Wednesday, June 27, 2007

إهــــداء

إلى امرأةٍِ ما اكتُشِفَت بعدْ
إلى أرضٍ لم تُفَتَح بعدْ
إلى بحر لم يُرْكَب بعدْ
وشمس لم تسطع بعدْ
ورمل لم يُروّض يُبهر القدمين يُلهب فى الحنايا الوجدْ
وخيل لم تُوَلَّف بعدْ
وورد لم يُقلَّم في أظافره مقص الوردْ
وأشعارٍ وأطفالٍ وغيمات لم تُكّون بعدْ
الى رجل يقاتل ذكريات الروح كى ترتدّْ
إلى سيف لا له من غمدْ
إلى رجل.. لم يْسَلَّم بعدْ

الحصـــار (إلى أسد محاصر)

محاصرٌ.. محاصرٌ.. تضيق حول عنقك الدائرة
مطالبٌ بأن تمد فى الهواء قبضتيك صاغرا
حتى يقص الصائدون فى المخالب التوحشَ الطليق والمكابرة
ويلبسوك طوق الصمت، يختموا ساقيك

(كانتا نسرين ناريين أطلقا على طبول الشوق فى الأحراش.. فى المدى.. فى باطن الحقيقة)
بخاتم الحديقة

ـ ـ ـ ـ
مطالبٌ بأن تمد صدرك الفتى.. حتى يقصوا منه زهرة التمردْ
ويفرطوها فوق رأسك المطيعْ
فتكتسي شفتاك بابتسامة الترددْ
ورجرجات الصمت والصدى

قبالة المخاطرة
ـ ـ ـ ـ
محاصرة..
كل الفصول والأيام فيكَ.. ذكريات الوحش فى كفيكَ

فى انفجار رغبةٍ.. في صيحةِ طليقةِ

فى لحظة منحت جسمك العملاق للتى منحتْ
ثم ارتحلت مثلما أتيتْ
-----
مطالبٌ بأن تصير مثل جدك الكبير حارسا فى كف حاكم الأحباشْ
مطالب بأن تُقِطّعِ الشريعةِ الأمّ

وتخرق العهد الأب الذى وقعته بالنار والدماء فى الأحراشْ
أن لا تكف الحرب.. لا تُروَّض الأنيابُ فيكَ

لا تقوم مثل جدك الكبير بالتسول الأخير بعد فقرة المهرجينَ

أن تموت جائعاً ولا تكون وادعاً أمام من يصوركْ
أو ينهركْ
أو يظهركْ

أضحوكةً فى مسرح الدمى!
وقعته دما

أن لا يلين جسمك العضليُّ مهما

أن لا يكون فيك منفذٌ لرحمة
ـ ـ ـ
محاصرّ .. محاصرّ.. محاصرّ

مطالبٌ بأن تقول كلمة أخيرة لهم

إذن

أحب أن تقول قولةً.. وتستريح أو تعاني لا يهمّْ
"دمٌ بدمْ"
قل قولة الوحوش فى عيونهم

"فمٌ بفمْ"
لا تجعل الصيحات فى حلوقهم -علامة انتصارهم- تبدد الزئيرا
فاقلب عليهم احتفالهم
–دما بدمْ–
ورُدّهم يعلقون فوق سترة القنص الغرورة

دماءهم مغسولة بها دماكْ

ماسحا بها الألمْ
-----
حصارهم.. حرابهم.. عيونهم.. جميعهم دمُ
دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمُ
قاتلهمُ.. قاتلهمُ

همُ.. همُ.. السلاح والدمُ
مهددٌ بأن تعيش كالذين استسلموا
دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمُ
مخيرٌ ما بين.. أو محاصرّ ما بينَ.. هاربٌ أو مُقدِمُ
دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمٌ.. دمُ
دمٌ هو الغد الأسيرُ.. عمرك الذى مضى

كرامة التوحش الجميل فى عينيك (حربتين كانتا)
دمٌ هي الأظفار والجراح
رأسك المطروقُ.. والشقوقُ.. جسمك المرشوقُ فى الخلاءِ والخلاءُ واجمُ
دمٌ.. دمُ
دم هو الشروقُ.. لسعة الحريقِ.. صدرك الفتى.. دمٌ هو الفمُ
دمٌ.. دمُ
دمٌ.. دمُ
قاتلهُمُ
همُ دمُ
دمٌ همُ.. دمٌ.. دمٌ.. دمُ

"غنيوة للطير"

يقع الفيلم القصير "غنيوة للطير" تأليف وإخراج عطية الدرديري في منطقة ما بين أفلام المومياء والطوق والإسورة وعرق البلح، فالشريط الصوتي والملابس ومواقع التصوير وتضمين السرد في الحوار تذكرك فورا بتلك الأفلام الكبيرة، ولكن رغم اقترابه من الجو العام لتلك الأفلام إلا أنه لم يبهت لسبب أساسي هو بريق الحالة نفسها والتي تم غزلها بنعومة تأليفا وإخراجا.

نحن في قرية فقيرة بصعيد مصر، الأم تنتظر عودة ابنها –الزين- من غربته وهو الغائب منذ زمن بلا خبر، وحين يعود تقتله أمه.. فكيف يحدث هذا؟

يخطط عطية سيناريو الفيلم ليصبح وحدات متكاملة تنزلق الواحدة منها في إثر الأخرى بسلاسة.. ففي المشهد الأول توجد الأم –فردوس عبد الحميد- في الصحراء منطلقة لضريح الشيخ مسعود متوسلة عودة ابنها الغائب والذي يحيط صوتها الداخلي مولده بجو أسطوري مستوحى من التراث الشعبي.

في المشهد الثاني نرى الأم وضاربة الودع –فاطمة السردي- التي تخبرها بأن حاميها غائب، تتلهف الأم لسماع سر الرمل ولكن الغجرية تنبهها لضرورة الصبر وعدم استباق الغيب وتلاحقها بقصة اليمامة التي قتلت فراخها بقلة الصبر.

في المشهد الثالث تمر الأم بفلاح يعمل ويغني متأسيا لحالها، ثم ننتقل للمقهى أمام بيتها حيث تتضارب الشائعات حول مصير الزين.. فمن الناس من يقول مات مذبوحا بالسعودية بسوء سلوكه، ومنهم من يراه شابا صالحا سافر لليبيا وحين أغلقت الحدود معها لم يمكنه الرجوع، بينما يؤكد المتعلم المتفلسف أنه سافر من ليبيا لإيطاليا ثم لأمريكا –لكليفلاند تحديدا- حيث يمتلك مطعم فول! تمر بهم الأم فيسكتون ولكنها تلمح نظرة شاردة بين أحد هؤلاء القرويين وزوجة الزين –أجفان طه- في شباكها والتي تعيش معها منذ تزوجت ابنها من 13 سنة لم تسعد به إلا عشرين يوما اختفى بعدها.

في المشهد التالي نرى أربع إناث بلا ذكر هما الأم والزوجة .. والأرنبتان! الزوجة تشير لاستحالة استمرار الحياة "للأرنبتين" وحدهما، فتأمرها الأم بأن تكف عن الخروج على الرجال من الشباك.. يكاد اليأس أن يستبد بالزوجة من طول غياب الزين بينما الأم مصرة على أنه غدا يعود ويعوضها ما فات بكرمه.. بشرط صيانتها لعرضه في غيابه.

المشهد التالي لزفة أحد العائدين بعد غياب، تقطعها الأم بسؤال عينيها فيخبرها العائد أنه رآه بالعراق ثم انقطعت أخباره، ومع انصرافها يقول لصاحبه إن الزين تطوع مع العراقيين لقتال الإيرانيين فمات!

المشهد التالي محاولة إغواء للزوجة من قبل من كان يراقب شباكها-الزميل المرحوم مدحت فوزي- وكلامه وخز محسوب.. (حرام الفاكهة تذبل على غصنها) (في البدن نار تريد انطفاء) .. الزوجة تقاوم.. الأم تلحظ فتتبع الزوجة للبيت لتنهرها وتهددها .. الزوجة تصرخ بيأسها التام من عودة الزين، الأم تكاد تأكلها مستشهدة بأنها كانت تطعم طفلها رأس الحمامة حتى يكون له عقلها فيعود لداره مهما طالت غربته، وتغني الأم للحمام بينما تغسل الزوجة رأسها لإطفاء الشهوة والتوتر.

المشهد التالي للزوجة في الضريح تتوسل عودة زوجها فيترصدها ذلك الذي يغويها فينجح في إقناعها بانتظاره في المساء، وفي المشهد الأخير يطرق الباب وتفتح الزوجة خلسة فيدخل من؟ نعم.. يدخل الزين! تحضنه زوجته المرتبكة الملهوفة فتقتله الأم وقد ظنته غريبا أتى ينهش عرضه..

هنا ينتهي الفيلم بكل إيحاءاته، بعالمه الفقير، بالمغتربين من أجل اللقمة، بالمنتظرات لرجالهن، بلعبه بالرمز وبالأسطورة وبالحلي التراثية، ولتستخلص منه أنت ما تحس..

الفيلم 35 مللي من إنتاج قطاع الإنتاج، حصل على جائزتي شادي عبد السلام ومحمد شبل عام 2006 ، مدير التصوير محمد حمدي، المونتاج لمنار حسني، والإعداد الموسيقي لسمير عوف.

إيثاكي

فيلم آخر لن تراه إلا مصادفة.. "إيثاكي".. تأليف وإخراج إبراهيم البطوط خريج الجامعة الأمريكية 1985 والذي قضى شبابه متتبعا بكاميرته الحروب والكوارث البشرية لصالح محطات أوروبية ويابانية حاصدا للجوائز عن أسلوب تغطياته لحرب الخليج الأولى، وللمقابر الجماعية في العراق، وليوميات قائد سيارة إسعاف في رام الله، وللختان في الحبشة.

أنتج المصري إبراهيم البطوط واليوناني كيراكي باباجورجيو فيلم "إيثاكي" الواقع في منطقة ما بين الفيلم التسجيلي والفيلم الروائي عام 2005 فنال جائزة مهرجان الفيلم المستقل الذي نظمه المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة.. ولكنك لم ولن تراه في دور العرض ولا على شاشة تلفزيونك سواء وجهت الريموت للمحطات المصرية أو للفضائيات العربية، لأنه فيلم خارج السياقين.. السينمائي والتلفزيوني.. أي أنه لا يتبع القواعد ولا القوالب الصارمة التي تفرضها مؤسسات استثمار وإدارة الفنون في الميدانين.

إيثاكي هي وطن البطل الإغريقي الأسطوري أوليسيس الذي استغرقت رحلة العودة لدياره عمرا طويلا وعذابات جمة، وإيثاكي هي أيضا قصيدة الشاعر اليوناني السكندري قسطنطين كافافي التي كتبها عام 1911 والتي استهل بها البطوط فيلمه إذ نجول كوبري قصر النيل فجرا فنسمع باليونانية:
حين تعتزم الرحيل إلى إيثاكي
تمن طريقا طويلة شاقة
حافلة بالمغامرات وبالمعرفة
وما دامت روحك صافية
فلا تخش لقاء الوحوش الأسطورية
فما لم تحملها في روحك بالأساس..
فإنك غير ملاق للشرور
ويأخذنا البطوط في رحلة تفاصيل بصرية.. فيمتزج تراشق الضوء بالشموع بالبخور، وصولا إلى شاب وشابة متحابين –عمرو فكري وكريمة نايت- هي تكتب بالمعجون على مرآة الحمام "أحبك" وتطعم العصافير ثم يلتحم وجه الحبيبين وسط الميوعة الضوئية الراقصة.. فما هذا؟ إنه توحد الحياة بالحب كما يراها البطوط وفريق عمله غير الهادف للربح، وهي الرسالة التي لا يخشى إبراهيم الإعلامي من التصريح بها إرضاء لإبراهيم الفنان.. فالاثنان هما إنسان واحد يحاول استخدام قلمه وكاميرته للدفاع عن حب الحياة بعد أن خاض حتى العنق في مشاهد الموت والخراب وقد عاد يبحث عن إيثاكي.. وطنه الإنساني الذي يكمن في القلب.. إن جاز التعبير.

ويتقمص أحمد كمال دور البطوط نفسه ليقص لنا بعض ذكرياته، فمثلا في رحلته لكوسوفو جاءه رجل يحمل طفله وكلمه بلغة لم يفهمها واستمر البطوط في تصويره ثم طلب من شخص ترجمة ما قاله الرجل فقال: كان يسأل: "أين أدفن ولدي.. هل تعرف"؟؟

بصفعات كهذه ترج المرء عاد البطوط لبلاده بعد سنوات من معايشة روح الشر في العالم طامحا في الوصول لشاطيء الوجود الإنساني الحقيقي والممتليء، أو ذلك الضوء في آخر نفق النفس الإنسانية.. فيتجول بنا وسط دائرة أصدقائه من وسط البلد غازلا قصته بقصصهم.. وإحداها قصة الشابين المتحابين واللذين ستنتهي قصة حبهما في نهاية الفيلم ولكن الحب نفسه سيولد ثانيةً في لحظة الفقد.

هناك الزوجان بيسو وحنان (بطرس غالي وحنان يوسف)، الأول يهدد عشقه للخمر كبده المصاب والثانية مهتمة بالسحر الأبيض –نقيض السحر الأسود- ورسالتها إضفاء طاقة الحياة والحب على تماثيلها الصغيرة وعلى كل من يلامسها، وهناك الباحثة الأجنبية المقيمة بمصر والتي تتبحر في هذه العوالم ، وهناك الموسيقار فتحي سلامة بشخصه ووسط فرقته وفي جانب من حفلاته، هناك الرجل الذي فقد عينه في التدريب العسكري فتحول لعشق الموسيقى، والمخرج الجزائري الذي قتلته يد الإرهاب..

إيثاكي قصيد فيلمي تثريه الروابط الخفية بين تجربة النجاة بعد الجراحة، وموت سمكة حزن عليها الزوجان اللذان ربياها فسخر منهما الأصدقاء، والطفل الذي عاش في الحرب تجربة مريعة جعلته يعتبر مخيم اللاجئين جنة، والمرأة التي تلف نفسها بدائرة من الورود وكأنها تستحضر قوى الحب ضد قوى الكراهية، والتفاهة التي تغلف نصف حياتنا بينما الذعر والوحشية يجتاحان نصفه الآخر.. إنه دعوة للإبحار في النفس الإنسانية لاقتلاع جذور الأنانية والكراهية والتدمير.. وسواء وافقته أو عارضت فلسفته المسالمة ستحترمه وتتحمس لمناقشة ما يطرحه من قضايا شائكة، متشوقا لرحلتك الذاتية بحثا عن "إيثاكي" التي تخصك.

Tuesday, June 12, 2007

حبيبتي الحياة



حبيبتي الحياةُ.. دفؤها، وصفوها، حنانها ولهوها المثيرْ
أبارز الشتاء فيها.. أستحث الزمهريرْ
ترتج عاصفةً.. غيورةً.. خبيثةً..كطفلة تحب جارها الصغيرْ
نلهو.. ونكتب الأشعار فى الأشجارِ تارةً..
وتارةً نموت ضاحكَينِ من شجارنا على السريرْ!
ـ ـ ـ ـ
حبيبتي الحياةُ.. بأسها، ويأسها الخريفيّ المطيرْ
إذا اكتست بالحزن.. عرّت الفؤاد من خضارهِ.. ومن صغاره الطيورْ
تجمدتْ بالخوف تحت صدري.. تعلقتْ بظهري..
وأدمعتْ على خديّّ فى سرورْ!
ـ ـ ـ ـ
حبيبتي الحياةُ.. حدةً.. تحطم الجدران بالعناد والغرورْ
تشدني وتدفعُ..
تنهار ثم تركعُ..
والباب فى يديّّ رعشةٌ.. تئن بالصريرُْ!
ـ ـ ـ ـ
حبيبتي الحياة صيفها، وصهدها.. جحودها.. وعقلها الصغيرْ
سرابها الرمليُّ ملء حلقي..
وحقها خصومة لحقي!
نزاعنا.. وحقدنا.. ورغبة التدميرْ!
ـ ـ ـ
حبيبتي الحياة فى ربيعها القصيرْ
وفى طفولة الصباح.. فى ميوعة المساءْ
حبيبتي الحياة كلّها.. وسرها الخطيرْ
عذوبتي.. حريتي.. وشهوة النماءْ

Monday, June 11, 2007

عيد ميلاد سعيد

واحدٌ وثلاثون سنة
وأنا
لا أعرف بعد من أنا
ـ ـ ـ
واحد وثلاثون سنة
واحد وثلاثون رحلة للأرض..
واحد وثلاثون حصادْ
واحد وثلاثون شمعة
واحد وثلاثون عيدا للميلادْ
واحد وثلاثون عيدا لرأس السنة
وأنا
لا أعرف بعد من أنا
ـ ـ ـ
الصغار غدوا كبارا
والبلاد تغيرتْ
أمم ٌ بادت.. وأمم ٌ أينعتّْ
والحياة تشابهـتْ
فغدت أكثر ذعرا !
ـ ـ ـ
واحد وثلاثون عاما كاملا
كل عام يحمل الأحلام والأماني
وخطابات التهاني
بالسنين الراحلة
واحد وثلاثون رؤيا.. باطلة
ـ ـ ـ
واحد وثلاثون سنة
واحدا وثلاثين بحرا قد عبرتُ
مئاتِ الجزرْ
مئات المرافيءْ
آلافَ القراصنة
والسحب الداكنة
الشواطىء العذارى
والخلجان الساكنة
القبائل الحيارى.. والشعوبِ المهجنة
واحدا وثلاثين مرة ً التقي طيورا مهاجرة
واحد وثلاثون رحلة.. وأنا
لا أفرح إلا بالشروق والغروبْ
وضحكة الدرافيل اللعوبْ
وبهجة الأسماك الملونة
ـ ـ ـ
واحد وثلاثون نتيجة عام جديدْ
صورى تزيدْ
وتزيد التجاعيدْ
وعديدُ الأسئلة
وأنا فى مكاني
أتلقى التهاني
وفى عيني ّ نعي ٌ للسنوات الراحلة
مشفقا على الأماني
والرفاق السكارى
والعاشقات العذارى
وأرمق الكهول بابتسامة عجوز
أليس أمس أحلى
أما تعجل الزمان إذ تولى
أما تخلى
أليس أمس أحلى
فأشهد ابتسامة العجوز للعجوز
ودمعة الغموض
وأذكر الأشياء كلها التى تذكرا
الطفولةَ والصبا
الهوى والشباب
الزفافَ والوليدْ
وفرحة الحفيد
أذكر حتى حزن الخماسينْ
والوحدة فى دار المسنين ْ
والزيارة من سنة لسنة
واحد وثلاثون سنة
كل عام.. والجميع طيبونْ
حتى مواسم السنة
حتى الزمان المنهمرْ
الطائش المستمرّْ
الحاضر الماضي
والمستقبل الذى مضى
والحياة كلها
حتى بلاط حزنها الأميرْ
وكبرياء عرشها المثيرْ
حتى غرور نورها
وومضة الشباب فى سرورها
ولهوها القصيرْ
حتى اختفاؤها البطيء فى الأفقْ
ورعشة الشفقْ
وهدأة القبورْ
كل عام والجميع طيبون
كل عام والجميع فى سرور

25 نوفمبر 1994


ـ ـ ـ ـ ـ ـ

شكر خاص من ديوان نبي بلا أتباع 1995

شكراً لمن حفروا معي وأنا أفتش عن وطنْ
شكرا لمن صرخوا معي وأنا أفتش عن لغة
شكرا لمن ضحكوا معي
وأنا أفتش عن مجالسة الصغار على ضفاف النهرْ
أقدامنا فى الماء تضحكنا البرودة ُ.. تعطس الحلوات فى فصل الشتاءِ طوال شهرْ
ونعود نبحث عن أصابع نهرنا النعسانِ يبحث عن مصب ّ
شكرا لمن عطسوا معي.. حتى وإن ضاع المصبّ
ـ ـ ـ
شكرا لمن سهروا معي وأنا أفتش عن كلام الليلِ قالته النجوم لطائرٍِ فبكى وسافرْ
وأنا انتظرت مسافراً يطوى كلام الليل فى جنبيهِ
كم أنا ساذجّ إذ أننى أعطيت ميثاق الأمانى لأنجمِ وجناح طائرْ
ـ ـ ـ
شكراً لمن نعسوا معي
وأنا أفتش عن ثقاب فى ليالي البردِ أشعلها.. فأكشف فى زوايا الكونِ ما غطى المساءْ
شكراً لمن ناموا معي.. وشاركونى فى الشتاءْ
---
شكراً لمن لهثوا معي وأنا أفتش عن طريق للهربْ
شكراً لمن نادوا معي وأنا أفتش عن لقبْ
شكرا لمن ماتوا معي.. وأنا أفتش عن صديقْ

Sunday, June 10, 2007

خماسين

غفى الكلام على الشفاه
حزن ٌ خريفي ٌّ خرافي ٌّ تمر على نوافذنا يداهْ
شعرٌ يقال بلا انتباهْ
هذي ملامح قصةٍ إذن لتزهر أو تطيرا
فتملكي هذا المصيرا
إني سئمت تملكي ما طاش فى العقل الهوى حزناً وتفكيراً وذعراً
فإن بعد الحب عسرا
ثم بعد العسر عسرا
ثم عسرا
ثم عسرا

نشيد الختام - من ديوان نبي بلا اتباع 1995

أشعر بعد مُضىَّ الرحلة
أنى وحدي فى الصحراءْ
حتى جملي شد رحالَهْ
كنت نبياً دون رسالة
دون وصايـا
حتى دون المنبـوذينْ
كنت نبيا ثم فقدت كتــاب الدين
لم يتبعني إلا ظلي.. والغيماتْ
عاش نبي ٌّ فى أحشائي.. حتى ماتْ
أشعر.. أشعرْ
أن حنيني يكبر.. يكبرْ
لن أتكبرْ
كنت أحن دوام العمر إلى عينيكِ
يستدرجني في كفيك حنين الأمس إلى هاويتي..
فمعذبتي..
يا من عاشت بين عيوني
أعشق.. حتى اخضَرَّ جبيني..
لكن وحدي.. كيف أحس بماء العالمْ؟
ما ألمسه.. يصبح رملا
أشعر بعد مضى الرحلة..
أني لم أتحركْ بعد..

إنشاد (من ديوان نبي بلا أتباع 1995)

هذي أناشيدي الأخيرة ربما
أنجو بها أو ربما سأمــوتُ
هذا خلاص الروح.. أكشف مهجتي
كي لا يحس الغربة التابوتُ
الباب ثقبٌ.. والعناكب فى دمي
بيني وبيني وحشة ٌ وسكوتُ
الآن أشدو كى أطل على فمي
يرتج فى زَبَدِ الردى ويفوتُ
فلقد يمر من النشيد يمامة ً
ولقد يموت بصمته.. وأموتُ

عودي

عودي فإني قد سئمت وجودي
وكرهت ذاتي.. وارتضيت قيودي
أنا فى الطريق إلى المحال.. أحبه
وأحب أن تأتــي بلا تمهيــدِ
ألقاك فى أمسيةٍ كحليةٍ
فيفيض برقي.. تستباح رعودي
أنا لن أعيش على أمان زائفٍ..
فلتقتليني.. كى أحـس وجودي
ـ ـ ـ ـ
لي في جنونك خطة مطعونة ٌ
والعمــر عبدّ دان للمعبــودِ
عودي.. فإني لا أطيق أصابعي
ظلي الضئيل على ظـلال جدودي
"من أنت؟".. "ماذا كنت؟".. "كيف ستنتهي؟؟"
وأنا أحاول أن أريـــق ردودي
عيناك وحدهما –ولا لهما شريك– طاقتي.. ومعاركي.. وجنودي
عيناك هاتان اكتشافي.. واحتلالي.. واغتصـابي.. جزيتي ونقـودي
همـا ما امتلكـت مـن النساء جميعهن: طفولتي.. همجيتي وبرودي
عودي فإني قد سئمت كرامتي..
وكرهت عيني.. واحتقرت خدودي

Tuesday, June 05, 2007

مذكرات فراء


كنت أبرق في المحال الأجنبية
كنت آنئذٍ فراءً يتمطى فوق فستانٍ لسهرة
ذات مرة..
أُعْجِبَتْ بي
حين كانت تفحص التاريخ فيَّ..
لوثتني..
فاشترتني!
----
علقتني..
منذ شهرٍ ومسامي تختنقْ
"إفتحيلي.. إفتحيلي"
كان شهر الصيف يضحك من جنوني..
وعيوني تحترقْ
----
أذكر الآن كثيرا من صبايْ
كنت أشطر ثعلبٍ في الحي أذكرُ..
لم يكن في الحي من ذكر سوايْ!
كنت شاباً في سِني عمري الفتيّةِ.. أرضعتني الأرضُ.. أطعمني انطلاقي
كيف أَقْنَعُ أن أعلّقَ فوق أثواب الحرير فراء زهوي واشتياقي؟!
----
جاء شهر البرد أنقذني وفاء الزمهريرْ
وضعتني فوق ملمسها الخرافيِّ الأحاديِّ النظيرْ!
هاجمتها الريح فاحتضنتني حتى لا أطير ولا تطيرْ
صرت حضناً
صرت نبضاً!
اكتسى ريشي انبهارا
جادل الموت غيابي والحضورْ
صرت حيّاً!
----
حين جاء راقصتهُ..
تركتني فوق كرسيٍّ عتيقٍ..
حين قاما.. كان يعبث في جبيني!
حين ناما..
نسيتني في انحنائي على مؤخرة السريرْ!!
----
بعد شهرٍ أبدلتني بفراءٍ سعره ضعفي ثلاثاً
أقسمت وهي تسلمني لكفٍّ إنني لم أبصر الشارع مرة!
أقسمت وهي تسلمني ثلاثاً!
تركتني فوق فستانٍ لسهرة
أتلمس من جديد ظهر أخرى..
سوف أعشقها غدا..
سوف أذكر كل أيام التثعلب في يديها..
تشعل الإيقاع في كبدي لتتركني أبات الليل وحدي..
وتبدلني غدا..
حين تقسم إنني لم أنظر الشارع مرة
فدعيني في دُلابك ها هنا أحلى ولا تتكلمي
صمتكن.. صار أحلى.. ألف مرة!

(خالد الصاوي - من ديوان نبي بلا أتباع 1995)