاً!
----
حين جاء راقصتهُ..
تركتني فوق كرسيٍّ عتيقٍ..
حين قاما.. كان يعبث في جبيني!
حين ناما..
نسيتني في انحنائي على مؤخرة السريرْ!!
----
بعد شهرٍ أبدلتني بفراءٍ سعره ضعفي ثلاثاً
أقسمت وهي تسلمني لكفٍّ إنني لم أبصر الشارع مرة!
أقسمت وهي تسلمني ثلاثاً!
تركتني فوق فستانٍ لسهرة
أتلمس من جديد ظهر أخرى..
سوف أعشقها غدا..
سوف أذكر كل أيام التثعلب في يديها..
تشعل الإيقاع في كبدي لتتركني أبات الليل وحدي..
وتبدلني غدا..
حين تقسم إنني لم أنظر الشارع مرة
فدعيني في دُلابك ها هنا أحلى ولا تتكلمي
صمتكن.. صار أحلى.. ألف مرة!

(خالد الصاوي - من ديوان نبي بلا أتباع 1995)

Tuesday, May 22, 2007

الوداع يا جمال

كأني حفار قبور مخمور ومسطول موت
بكتب ف نعي الأحبا خليل ورا الثاني
واشرب ف نخب جمال سي العربي الحياة والموت
وأعزّي فيه البشر.. ولا حد عزّاني

كثر المراثي يقسّي ويلكم الإنسان
حنقول ونرغي ف إيه والحبل عالرقبة؟
من مية سنة بعرفه واسأل جبال وهران
جمال جبل في الجزاير.. والسفح في العتبة

المرء صيته شعاع ليزر يجوب الكون
واسم ابن آدم حمام زاجل يعرّف بيه
عرفته قبل امّا اقابله سمعت جدعنته
ورأيت عينيه الجريئة ولحيته الرزّي
جمال حبيب الغلابة وجنة المطاريد
مطرود وهربان تمللي كالرسل تِمّاً
ماحلفش ياخد بحقه حلفا مالدنيا
ولا حلف عالردى ولا خرّ قدامه
يوم ما الكئيب دق بابه هب يفتحله
ولم حاجته ورحل بكرامته صباحي
آه.. الوداع يا جمال يا عاشق الملايين
سفر مفيش درجة أولى فيه ولا سياحي
والله ما اعرف حنصحى بكرة نرثي مين!
مافضلش من جيلنا أي ملايكة بترفرف
بهائي سافر وصالح والسفر طوّل
منصور.. عمر نجم.. حسن عبده ومصيلحي
ومجدي أحمد وفانيا وشادي ويماني

كأني حفار قبور مخمور ومسطول موت
بكتب ف نعي الأحبا خليل ورا الثاني
واشرب ف نخب جمال سي العربي الحياة والموت
وأعزي فيه البشر.. ولا حد عزاني

Sunday, April 29, 2007

تعليق كتبته على فيلم ألماسة الدم ونشر في الدستور


من من منا تصور حين شاهد لأول مرة ذلك الشاب الصغير ذا الخصلة الطويلة على جبهته في تيتانيك أنه سيقدم فيما بعد أدواره الخشنة في عصابات نيويورك أو الراحلون أو ألماسة الدم؟ لقد صار ديكابريو رجلا ناضجا، وكما فرضت الرجولة شكلها على الشاب الرقيق، فرض النضج مسئولياته أيضا، ليصبح التمثيل فرصة -ليس للنجومية والإثراء فحسب- بل للقتال ضد ما يؤمن الممثل بأنه شر في العالم، وهنا يأتي دور ثقافة الممثل ورؤيته الإنسانية في تحديد ما هو هذا الشر.

في ألماسة الدم يلعب ديكابريو دور داني أرتشر مهرب ألماس إفريقي المولد والمعاش من فلول الأقلية الأوروبية التي حكمت افريقيا قرونا ذابحة أهلها، ناهبة ثرواتها، ملقية بها في جهنم الجوع والتناحر القبلي والقمع الدموي والتفاوت الطبقي المرعب.

وفي الجهة الأخرى يعيش سولومون فاندي صياد افريقي كابوسا رهيبا حيث اختطفه المتمردون على السلطة –والجهتان متساويتان في القذارة- للعمل العبودي في استخراج الماس من أجل تهريبه لشراء السلاح اللازم لما سمي زورا "بالثورة الشعبية!"

وثالث الزوايا في مربع الأحداث مادي بوين صحفية من الغرب تتعقب رحلة الماس من مناجم افريقيا إلى متاجر العواصم الكبرى وفي رأسها سؤال محير: كيف تحتوي أغنى الدول بالماس على أفقر الجماهير؟؟

وينغلق المربع بشخصية القائد العسكري الأبيض كولونيل كويتزي الذي خدم تحت إمرته ديكابريو فيما مضى حين كان الاثنان أنظف روحا، أيام الإيمان بالقتال ضد العنصرية، وكما انحرف ديكابريو الجندي السابق إلى مستنقع التهريب الصغير، انحرف قائده السابق إلى هاوية التهريب الكبير وصار مسئولا عن الجسر الذي يربط بين ماس سيراليون ومقاولي جنوب افريقيا وسماسرة لندن.

مسرح الأحداث إذن في افريقيا ولكن الكوليس تتسع للسوق الرأسمالية القذرة التي لا تقدس إلا الأرباح بغض النظر عن مشروعيتها أو عدالتها أو كم الأرواح التي تبذل فداء لها.

وكما يحدث في العالم لا يحرك الأحداث خطف الصياد وابنه ولا قتل واعتقال غلابة البشر، ولكن الأحداث تتدافع ونلهث معها فور وقوع هذا الصياد صدفة على ألماسة ضخمة في معسكر العمل، لتتشابك الخيوط والأهداف، وتشتبك الشخصيات كل وله وجهة قد يموت من أجلها..

فالصياد يريد أن يسترد أسرته التي فرقتها الحرب الأهلية بهذه الألماسة الحقيرة، بينما يريدها ديكابريو لتكون آخر قذاراته قبل الهجرة والاعتزال، أما الصحفية فهي من إعلاميين قلائل يريدون فضح لاعبي العرائس في النظام الاقتصادي العالمي باعتبارهم أساسا لأغلب شرور الإنسانية، أما قائد ديكابريو السابق فيريد الصفقة ولو راح مقابلها الجميع.

وبلغة الطهي، لدينا العناصر الطيبة لوجبة شهية، فكل شخصية لابد لها أن تقاتل من أجل هدفها، والجميع ترتبط أحلامهم بشيء واحد هو تلك الألماسة الملعونة، وما عليك إلا أن تمد الخطوط على استقامتها لترى أحد أمرين: أن تتفق الأطراف الأربعة على الصفقة بحيث يعطي الصياد ألماسته الخبيئة للمهرب الصغير الذي يمررها للقائد السابق ليمررها بدوره لكبار لاعبي الألماس وتصمت الصحفية لقاء بعض المال لتستمر المؤامرة علينا جميعا، أو يتمسك كل طرف بأهدافه التي تتعارض في كل لحظة مع أهداف الآخرين خاصة مع عدم ثقة كل منهم في الباقين فتتحتم بالتالي حرب الواحد ضد الجميع.. ما الشيء الذي لا نتوقعه إذن؟ أن يغير أحد الأطراف اولوياته طبعا، هنا تتغير المعادلة كليا، وينشأ حلف آخر غير ما تحققه صفقة المؤامرة، وتتوجب التضحية ولكن ليس بنا هذه المرة بل بجانب من أسباب الشر وأدواته.. وهذا هو ما تشاهده بنفسك ولا أفسده عليك.

يشارك ديكابريو البطولة دجيمون هونسو وجنيفر كونيللي وأرنولد فوسلو، الإخراج لإدوارد زويك والسيناريو لتشارلز ليفيت، زمن الفيلم ساعتان و11 دقيقة، أنتج في 8 ديسمبر 2006 إنتاج أمريكي لفيرتشوال ستوديوز وبدفورد فولز وسبرنج كريك. وقد صور الفيلم بالولايات المتحدة، موزمبيق، وجنوب افريقيا. رشح لخمس جوائز أوسكار، وحصل على عدة جوائز أخرى من النقاد والجمعيات السينمائية وصنف كواحد من أفضل عشرة أفلام أنتجت خلال 2006.

تعليق كتبته على فيلم أبوكاليبتو ونشر في الدستور


بعد غوصه العنيف والجذاب معا في سكوتلنده القلب الشجاع وفلسطين السيد المسيح، ها هو ميل جيبسون يقدم لنا ملحمته العنيفة والجذابة الجديدة أبوكاليبتو في زمن وبلغة "المايا الأصلية"، والمايا حضارة قامت شمال جواتيمالا وأجزاء من المكسيك وهندوراس والسلفادور، بلغت أوجها سنة 700ق.م. وكان وصول الأسبان والأوروبيين إلى الأمريكيتين سببا في تدميرها. فما الذي يريده ميل جيبسون؟
ولماذا بعد أن يبلغ نجم التمثيل الهوليوودي الكبير القمة المترفة
ينجذب ويجذبنا معه إلى ملاحمه البطولية الدموية؟
يتصور الكثيرون أن الممثل عروسة خاوية يملؤها المؤلف والمخرج بالأفكار،
أما الممثلون أنفسهم، فكسائر المواطنين يمتلكون طبعا رؤية ما للعالم ومشكلاته، ولكن حرفتهم لا تمكنهم من طرح أفكارهم، وحتى اختياراتهم الفنية لا تعكس حقيقة رؤاهم طوال الوقت.. فهم لا يختارون الأعمال التي يشاركون فيها بكل حرية، بل هم كسائر المواطنين تروس في آلة إنتاج عملاقة لا تهتم بآراء عناصرها بل بأرباح مالكيها.. إن عمل الممثل من وجهة نظر السوق الفنية هي أن يمثل لا أن يطرح رؤاه.
ولكن جيبسون هو أحد الممثلين القلائل الذين حملوا خبرتهم لميدان التأليف والإخراج لنشعر معه بتمرد العروسة صارخة: "أنا كيان يفكر ويحس ولديه رؤية.. فاسمعوني!".. في القلب الشجاع طرح جيبسون رؤيته الحماسية العنيفة وتمجيده للبطل السكوتلندي القديم الذي يناضل من أجل شرفه، ورغم أنه لم يكن فيلم حركة عاديا يلجأ للتاريخ طلبا للتنويع في المناظر والأزياء فقط، إلا أنه لم يكن كافيا لكي يطرح جيبسون الإنسان رؤيته الحماسية العنيفة بعمق.
وبعد سنوات جاء فيلمه الصاخب المثير للجدل عن عذابات السيد المسيح مضمنا إياه خليطا من الحرقة والعنف والبطولية، وقد ناضل جيبسون نفسه لصنعه عكس توجهات إمبراطورية هولييود كلها.
ثم جاء أخيرا فيلمه أبوكاليبتو مسافرا بنا إلى عالم بدائي حار وبالطبع حماسي وبطولي وعنيف وشديد الإبداع والجاذبية أيضا.. حيث تحتل الصورة والموسيقى المساحة الأكبر وحيث لغة المايا لا الانجليزية هي لغة الفيلم، وجميع أبطاله من هنود أمريكا اللاتينية، مهاجما لا للمجتمع العبودي فقط.. بل لكل عالم فيه استعباد.. وطريقة صنعه نفسها تعكس محاولة جيبسون المستميتة للتحرر من النمط الهوليوودي الطاغي حيث يتم تهميش كل الأعراق غير البيضاء بشكل أو بآخر.
في البدء نعيش مع عشيرة بدائية تستوطن غابة ما، وبمجرد أن نشعر بالألفة مع شخصياتها حتى تأتي مجموعة أخرى توسعم تقتيلا واغتصابا ثم تأسر عددا منهم وترحل بهم إلى مملكة مجاورة من ذلك العصر -المايا- حيث تباع النساء ويساق الرجال للاستعباد ولتشييد الأبهة المعمارية، ويساق بعضهم -ومنهم بطلنا ومجموعته- إلى المذبح حيث الملك السفاح بارد الوجه، تهلل العامة مع شعوذة الكهنة ترضية لإله الشمس، ويقدم الأسرى قرابين بشرية.
وبنجاة بطلنا من موت محقق فإنه يندفع ليناضل بصلابة من أجل إنقاذ امرأته وطفله ورضيعه المولود في خضم الأحداث.. وهذه الصلابة اكتسبها البطل تباعا حيث التأكيد مرارا على ضرورة قهر المرء لخوفه بيديه.
ينجح بطلنا الشاب في إنقاذ نفسه وأسرته ليدخل بها الغابة التي ورثها عن أسلافه بينما سفن الغزاة الأوروبيين تتقدم إلى الشاطيء منذرة بظلم أكبر سوف يقع على الحضارة الظالمة.. وتأكيدا للعبارة التي صدر بها جيبسون فيلمه:
"ما من حضارة تداعت إلا وكانت تحمل داخلها سلفا عوامل انهيارها".
جميع العناصر الفنية في الفيلم تستحق الوقوف طويلا، ولكن يتقدمها جميعا ميل جيبسون نفسه الذي ضحى عن طيب خاطر بالتمثيل في هذا الفيلم أيضا لكي يعرض رؤيته بصدق كما نتلقاها.. مؤلفا مشاركا ومخرجا مبدعا، وقبل هذا وذاك.. متمردا يمجد النموذج البطولي في كل البشر سواء.

معلومات:
زمن الفيلم ساعتين وثلث/ إنتاج ديسمبر 2006/ تم التصوير بالمكسيك/ وقدحقق لدى عرضه بأمريكا 51 مليون دولار.
تم ترشيحه لأوسكار 2006 لأحسن مكياج/ أحسن مونتاج صوت/ أحسن ميكساج صوت.. وللأسف، لم يفز رغم إبداعه الصادق فإنه إلا في مهرجانين محدودين بأحسن تصوير فقط.