Sunday, December 06, 2009

في العناية المركزة


أتموتين الحين يا لغتي الحبيبة؟
أعلى صدري ترتعشين الآن

رعشة أخيرة.. ثم تفيضين؟

أصحيح أننا.. لن نَسمع القرآن إلا في المتاحف؟
وسنحتاج لنسمع كوكب الشرق إلى المترجمين؟
حّملوك وحدك التركة كلها
من سقوط بغداد على أيدي المغول
لسقوط بغداد الأخير على أكفنا المرتعشة

أنت التي لم تبخلي بشيء مُطلقاً
ألف وخمسمائة عام تقهرين العدم
مع الرياح الشرقية من بطون الصحارى..
تحلقين فوق عصور شديدة الالتواء
تذرين المُعلقات في عاصفة الذكريات
وتنثرين حروفك الحارة في أسماع العواصم

نعم أحبك يا لغتي الحزينة المحتضرة
ألثم الآن الحروف كلها وأبكي
أذكر اللقاء الأول الذي قرّبنا
سورة الفتح التي فتحت خيالي
فتح الله عليّ بجمالك..
بعذوبة الإيقاع في أنفاسك الشهية
أذكر الرحلات التي خضنا.. صيفاً وشتاء
مع الضرير أبي العلاء.. إمام المبصرين
ومع الأصفهانيِّ الذي أنبأنا
ومع ابن شداد الذي حررنا قصيدهُ
تلكم الأيام التي رحلت تباعا..
فعدونا في ركاب سيدي المتنبي
أذكر البلوغ والإجرام في قصر نزار
أذكر النخوة في بستان دنقل
أذكر الإعجاز في مدائن درويش
وانبهارنا الشاب في إمارة شوقي
أذكر خطب المارد الأسمر ناصر
وعذوبةَ جرسك في شفتي فيروز
أذكر قيساً.. وقيس لم يعد يذكرني
لم تعد ليلى وفيةً كما سبق
علمُ الكلام وعلوم الثرثرة
وحكايات الجدات الفقيرات
وخزعبلات ألف ليلة وليلة
وتجليات الفارض وأبي حيان
حتى المدائح النبوية والرُّقيّة في المرض
كل هذا الآن أذكره.. وينسى

أتموتين الآن.. و تتركينني هنا
أحتج في وسط الطريق على جوادي؟
سيفي وحربتي المنهكة
والجراح التي التهمتني بخسة
هل أصنع القبر على قياسنا معا؟

أم أركض الآن لكي ألحق قدري
على مشارف المدينة المعادية؟
تلك التي اغتالتك بحضني
و يتّمتْ فؤادي الضعيفْ

Wednesday, November 25, 2009

المخفي والمعلوم حول مباراة الخرطوم

أنا وابن عمي نحب الاستهبال وحياة حبيبك خدلنا صورة
كسبنا بعض ف حرب الاستقلال وخسرنا بعض ف لعبة الكورة!
والاستهبال لغةً أن يدعي المرء ما ليس فيه من بله، أما وجه الاستهبال فهو ما سرنا فيه في كلا البلدين ونحن نستعد للقاء كروي هام يتأهل بواسطته أحد منا لكأس العالم، فانتهى الأمر بكراهية تولدت في النفوس، وجراح لن تندمل سريعا، ووضع تراجيكوميك أضحك العدو وأبكى الحبيب.
أما الاستهبال الأكبر فهو وقوع هذه الضغينة الكروية-السياسية بين شعبين عربيين يواجهان نفس التحديات بعينها تقريبا: الاستعمار العالمي والصهيونية من جانب، والفقر والقمع والجهل من جانب آخر.
ويزداد الاستهبال فداحة حين نضع المشهد في سياق السيناريو الشامل:
فبينما يتوحد الفرنساوية والجرمان -وقد كانا متحاربين منذ نصف قرن- في كيان يمزجهما بالطلاينة والإسبان.. إلخ، يتفرق الشعبان المصري والجزائري اللذان قاتلا متعاونين ضد الاستعمار والصهيونية، وبينما يدنس الاحتلال أراضي فلسطين والعراق وأجزاء من سورية ولبنان والمغرب والإمارات، يشتبك العرب سويا على كل شيء ممكن بما في ذلك رياضة كرة القدم المسكينة التي صارت في عصر العولمة الرأسمالية ساحة للاستثمار التجاري والانتعاش الإعلاني والدروشة الإعلامية، ومساحة للاحتكاك السياسي والثقافي، وبؤرة للنعرات الوطنية السطحية.
فلاش باك:
كان لي شرف الظهور في برنامجين مهمين قبل مباراة مصر والجزائر في القاهرة، وفي المرتين أبديت شديد استغرابي من التعامل الشعبي والإعلامي مع المباراة وطالبت بخفض التوتر لسلبيته المفرطة سواء داخل الملعب أو خارجه، كما استهجنت بشدة النظر للجزائر كعدو لا كمجرد منتخب لبلد عربي شقيق يتنافس معنا ونتنافس معه، وهالني ما رأيته على الفيس بوك من وقاحات ضد الجزائر منتخبا وشعبا ودولة، وبالطبع غضبت بشدة مما رأيته من إهانات عكسية تطال الشعب المصري، ودق قلبي بعنف حين بدأنا نتبادل مع الجزائر الاتهامات بشأن ما تردد عن مقتل مشجعين جزائريين في مصر، وقبيل مباراة السودان كنت كمصري أحلم برفع علم بلدي في مونديال 2010، وكنت كعربي أتمنى أن ينتهي الأمر على خير، أما كإنسان فقد كنت شبه واثق من وقوع ما لا يحمد عقباه.. ساخطا على حال شعبين تفتقد غالبيتهما إلى الثروة والسلطة ويختزلان الإنجازات والكرامة والروح الوطنية في كراهية كروية لا يبررها إلا الجهل والتعصب.
معسكر مصر والجزائر:
طوال الخمسينيات والستينيات تشكلت خريطتان للثروة والسلطة في العالم العربي: دول الخليج ذات النظام الملكي وتدور في فلكها الملكيات العربية الأخرى وتدور كلها في المدار الأمريكي الواسع، والجمهوريات العسكرية الوليدة التي التفت جماهيرها حول شعاراتها القومية والاشتراكية مما قربها من الاتحاد السوفييتي.
وفي خمسينيات القرن العشرين دعم المصريون بقوة استقلال الجزائر، وتشكلت جبهة عربية قوية قامت بتصفية الاستعمار القديم في منطقتنا، رحل البريطانيون والفرنسيون وقد نالوا الضربة السياسية القاضية في عدوان 1956، وبقيت إسرائيل وحدها لتقاوم بالأصالة عن الحركة الصهيونية العالمية وبالوكالة عن القوى الاستعمارية المشروع القومي الذي تجسد في جمال عبد الناصر حتى استطاعت الولايات المتحدة وإسرائيل توجيه ضربة موجعة عام 1967 ليس فقط لمصر عبد الناصر، بل للمشروع القومي كله، ومع ذلك بقيت مصر والجزائر في معسكر واحد مع غالبية الدول العربية متشبثين جميعا بأهداب الحلم العربي.
ومع عبور جنود مصر الشجعان لقناة السويس في أكتوبر 1973 كانت الجزائر مع بقية الدول العربية خير داعم لمصر وسورية، لم تكن الجزائر ترد فضل مصر عليها في معركة الاستقلال والتعريب فقط، بل كانت جزءا من منظومة عربية متماسكة ظاهريا مضمونها الوحدة العربية ومقاومة الاستعمار والصهيونية، بينما كان هناك في الكواليس حلفان متعارضان ينموان في الظلام.. حلف التسوية السلمية من جهة، وحلف المواجهة من جهة أخرى، وبمجرد الإعلان عن زيارة السادات التاريخية لإسرائيل انقسم العرب انقساما واضحا.
هل هي أول مرة ينقسم فيها العرب؟ أبدا.. ففي عهد عبد الناصر قاتل المصريون إلى جانب اليمنيين المنقلبين على الإمام ضد اليمنيين الموالين له والسعوديين الذين يدعمونهم، ووقف الجيش المصري في الكويت ضد الجيش العراقي، واشتبكت مصر إعلاميا مع المملكة الأردنية، وقد عبرت هذه المعارك عن فلسفة ناصرية تتبنى الوحدة العربية بملمح اشتراكي مع النضال ضد الاستعمار والرجعية العربية الموالية له.
وهكذا كانت معارك الخمسينيات والستينيات بين الدول العربية هي معارك بين فلسفتين متعارضتين ولم تكن مجرد احتكاكات قبلية لا مبرر لها كما يظن بعض السطحيين.. بل كان هناك سؤال ملح هو: في أي اتجاه نسير؟ هل نتوحد في كيان مستقل ومحايد عن الكتلتين الكبيرتين ونعيد توزيع الثروة بحيث ينعم الجميع، أم نندمج في المنظومة الغربية ونرسخ هرمية الثروة في المجتمعات العربية ونقبل بدور التابعين الراغبين في التقدم على مهل.
لم تكن المشكلة الكبرى في الأفكار بل في الممارسة غير الديمقراطية التي اتبعها القطبان العربيان، فمن المحيط للخليج جماهير لم يؤخذ رأيها في حاضرها ولا في مستقبلها، لم تختر حكامها ولا نوابها بحرية، لا سيطرة لها على ثروتها، إعلامها تابع، قوانينها مفصلة على قياس العشيرة الحاكمة، قضاؤها مكبل، معتقلاتها فسيحة، وإنسانها معوق رغم قوته الهائلة الكامنة.
الطريق إلى غزة:
خلف السادات عبد الناصر فوجد تركة ثقيلة، أنجز العبور ثم قرر استكمال المعركة بالطرق الديبلوماسية، وعلى الصعيد الاجتماعي فعل الانفتاح الاقتصادي فعله فتشكل واقع طبقي جديد، ومقابل الحلم العربي الناصري القديم ولد الحلم المصري الساداتي وقد استجاب له الكثيرون من أبناء مصر لعدة اعتبارات معقدة أولها فشل قيام أي اتحاد عربي من أي نوع، وإحساس المصريين أن الشعوب التي على الجبهة أقدر على تقدير أمورها من الشعوب التي تقع بعيدا عن مرمى النيران، ومرارة مشاعر مواطني الدرجة الثانية التي لاقاها المصريون في عدد من الدول العربية التي عملوا بها رغم أفضال مصر على جميع العرب كما يرى أغلب المصريين، وزاد الأمر سوءا بتهجم وتهكم العرب من المصريين بعد معاهدة السلام رغم أن العرب والمصريين يعرفون جيدا أن السياسات في العالم العربي يصنعها الحكام فقط، وأطلق السادات شعار "مصر أولا" ليدعم انسحاب مصر من الخيار الوحدوي، كما قام بتقوية الجماعات الدينية ليسحق اليسار الشيوعي والناصري فيخلو الجو تماما للمشروع الليبرالي الداعي لدمج مصر في المنظومة الأمريكية وقد صارت له داخل مصر طبقة تحميه.
وخلف مبارك السادات ليجد تركة ثقيلة أخرى، ولكن تم استكمال الطريق الساداتي، واشتبك النظام مع الجماعات الدينية المسلحة التي ورثت ساحة المعارضة السياسية، وكذلك فعل النظام الجزائري مع الحركة الإسلامية في الجزائر، ورغم تعارضهما الواضح في المواقف الإقليمية اتخذ النظامان المصري والجزائري نفس الأسلوب تقريبا في ضرب التيار الإسلامي وتكبيل الحريات السياسية تبعا لذلك.
ورجحت مصر تدريجيا كفة الحلف الخليجي-الأمريكي خصوصا في حرب الخليج عام 1990 ورغم ذلك تزايد فقراؤها، ودعمت الجزائر بقوة "جبهة الصمود والتصدي" ضد الاندماج في الفلك الأمريكي ومع ذلك تزايد فقراؤها.. وفي البلدين المتعارضين سُجّل الكثير من حالات الفساد والتعذيب وتزوير الانتخابات واستغلال السلطة، ومن وجهة نظر محايدة يمكننا القول إننا أمام بلدين متشابهين كثيرا بدءا من نظام الحكم وأساليبه وانتهاء بالتركيبة الاجتماعية والثقافية، نحن أمام شعبين فقدا الكرامة في بلديهما أولا ثم في البلدان العربية والغربية التي استقبلت جحافلهم المهاجرة إليها كأيدي عاملة رخيصة لا ظهر لها، نحن أمام مثقفين مهزومين في كلا البلدين ليس لهزيمة المشروع الوحدوي بالضرورة ولكن لهزيمة المشروع الديمقراطي في الأساس، ولانتصار مشروع التبعية الثقافية في كلا البلدين، ونحن أخيرا أمام جماهير فقيرة خائفة محدودة الوعي، أي باختصار أمام هزيمة مخزية للمشروع النهضوي أصلا.. والموضوع لا يخص مصر والجزائر فقط، فمن المحيط للخليج يمكنك أن تسمع السؤال الذي يصيب أي مواطن بالشلل الرعاش: (إنت ماتعرفش انت بتكلم مين؟؟ ده أنا أوديك ورا الشمس!).. وهذه العبارة تختصر في رأيي كينونة الدولة البوليسية العربية في مقابل الدولة القانونية كما عرفها "العالم المتحضر" على علاته.. وطالما توجد هذه العبارة، طالما لا يمكننا تجاوز الحاضر أبدا.. لا في مصر ولا في الجزائر ولا في أي بلد عربي آخر.
ومع ذلك، قامت هذه الجماهير في مصر وفي الجزائر لتعلن عن أنها لم تزل حية بموجة احتجاج عاتية مع انتفاضة الأقصى عام 2000، وأعقبتها باحتجاجات صاخبة مع احتلال العراق في 2003 وضرب لبنان في 2006 حتى جاءت الحرب على غزة مؤخرا لتقلب المائدة تماما حيث اضطر الشعب المصري لمواجهة نفسه بسؤال وجودي رهيب: ما العمل الآن؟
والمتابع لرسائل الموبايلات وكتابات الإنترنت وقت الحرب على غزة يكتشف أن الوجدان المصري بغالبيته العظمى كان يبكي ألما على أهالي غزة رغم الاختلاف حول حركة حماس، وتشكل وعي عام صامت سأجتهد في تفسيره كما يلي:
(نحن كمصريين نكره الإسرائيليين ونتمنى قتالهم، ونتضامن مع الفلسطينيين ولو لم نكن نرتاح لهم أحيانا وبالذات مع حركة حماس، ولكننا لا نستطيع التورط في هذه الحرب لأننا أضعف من هذه المواجهة، ولا ناقة لنا فيها ولا جمل، ولماذا نتحرك وحدنا بينما العرب ينقسمون ولا يتفقون؟ نريد المساعدة ولكن لا يمكننا فتح معبر رفح حتى لا نتورط في هذه الحرب وكي لا تتحول سيناء إلى مستوطنة فلسطينية.)
وعلى الجانب الآخر كان الجزائريون شعبا ونظاما يهاجمون المصريين -شعبا ونظاما- على غلق معبر رفح، لم يكن الجزائريون فقط من وقفوا ضدنا وقتها، وبغض النظر عن حقنا في اتخاذ الخطوات التي نراها في صالحنا طبعا لابد أن نعترف أن التنديد بغلق معبر رفح أتى وقتها من بلدان عديدة عربية وغير عربية.
ما لا يعرفه الجزائريون أن الموقف في مصر كان معقدا، وبالتالي انبروا في التهجم على اسم مصر، وغضب المصريون طبعا من جميع من هاجموا مصر، وفي غمرة الاندماج الحاصل بين الشعب والنظام في مثل هذه المواقف يتوحد المحكوم بالحاكم والفقير بالغني والجاهل بالمتعلم، ويتم اختصار الجماعة البشرية في علم الدولة، وقد يكون هذا صحيا في حرب الاستقلال الجزائرية أو في معركة العبور المصرية، ولكنه يتحول إلى كارثة كبيرة في أوقات التأزم بين أي نظامين عربيين.. فالإعلام الرسمي في كلا البلدين يقوم ساعتها بعملية غسيل مخ للجماهير فتندفع في كراهية متبادلة، وربما اصطلح النظامان بعدها، ولكن الجراح التي تخلفها النعرة الوطنية على حساب المصالح القومية تبقى طويلا في صدور الجماهير.. ولكي لا يعترض عليّ أي كاره لكلمة قومية، أقول له إنني أتحدث وفي عيني مثال الاتحاد الأوروبي الذي توحد على مصالحه رغم تعدد ألسنته.
مباراة في السفالة:
لا يمكننا فهم أحداث الخرطوم خارج سياقها، فالشحن الذي قام به الإعلام الرياضي أولا ثم تبعه الإعلام الشعبي عبر الإنترنت قبل لقاء القاهرة أوغل في احتقار الآخر، لقد ابتلعت الدولة في مصر وفي الجزائر وجود الإنسان حتى لم يعد له من مساحة للتعبير عن نفسه وعن أحلامه وغضبه إلا في الأفراح والمآتم والموالد والسينمات والمسارح ومباريات الكرة التي تجسد أعلى درجات التنافس المتاحة، كما أن الدولة في كلا البلدين لم تعد قادرة على استمالة الجماهير إلا في الأحداث التي يطيب فيها رفع العلم دون رفع القيود، والتغني بالوطن دون المواطن.
وبالنسبة للمصريين، تكثفت أحلامهم الجماعية في حلم الوصول للمونديال، ورحب الناس جميعا برفع العلم والتغني بمصر، ولعلها أكبر إيجابيات اللحظة من زاوية أن فورة المشاعر الوطنية قد تعيد للأمة بعضا من تماسكها المهدر، وبحث المصريون عن بارقة أمل فوجدوها في منتخب الإنجازات، والتف الشبان والشابات حول اسم مصر الذي تعرض للهجوم أكثر من مرة في السنوات الأخيرة بسبب موقفنا الرسمي في حربي الخليج الثانية والثالثة وحربي لبنان وغزة، ولم يشفع لنا وجود تناقض بين الموقفين الرسمي والشعبي أغلب الوقت لأن التناقض حول المشروع القومي موجود بين قطاعات الشعب نفسه، ومع إهانة المصريين داخل وخارج بلدهم ومحاولات سحب عصا القيادة منهم على المستوى الإقليمي، تركز في العلم المصري في هذه اللحظة كبرياء الأمة المصرية الجريحة.
ومن لحظة نزول المنتخب الجزائري أرض مصر والاحتقان يتصاعد، وترددت شائعات الإعلام الجزائري عن مقتل مشجعين جزائريين، وفزنا بالمباراة بما فيها من تحديات فتصاعدت الهيستيريا الجماعية هنا وهناك، فاندفع المصريون في حالة التغني بالذات ونفي الآخر تماما، واندفع الجزائريون منومين مغناطيسيا بالدعاوى العكسية ليهاجموا بعنف المصالح المصرية بالجزائر، وصار واضحا أن مباراة الخرطوم الترجيحية ستكون مباراة خطيرة على علاقات الشعبين.
لماذا الخرطوم؟
في ظروف طبيعية تصبح ليبيا -وهي الدولة الواقعة بين مصر والجزائر جغرافيا- هي الأقرب للمنطق للعب المباراة، فانتقال جماهير المشجعين ستتم برا وبحرا وجوا، والنظام الليبي مستقر بلا حروب داخلية ولا احتكاكات خارجية مما يوفر له التركيز الأمني المطلوب، ولكن الدولتين المتناحرتين قررتا تصعيب الأمور على بعضهما، فاختارت الجزائر تونس المجاورة لها، واختارت مصر السودان المجاور لها، ومع فوز اختيار مصر للسودان الذي يواجه مشاكل حادة ومسلحة في الغرب وفي الجنوب لابد أن تبتلع أولوياته الأمنية، ومع المدلولات "الوطنية" للتأهل للمونديال في كلا البلدين المتنافسين، شحنت الجزائر جماهيرها الرثة الغاضبة في طائرات عسكرية كما حدثنا الشهود، بينما قررت مصر استكمال استعراضها الكروي-الوطني فأرسلت الفنانين والإعلاميين ليتصدروا مشهد التشجيع، وجند السودان قرابة 20 ألف جندي أمن كما قال لتأمين المباراة.
الإخوة الأعداء:
يحدثنا الشهود عن حالة إرهاب معنوي مارسها المشجعون الجزائريون على المنتخب والمشجعين المصريين من لحظة وصولهم للخرطوم، فقد جابوا شوارع العاصمة من عدة أيام ليشتروا الأسلحة البيضاء، وتم تصويرهم يلوحون بها في المدرجات بما يضع الأمن السوداني في ركن غير محمود، وبعد المباراة التي خسرها المصريون بدأت المهزلة الحقيقية.. آلاف الجزائريين يهاجمون المصريين بشوارع الخرطوم وفي طريقهم للمطار، المصريون يستصرخون الدولة المصرية من مخابئهم في السودان، الجزائريون بحسب أقوال الشهود كانوا يستهدفون الدم المصري بوضوح.. مرة بسبب رأيهم فيهم إبان أحداث غزة، ومرة بسبب شائعات قتل الجزائريين في مصر، وتحت الجلد ما هو أعمق حيث لم يكف المصريون والجزائريون من فترة طويلة عن الاحتكاك ببعضهم رسميا وشعبيا وفي دوائر المثقفين أيضا كأثر واضح لخلخلة المشروع القومي وعلو النبرة الوطنية المتعصبة والمغلفة ببارانويا التفوق في كلا البلدين.. وقد ساهم في حدوث هذه المهزلة أن نوعية مشجعي الجزائر كانت مختلفة عن نوعية المشجعين المصريين، مع ضعف الأمن السوداني للأسف.
وتطورت الكراهية سريعا، ولا أنكر أنني كنت مصدوما من الهجوم على المصريين، وتمنيت من كل قلبي أن تقوم الدولة بإرسال قوات خاصة لإنقاذ المصريين وتأديب البلطجية من مشجعي الجزائر رغم ما قد يؤدي إليه هذا التصرف من احتقان كبير بين مصر من جهة والجزائر والسودان من جهة أخرى، ولكنني سرعان ما تأملت المشهد من كل جوانبه فوصلت لضرورة إجراء تحقيق موسع تشارك فيه الجهات الأهلية والرسمية في البلدان الثلاثة بهدف معرفة من المسئول عما جرى من أحداث عنيفة في العواصم الثلاث، ومن وقائع إعلامية -هي بالأصح وقيعة إعلامية- يجب إدانتها خصوصا حين نتأمل المشهد العربي برمته فنرى إسرائيل في هذه اللحظة تسرع من تهويد القدس وتهاجم الفلسطينيين في غزة والضفة وتعرقل إعلان الدولة الفلسطينية، وهذا كله جزء من كل مهين للعرب من المحيط للخليج.
ما العمل إذن؟
نريد تحقيقا شاملا: من بدأ البذاءات أولا؟ من الذي استثمر حالة العداء ووجهها؟ من ألقى الحجر على حافلة المنتخب الجزائري في مصر؟ من المسئول عن شائعات قتل المشجعين الجزائريين هنا؟ وهل هناك أية حادثة اعتداء حقيقية؟ هل صحيح أن الدولة الجزائرية شحنت عمدا بعض أصحاب السوابق إلى السودان؟ أين كان الأمن السوداني حينما جمع الجزائريون الأسلحة البيضاء؟ وكيف دخلوا بها المدرجات؟ أين كان الأمن السوداني حين تعرض المصريون للهجوم المستمر عدة ساعات؟ ماذا فعلت الدولة المصرية للاستعداد لتلك المباراة وماذا فعلت لنجدة المصريين؟ وماذا ستفعل الآن لرد اعتبارهم وقد أهينوا؟ نريد محاكمات في الخرطوم وفي الجزائر للمشاغبين المسلحين، ونريد اعتذارا من الشعبين قبل الدولتين، على أن نقوم نحن أيضا بالاعتراف بأننا تجاوزنا الخطوط القويمة حينما أوسعنا الشعب الجزائري بالمهانة قبل مباراتي القاهرة والخرطوم، وليتحمل كل مخطيء مسئوليته.
نعم، نريد تحقيقا شاملا ونريده أن يكون أهليا ورسميا معا وعلى درجة عالية من الشفافية، ونريد للعقلاء هنا وهناك أن يفضحوا الممارسات المنحطة ويدينوها أيا ما كان مصدرها।
(نشر في الدستور الأسبوعي في الخامس والعشرين من نوفمبر)

Sunday, November 22, 2009

محطة جديدة في شارع الوجود

محطة جديدة في شارع الوجود
في الشارع الرئيسي المتفرع دائماً
أي فرع تأخذ.. سوف يأخذك بعيداً
لتعود ثانية لشارع الوجود الرئيسي
ولكن
بعدما تكون قد أخذت جولة مُطولة

(أكون أولا أكون؟)
تلك كانت محطتي السابقة
محطة العمر الذي انتصف
الآن (كيف أكون؟) صار هو السؤال
هل لي في المجال تشكّلٌ آخر؟
هل في يديّ عصا القيادة؟
(هل أستطيعُ؟).. هو السؤال الآن

يأكل الفرد جمعاءه
النجم يأكل الكويكبات الشاردة
والنبيُّ أمةَ الأتباع.. والقيصرُ الحاشية
أنا النجم جئت كي أرث الشاعر الفاشل والمُخرج البطيء والمُلحن السطحيّ
ضفيرة من الحضور و الغياب معاً
مجدولة بمنهتى الإتقان والفوضى المريبة
ما هكذا تُصنع الأشياء في نظري
ولكن
من قال إني مُبصر
لكل ما بين السطور؟

سأسكت الآن كي أركز بصري على جميع التقاطعات المُربكة
لم أعد أملك ترف الفضفضة ولن أحتمل الثمن الباهظ أبداً
إن انحرفت الآن لشارع فرعي
وفقدت نهر طريقي الغامض
في جولة مُطولة

Friday, November 13, 2009

ما هو أجمل ما فيها؟
عيناها تغمضان قبل القبلة
أم شفتاها ترتعشان في رفيف؟
دموعها في لحظة الفرح
أم غناؤها الخجلان والصوت الضعيف؟
أصابع اليدين الناعسة الواثقة
أم كعبها النبيل المحمرّ؟
ما هو أجمل ما فيها يا ترى؟
عنقها المصريُّ القديم
أم صدرها البربريُّ العظيم؟
كتفاها الورديان عليهما علامات شهوتي
أم وقوفها على المشطين كي تطال أعلى المكتبة؟
بطنها الغجريُّ.. ظهرها الهمجيُّ.. معمار ساقيها المراكشيُّ؟
أم دمي الطاهر يدفق ويسيل حد المذبح المقدس؟
أم أجمل ما فيها تراه أنها.. أسئلةٌ كثيرةٌ بيزنطية
بلا إجابةٍ واحدةٍ شافية؟؟

Sunday, November 01, 2009

لهذا سأُقتَل عما قريب

لا يستطيع امتطائي أحد
أنا الفرس البريُّ العنيد المكابر ذو الحاجبين القويين والعينين المحاربتين.. ذو الرفسة القاتلة
أنا الخيل والليل والبيد والمدن السافلة
أنا القلم المستوحد والشعر المتردد والنثر والمقصلة
لا يستطيع امتطائي أحد
ولهذا سأُقتل عما قريب

لا أخاف من الموت.. إنه نعم الخليل الوفي لعمري الطويل-القصير.. نذرته للحب والقتل والتضحية
لا أخاف من الموت.. موتي سيبزغ منه اخضرار المواسم، سوف يغذي احمرار الشفق
سأولد في فم شاعرة مستباحة
وسوف أعيش طويلاً.. لأني عشقت الحياة فمت قتيلا
لا أخاف.. سأحيى.. لأني انغرست بتربة أرضي وولفت على كل طيرٍ.. بذلت دمي، وأيقنت أن القيامة آتيةٌ في الطريق وأن الحياة ستصبح أجمل بعد اجتثاث الطحالب من جذرها

سأولد في كل بيت جديد وسوف أكون حقيقة عمري الذبيح وسوف أغذي الملايين كما نفحتني الحياة وأكثر
أنا لا أخاف الموت فإني قتيلٌ عظيمٌ.. هو الحيُّ من ميِّتي والموت من حيواتي وبعضي لبعضي أنيسٌ ولو كان بعضي لبعضي عدوْ
أنا الذي أشاع في البيداء أنه معلقةٌ وبيانٌ مصفّى وبندقيةٌ آلية
قدري في مقدوري الآن.. أبشر أن الجميع سيحيى.. وأن الجميع أصحاب جلالةٍ وفخامةٍ وسموّْ
فانثروني على مداخل المدينة.. صلوا بالقرب من صنمي.. اذكروا الله فيكم وفيَّ.. خذوني طريقاً ورفيقاً أبديّاً وخير ترضية
أنا الذي مضى فصار أوقع.. صرت الحقيقة في لحظة هامشية
اذكروني طويلا لأني سأعبر فوق رؤوس الجميع لأشرب من جدولي
وألتقط الفول والعدس والقصائد البديعة المحررة
لهذا سأحيى طويلا طويلا
لهذا سأُقتل.. عما قريب

Saturday, October 17, 2009

منال شلبي (ألبيدا) تعرض مشكورة ديواني القادم نبي بلا أتباع قبل طبعه بأيام

خالد الصاوى والنبوة... فى "نبي بلا أتباع"

النبى والنبوة
كيف أجن؟
كى ألمس نبض الكون المختل
هكذا تسأل الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور, وهكذا أعلن الكون مكاناً مختلاً لا يفهمه إلا المختلين... وهكذا أيضاً تنطلق نبوة خالد الصاوى فى ديوانه "نبى بلا أتباع."
فى هذا الديوان يتحول الصاوى إلى نبى... رسالته الحب والجمال والحرية, واَيته الشعر, ومنهجه الجنون, ووحيه وحدته, وزاده الاَمه. والقارىء لأعمال خالد الصاوى السابقة يعرف أن مطالب كالحرية والحب والجمال ليست بجديدة عليه ولا بغريبة على إنتاجه الأدبى, فالطالما كان باحثاً عن الحرية بجميع أشكالها, منقباً عن الحب باختلاف ألوانه, مفتشاً عن الجمال فى كل الأشياء... ما كبر ومنها وما صغر. ومن هذا الديوان تبدأ الرسالة ويبايع الصاوى نفسه نبياً. وتظهر- كالعادة- روح التمرد المجنون طاغية على الديوان, فالشاعر أدرك- كصلاح عبد الصبور- عشوائية واختلال الكون ويظهر ذلك واضحاً فى "قصائد فى فنجان" التى تتمحور حول خداع الحياة وتهاويها... نحن نخدع بعضنا البعض, نخدع مبادئنا, مشاعرنا تخدعنا ونخدعها, حتى أعضائنا تخدعنا. لذلك أتخذ الشاعر من الجنون منهجاً وأسلوباً لمجابهة تلك الحياة المجنونة, فيشذ عن ناموسها ليستقيم أمرها وينبذ مألوفها ليألف غريبها ويضحى بحياته ليحيا ضحاياها.
والمعروف أن لأى نبى أتباع يؤيدونه وينصرونه على من يرفضه, ولكن الشاعر اختار أن يكون وحيداً, وكأن تلك الوحدة هى مصدر قوته. فالصراع هنا ليس صراع بشرى قائم على اختلاف فى القيم أو المبادىء أو العقائد, وأنما هو صراع مع الحياة ككل! لذلك نجد أن الشاعر أحياناً يتجاوز وجوده المادى ليصبح النبى داخل كل إنسان... الضمير الحى وروح الإله داخل كل منا:
أرقد فيكم.. أنهض فيكم..
أعطيكم تجربة الإِحياءِ.. أريكم روح الأشياءِ.. الخلق.. الخالق..
كيف تكون الزهرة فى أيديكم وتراها عين العقلِ..
تُشَمُّ بأنف القلبِ.. تُلَوَّن ثانية فيكم
تتشكل فى واديكم طفلاً.. طيراً.. وجه امرأةٍ..
أعطيكم لون أمانيكم..
ومما يؤكد ذلك هو تحرر النبؤة من حدود الزمان والمكان وقيود الماديات وتنقلها فى فضاءات الماضى والحاضر والمستقبل. فتارة يعود الشاعر إلى الماضى ويستحضر مواقف من التاريخ الفرعونى والجاهلى والإسلامى والمسيحى والرومانى. وتارة يجوب بنا فى أحداث الحاضر أو غيابات المستقبل ليتنبأ بمصير مظلم. واللافت للنظر هنا هو طريقة استعراض الصاوى لمثل تلك المشاهد الزمانية. فهذه المواقف حقيقية (الماضى والحاضر منها بالطبع) وحدثت بالفعل ولكنه يراها من وجهة نظره... وفى كل مرة, يكون هو شخصاً من أشخاص الموقف, يرصد الحقائق بعينيه ويربطها بخيط شفاف- لكن قوى- بواقعه. فهو الشاعر الجاهلى والقس المصرى والإمبراطور الرومانى فى الماضى, وهو المناضل الفلسطينى فى الحاضر, وهو الشاعر المنبوذ فى المستقبل. اجتمعت كل هذه الشخصيات لترسم الملامح اللازمكانية للنبؤة.

حروف وألوان ودم... وأشياء أخرى
يستخدم الصاوى الكثير من العناصر الخارجية (كائنات حية وأشياء جامدة ذات دلالات مختلفة) للتعبير عن مشاعره, واستطاع أن يضفى عليها الحياة ويبث فيها الروح فأصبحت شخصيات لها دور درامى فى مسرح خيال الشاعر. وفى أحيان كثيرة تتماثل تلك العناصر مع شخصية الشاعر فتتخلى عن دلالاتها وتصبح هى الشاعر نفسه مثل الفراء فى قصيدة "مذكرات فراء" والأسد فى قصيدة "الحصار."
"حروف متحركة" هى واحدة من أجمل قصائد الديوان والتى لعبت فيها الحروف دور البطولة. وهنا يظهر إبداع الصاوى وقدرته على توظيف أبسط الأشياء فى قصائده وتحويلها إلى عناصر مؤثرة نابضة بالحياة. ففى تلك القصيدة تحولت الحروف من مجرد حروف مبنى إلى حروف معنى ... فأصبح كل حرف يعبر عن كينونة مستقلة بذاتها وحالة شعورية مختلفة بتتمثل فى صوت هذا الحرف وتأثيره على الشاعر, تماماً مثل الألوان فى قصيدة "دائرة الألوان" حيث يعبر كل لون عن حالة نفسية بتداعياتها الشعورية.
وقد يلاحظ القارىء كثرة استخدام الصاوى للدم كعنصر أساسي وبطل رئيسى فى هذا الديوان حيث تتعدد صوره وتختلف دلالاته, فالدم بلونه الأحمر هو الموت والحياة والحرب والانتقام والخلاص والعذرية والحب. كما أنه أفرد له قصيدة اسماها "قانون الدم"... فقانون الدم هو قانون الحياة... الدنيا من الميلاد إلى الموت, وما بينهما من حب وصراع ونصر وهزيمة وأمل ويأس.
ومن الجدير بالذكر أن القصائد المكتوبة فى قسم "حفريات" قد ألفها الشاعر وهو دون العشرين عاماً, مما يدل على موهبة مبكرة وخيال فذ.

النبى يحب
أجمل ما فى نبوة الصاوى أن الحب جزء لا يتجزأ منها. فالشاعر يربط الحب بكل شىْ... بأكثر لحظاته سعادة, وأكثرها حزناً.. بالسلم والحرب.. بالنصر والهزيمة.. بالحياة ككل! وكثيراً ما يختلط وصفه للحياة بوصفه للمرأة... فالمرأة هى تلك الغاوية الجميلة المتقلبة... تماماً كالحياة:
فرجعت لأكتبَ قصتَها البنتِ السيدةِ الحالمةِ النعسانة
الابنةِ والأختِ.. الزهرةِ والقاتلةِ الفتَّانة
النطفةِ والقيثارةِ والثرثارةِ والنشوى النشوانة
القبلةِ والتفاحةِ واللدغةِ والطعنةِ والزنزانة
وتتكرر تلك الصورة فى الديوان, ويصبح الشاعر هو الرجل الفانى الذى يريد أن يغرز نطفته فى الحياة قبل أن يموت.
أما عن الصور الجنسية المستخدمة فهى ذات طابع أسطورى بدائى يحمل القارىء على اكتشاف سحر الغريزة الأولى وغموض بدء الخليقة, وتتشابك خطوط تلك الصور راسمة لوحة أبدية لاَدم وحواء.

التطهر من النبوة!
يأتى الجزء الأخير للديوان- "تطهر"- بشكل مفاجىء وصادم للقارىء بما يحمله من مشاعر يأس طاغية. فبعد أن شارك القارىء الشاعر فى نبوته منذ بدايتها وما مر به من تمرد هادف وغضب نبيل ولحظات من الشك واليقين, يفاجأ بإعصار من اليأس المدمر المحموم, بجانب السخرية والتهكم والخلط المتعمد للمفاهيم, ويعلن الصاوى فى "نشيد الختام":
كنت نبياً.. دون رسالة
دون وصايـا..
كنت نبياً.. ثم فقدتُ كتــاب الدينْ!
وكأن تلك النبوة قد أجهضت وهى فى رحم الفكرة وحكم عليها بالبطلان قبل بدايتها. كما أن اختيار اسم "تطهر" لاَخر مجموعة من قصائد الديوان تجعل النبؤة وكأنها أكذوبة وخداع ووهم يريد الشاعر أن يتطهر منه!.... تلك النهاية تترك القارىء مثقلاً بالهموم واليأس, وتقضى على ما حملته القصائد الأخرى من إقدام وعزم.

دراما وتنوع
من أساليب الصاوى المميزة هو خلطه للخيالى بالواقعى. وهذا الخلط فى "نبى بلا أتباع" أضاف حيوية على النصوص بسبب الجمع بين العناصر الزمانية والمكانية والشخوصية المتابينة فى موضع واحد, فأضاف على القصائد عنصرى المفاجأة والدهشة. وضاعف من هذا الأثر الدرامى استخدام الجمل الحوارية على لسان الشاعر أو الشخصيات مما يعطى المواقف طابعاً مسرحياً جذاباً. وتلعب ذات الشاعر دوراً مهماً فى الديوان, فأوقاتاً يتحدث الشاعر عن نفسه بضمير المتكلم- وأن أخفى هويتها- وأوقاتاً أخرى يتحادث معها بضمير المخاطب- خاصة حين يحثها على التمرد ونفض الذل وعدم الخضوع- ويدخل فى حوار ملتهب معها.
يلاحظ القارىء أيضاً كثرة الجمل الإعتراضية. والجمل الإعتراضية جاءت لتعبر عن التداعى الفكرى للشاعر مما أضفى على القصائد نوعاً من المصارحة والتلقائية والمصداقية, ولكن أحياناً أخرى كان الهدف منها الإمعان فى الوصف الذى طغى على جمال الجملة الشعرية.
اختيار الصاوى للغة كان موفقاً للغاية, حيث إنه استخدم لغة لدنة تتشكل حسب مضمون القصيدة وهويتها. فكما سلف الذكر يحتوى الديوان على قصائد عديدة تجوب فضاءات مواقف من الماضى والمستقبل والحاضر وتعرض ألواناً مختلفة من المشاعر, فمثلاً نجد بعض القصائد تحمل طابع الشعر الجاهلى, وأخرى تحمل الطابع القراَنى وأخرى الطابع الإنجيلى وهكذا. هذا بجانب الإحالة إلى سور من القراّن الكريم وأبيات من الشعر العربى القديم- لأبى فراس الحمدانى وامرىء القيس على سبيل المثال- كما تنوعت أشكال القصائد أيضاً بين عمودى وتفعيلى ونثرى لنفس السبب السابق.

ختام
وسواء نجحت النبوة أم بأت بالفشل, وسواء لاقى النبى حتفه شهيداً أم رجيماً... يظل ديوان "نبى بلا أتباع" خبرة شعورية وشعرية تستحق التقدير والاهتمام, وتضع خالد الصاوى فى مصاف الشعراء المبدعين.

منال شلبي
12\10\2009

Monday, October 12, 2009

أريد أن تكون حياتي
مهرجاناً مسرحياً لا ينتهي
وأن تكون مذكراتي
فيلماً سينمائياً مستمرَّا
وكلماتي.. ملحمةً لا حدود لها
وتأملاتي.. كرنفالاً للحياة

أريد أن أكون في كلِّ لحظة مندمجاً
أخرج من شخص لأصبح شخصاً آخر
تتلبسني العفاريت والحالات النفسية
أستحضر في بدني العصور والأماكن
أريد أن يردد الجميع سخريتي المريرة
وأن يدمع الجميعُ أيضاً
لدموعي الدافئة

أريد أن أصبح شيئاً ما.. دُخاناً.. أو رمالا
موجاً ربما.. أو شجراً نيليَّاً.. أو غيماً كثيفا
أريد أن أصبح هوجة إعصار حاسمة
زلزالاً مدمراً.. أو شتاءً مخيفا
أريد أن أصبح نسمةً فى المساء
وطيراً يَمُرُّ أمام القمر

أريد أن أًصبح خالداً.. لا أنتهي
فوق المكان وفوق كل زمان
أريد أن أمر فى الكون مسرعا
كحزمة من أشعةِ ليزر

نعم أنا أريد أن أناطح الفناء
أريد أن أبتلع الكون كله مرة واحدة
وأوجد في وجودٍ جديدٍ.. ممتليء

Monday, October 05, 2009

وعود راحلة

أعرف جيداً هذه الأشياءَ كلَّها..
أعرف كيف يهرب الإنسان من مشاعره
كيف يودع بلداً فاتراً وعلاقةً عابرة
كيف يهرب من قبلةٍ أخيرة فى المطارِ
وكيف يقول وعوداً
يشكُّ فيها كثيرا

جميلةٌ أنتِ.. وأيضاً..كاذبة
وأنا مثلكِ.. جذَّابٌ وكذَّابٌ كبير
والتقى الكِذْبانِ لكن.. فى لحظةٍ صادقة
كلانا كان يحتاج الآخر.. صدقيني
الكذب وحده يا صغيرتي
لم نكن نحتاجُ

في المقعد المجاور في الطائرة
رأيتكِ تذبحينَ العلاقة للأبد
أنتِ التي صرخت في فصل البداية
تريدين احتضاني في فضاء البادية
وسط البدائيين الطامعين فيكِ
أنتِ بنفسك من زجرتني فى الطائرة
"الناس حولنا"
فهل أنتِ نفسكِ؟؟
أم لا أنت أنتِ
ولا الكلام كلامُ؟!

عندما تركتِني ورحلتِ
سمعتُ اسمكِ في مُكَبِّر المطار
قفزتُ وقلبي متسائلَيْنِ
ورحت أمسح الصالاتِ بحثاً
كأبٍ ريفيٍّ في مولد السيدة
ضاع منه وليدُهُ المريض

صوتكِ في الهاتفِ كانَ لامعاً نقيَّا
انتصرَ الجبنُ، وآثرتِ السَّلامة
تَخْشَيْنَ حباً بعيداً ورجلاً أجنبيَّا
والحواجز التي بايعتني عليها
أوقَفَت الحبَّ للتفتيش الشخصيّ
وانتهى الكلامُ في مكالمةٍ هزيلة

أعرف أنك قلتِ لي: "لا تغضبْ"
لكنني غضبت يا فتاتي اللعوب
حين قالت أختك إنكِ في الشام
كنت أقبعُ في رحاب الهاتف
مثل كلب منْزِليٍّ يشتاق لِسَيِّدِهْ
وقبلها.. في البار حين جاءك هاتف
و صرتِ تتكلمين بتكتمٍ مفضوح
نعم صديقتي.. أعرف هذه الأشياء
فعلتها كثيراً قبل أن تُفْعَلَ بي!
وأنا الآن حزينٌ لأنني أحببت
ولأنني أعرف أكثر مما تتخيلين

الذي أحببته فيكِ.. لن يراه رجلٌ آخرْ
أحببت فيك الذي لم تعرفيه بنفسك
كنت أستطيع أن أعطيكِ المزيج النادر
وأن أكون من تبحثين عنه منذ خلقتِ
(أباكِ الذي هجر البيت قبل مولدِكْ!)
وأن أكون من يقاتل فيكِ البدو والحضرْ
وأن أركب في سبيلك البحر والجبال والخطرْ
لكنني يا ملاكي المرهق الحائرْ
لا أستطيع أن أكون الرجل الآخرْ
لا أستطيع إلا ان أكون.. آخر الرجال

نستطيع الآن أن نكون أصدقاء كما أردت
لا أستطيع منعك من الرجال والمال والسفر
ولا تستطيعين أنت بالتأكيد مطلقاً
أن تمنعي عني الدموع

المرأة التى جاءت إليَّ لأنساكِ فيها
رحلت غاضبة!
لم يعد لي الآن إلا دميةٌ صغيرةٌ جميلةٌ دافئة
تنام فى أحضاني
واسمها رولا

Thursday, October 01, 2009

ديوان أجراس من عيون صديقتنا الناقدة الشابة منال شلبي-ألبيدا

عندما يعلو صليل الأجراس على الكلمات:
قراءة نقدية ل(أجراس) خالد الصاوى


لكل منا أجراس فى حياته... أحداث عايشناها وشخصيات قابلناها وكلمات سمعناها استطاعت دون عن غيرها أن تقرع جرساً فى وجداننا لتنبهنا لحقيقة ما أو لتوقظ فينا إحساساً جديداً. فى ديوان (أجراس) لخالد الصاوى تمثل كل قصيدة جرساً فى حياته, حالة شعورية أو نفسية قد مر بها... لحظات من الحب والكره, الأمل واليأس, الفرحة والحزن, الحلم والغضب. لذلك يشعر القارىء بأن الديوان هو أقرب للسيرة الذاتية النفسية للشاعر والتى يسجل فيها مشاعره الأكثر حميمية وتقلباتها على مدار ما يقرب من العشرين عاماً. والإقدام على مثل هذا العمل هو شجاعة كبيرة من الشاعر, حيث استطاع أن ينفض عن نفسه جميع الأغطية والعوازل المجتمعية وغيرها ليعرض مكنونات نفسه عارية أمام الناس جميعاً, ويعترف الصاوى بذلك من البداية حيث يقول فى أول قصائد الديوان:
المشخصاتى الواقف الاَن على الخشبة
يبحث فى أنحائه عن ملامح الشخصية المفضوحة
وحينما يعيش فى حياته الجديدة المزيفة
يفقد نفسه الأولى..
ويبات فى الفراغ
وكما يقول الناقد والروائى الكويتى طالب الرفاعى عن هذا النوع من الكتابات أنها " تقوم أساساً على بوح جرىء, يعترف الكاتب من خلاله بأدق تفاصيل خلجات نفسه ومشاعره وعواطفه, وهو بالتالى, أى الكاتب, يقدم على تعرٍ شخصى محفوف بالمهالك." (تجارب فى الإبداع العربى, الصادر عن وزارة الإعلام الكويتية ومجلة العربى يوليو 2009, ص216) فمن الصعب على أى إنسان أن يكشف الغطاء عن أفكاره ومشاعره بهذا الشكل تاركاً نفسه وحيداً, دون أسرار يسكن إليها وخبايا تؤنس وحدته.

وبالرغم من تعدد الحالات الشعورية والنفسية التى تعبر عنها قصائد الديوان, يسيطر عليها جميعاً نوعاً من الخوف المزمن من المرور السريع للزمن. لا يخاف الشاعر من تقدمه فى العمر, على العكس, فهو يرحب به بكل شجاعة, وأنما خوفه الأكبر هو أن ما فاته من عمره قد ضاع هدراً دون هدف أو معنى:
عشرين عاماً حائر أنا
مبددة طاقتى.. كاشتعال بئر فى الخليج
مبعثرة أحلامى كالكلمات المتقاطعة
مشتت الذهن كمخبول بلا بيت
ومن هنا يتحول هذا الخوف من التبدد إلى نوع من التمرد الدائم والصراع مع الحياة من أجل أن يحقق الشاعر ذاته ويخلدها. ولا أعنى هنا الخلود بمعناه الذاتى النرجسى, وأنما الخلود الذى يشوبه الإنتحارية والتبشيرية. فالشاعر على أتم استعداد أن يخسر حياته بشرط أن يكون لها معنى, أن تضيف شيئاً للاَخرين, أن تغير الكون. ولذلك يتلون تمرده على الحياة بالطابع التبشيرى الجرىء الذى يتخذ من الموت صديقاً ومن الإرادة سلاحاً, فيقول الصاوى:
أيها الموت تقدم... أنا لا أخشى ظلامك

وهذا الصراع يقودنا بشكل تلقائى إلى علاقة الشاعر مع الحياة نفسها, والتى يبدو وكأنه فى صراع أبدى معها, وإن تخللت هذه المعركة لحظات قصيرة من السلام المخادع. فالشاعر, كأى طفل, اَمن بجمال الحياة ومثاليتها فى صغره, ولكن مع تقدمه فى العمر بدأت فى خلع أقنعتها وتبدى له وجهها القبيح اللامبالى, ومن هنا تبدأ معركة الشاعر مع الحياة. يكثر تصويرالصاوى لهذا الصراع فى ديوانه, فتارة يشن عليها حرباً كلامية فيصفها بأقذع الصفات ويخلع عليها أشنع التشبيهات, وتارة أخرى يتخذ شكلاً مادياً ملموساً فى صورة معارك وحروب وأسلحة وجنود, ووسط هذا الضجيج القتالى الملحمى, يظهر لنا أمل الشاعر الراسخ فى تبديل تلك الحياة "الاَنية" القاسية بالحياة الاَخرى "اليوتوبية" والتى رسم ملامحها واضحة فى خياله, تلك الحياة التى يعيش فى رحابها ويستنشق عبيرها كلما خلا إلى نفسه, وأصبحت هى الحلم الذى يطارده ليفرض نفسه على الواقع المهترىء:
النهوض الذى أحلم الاَن به..
كون يزيح كوناً طائشاً بلا هدى
فتصبح غايته الأسمى ورحلته الأبدية هى تحويل هذا الكون الخيالى إلى واقع حتى وإن خسر فى الطريق حياته. ولعل أكثر المشاعر التى يمر بها الشاعر إيلاماً ليس إحساسه بتهاوى العالم الاَنى أو الواقعى من حوله, وأنما عندما يستشعر زيف الحياة اليوتوبية بداخله وعقم محاولاته فى تحقيقها! هنا فقط يتملكه اليأس القاتل ويتحول وجوده الإنسانى إلى لعنة تطارده.

وإذ كانت علاقة الشاعر بالحياة هى أحد المحاور الرئيسية للديوان, فإن علاقته بالمرأة تفرض نفسها على الديوان أيضاً. ويستشعر القارىء أن الحياة والمرأة لدى الشاعر هما وجهان لعملة واحدة. فالأصل فى العلاقة هو الصراع, ولكن كما تختلف الأيام فى الحياة, فمنها الباعث على السعادة ومنها الباعث على اليأس والحزن, تختلف أوجه المرأة أيضاً. فهناك الأنوثة والحنان والجمال, وهناك الغش والخداع والتقلب, ولكن تظل المرأة واحدة:
ليست لدى مع النساء ذاكرة
التى أحببتها من ألف عام تشبه الحالية
نفس الأنوثة..
نفس الإجرام..
نفس السطحية!
ولا يعنى هذا مطلقاً أن الشاعر كاره للنساء أو عدو لهن, على العكس تماماً, فهو ينظر للمرأة كرمز للجمال المطلق والأنوثة الكاملة والحنان الأبدى, كما أن قصائد الحب فى الديوان ترسم أسمى أنواع العشق وتلونها بمشاعر صادقة. ولكن المشكلة هى أن الشاعر يتعامل مع المرأة بنفس المنطق الذى يتعامل به مع الحياة, فهو يحبها لدرجة أنه يكره أن يرى بها أى شائبة أو عيب, لذلك هو دائماً فى إنتظار تلك المرأة المثالية التى طالما رسمها فى خياله والتى تختلف عن جميع النساء الاَنيات, وسيظل يبحث عنها للأبد إلى أن يجدها ويحولها إلى واقع, وتظهر هذه الصورة واضحة فى قصيدة (مؤكد هناك من).

ومن العلاقات التى صورها الديوان بصورة رائعة أيضاً هى علاقة الشاعر بموهبته عامة, وشعره خاصة. فلدى الشاعر, ككل الكتاب والفنانين, ذلك الشعور الدائم بالنقص وعدم امتلاك الموهبة الكافية, وأنه لا يجيد الأشياء الوحيدة التى يجيدها:
من الواضح أن المجد لم يتعرف على
من الجلى أننى أسير بنصف موهبة
وأن ما تحتويه القواميس والمعاجم من كلمات لا يكفى للتعبير عما يختلج فى نفسه, وكما يقول جلال الدين الرومى فالشعراء دائماً ما يحاولون الوصول إلى الناحية الأخرى من الكلام. كما أن علاقة الصاوى بشعره هى دائماً مضطربة. فهى مثل علاقة الرجل بعشيقته, تلك العلاقة التى يملؤها الإثارة والعشق والمغامرة, ولكن فى نفس الوقت تنطوى على الشك والكره والخوف. فهو فى حاجة دائمة إلى تلك المعشوقة ولكنه أحياناً يكره إحتياجه إليها ويخاف من هجرها إياه. تلك العلاقة المعقدة تتضح أكثر عندما يعلن الشاعر أن الشعر ليس غايته:
الشعر ليس غايتى..
أنت أيها البعيد.. بغيتى الوحيدة
فأصبح الشعر أداة أو وسيلة أساسية للوصول إلى غاية الشاعر. قد تكون تلك الغاية هى الحياة اليوتوبية أو الحب المثالى أو الخلود, ولكن يظل الشعر هو الخيط المؤدى لتلك الغاية, والمؤنس الوحيد فى تلك الرحلة.
وقبل التوجه إلى عرض السمات والخصائص الأسلوبية للديوان, يجب التأكيد على أن ما تم استنتاجه من أفكار سابقة لا يجب النظر إليها بشكل مطلق لإنها قد تكون لحظية أو لا. ويرجع ذلك إلى طبيعة النصوص الشعرية فى الديوان, فهى, كما سبق الذكر, تعبر عن مراحل وحالات شعورية مر بها الكاتب على مدار عشرين عاماً, فمن الممكن أن تكون أصوات بعض هذه الأجراس قد خفت فى نفس الشاعر, بينما ظل صدى البعض الاًخر مسموعاً حتى الاَن.

الخيال دون واقع سراب, والواقع دون خيال كابوس. استطاع الديوان أن يحمل القارىء فى رحلة تتلاطم فيها أمواج الواقع والخيال معاً. ففى بعض الأحيان يأخذ الصاوى القارىء فى رحلة بديعة فى عوالم أسطورية حيث الملوك والجوارى والعطور الماجوسية, ويخدره بالصور والتشبيهات الحالمة, وفى أحيان أخرى يغمسه فى تراب الواقع ويذكره بإختناق المحور والدائرى وكارثة تسونامى ومشكلة عمال النسيج فى المحلة ونهب اَبار البترول فى الخليج. وهذه الإحالات على المشاكل المعاصرة فى عالمنا توضح أن هموم الشاعر ليست شخصية فقط وأنما وطنية وإقليمية ودولية أيضاً. وبيعداً عن أمواج الواقع والخيال, يظهر فى أكثر من موضع استخدام الشاعر للأساليب والإيحاءات الدينية عامة والقراَنية خاصة. ويرجع ذلك كما أشرت سابقاً إلى طبيعة روح الكاتب الثورية التبشيرية. ففى تمرده على الحياة الاَنية المتهالكة الفاسدة, يرى نفسه كنبى يحمل رسالة سامية ويبشر بكون أفضل.

أما عن الصور والتشبيهات المستخدمة فى القصائد فجميعها جديدة وغريبة تعكس روح الشاعر المتمردة الرافضة لكل ما هو مألوف. فنجده مثلاً يصف الحياة "بتلك الولود الحبلى بالثورة" وعذرية المحبوبة ب "المملة القاحلة" وسنواته الماضية بأنها كانت "سندبادية مزركشة." كما يظهر التناقض فى نوعية الصور المستخدمة فبعضها فج قاس كتشبيهه لقلبه ب "الكلب" وللحياة ب "العاهرة الرخيصة," والبعض الاًخر رقيق وحالم كوصفه لمحبوبته ب "الوردة الزرقاء السماوية." وعلى الرغم مما يسبه هذا التناقض من ارتباك وتشتيت, فأنه يمتد ويقسم الصور والتشبيهات ما بين الحسى والخيالى بهدف التعبير عن العالمين اللذين يعيش بينهما الشاعر كما سلف الذكر. وتحتوى قصائد الديوان على الكثير من الموسيقى- مع أنها ليست من السمات المميزة لقصيدة النثر- التى تنبعث ليس فقط من السجع فى بعض السطور الشعرية وأنما هى موسيقى داخلية خفية تظهر نتيجة لانسياب المشاعر الصادقة.

يعتبر ظهور الشعر الحر تمرداً على الشعر القديم الموزون, وقد جاء ديوان (أجراس) محتوياً على قصائد شعر حرة (قصائد النثر فى الأغلب والقليل جداً من شعر التفعيلة) مما يظهر تمرد الشاعر وثوريته. وعلى الرغم من ذلك نجد أن قصيدة (عشر جوارِ وأميرهم) جاءت بالشكل الموزون التقليدى, وهى أيضاً مختلفة من ناحية اللغة والصور والرمزية عن باقى قصائد الديوان, مما جعلها تشكل تمرداً على التمرد!

من يطالع الديوان لأول مرة يعتقد أن ترتيب القصائد فى الديوان عشوائى وينقصه النظام. ولكن هذه العشوائية- فى رأيى- تعكس ناحية جمالية. فقد اتخذ الديوان من الفوضى نظاماً, تماماً كالحياة التى وصفها الصاوى ب "سيمفونية الفوضى المنسقة." فليس هناك منهجاً محدداً تسير عليه الحياة, فليس بالضرورة أن يأتى بعد الخوف أمان أو بعد الحزن فرح أو بعد المقاومة استسلام. لذلك أراد الشاعر أن يجعل القارىء يمر بالتجربة الحياتية كما هى دون تجميل أو تشذيب.

خلاصة القول هى أن خالد الصاوى تمكن فى (أجراس) أن يمزج بين موهبته وواقعه وتجربته الذاتية, حيث أن العمل الفنى "تتعاظم قيمته حين يرتبط بالتجربة الخاصة بالمبدع, تلك التى تتيح له القدرة المضاعفة فى تميز إبداعه." (د. محمود إسماعيل, مجلة أدب ونقد الصادرة عن حزب التجمع, العدد 228, أغسطس 2009, ص18), أى أنه لم يقدم إبداعاً فقط ولكن إبداعاً متميزاً. فبعد أن ينتهى القارىء من الديوان لن تعلق فى ذهنه الكلمات والصور وما إلى ذلك وأنما ستلتصق بوجدانه أحاسيس الشاعر لفترة, تلك الأحاسيس الصادقة القوية التى طغت على الكلمات وحولت القصائد إلى مشاعر منطوقة.

منال شلبى
22\9\2009

Monday, September 07, 2009

سِفْرُ النُّبـُوَّة.. من ديوان نبي بلا أتباع


مباشرٌ أنا.. كَكُلِّ الأنبياءْ
مُبَشِّرٌ بثورةٍ كبيرة
ستأكل الحدودَ والذخيرة
وتزرعُ فى الوليد الكبرياءْ
ـ ـ ـ
مؤمنٌ أنا.. كَكُلِّ الأنبياءْ

بصوته المـُوَحِّدِ الذى يسيل فى دمي
بصوته الذى يجيء من فمي
فمي دمي.. ورَبـِّيَ النداء ْ
ـ ـ ـ
الناس فى الجريمةِ انتهَوْا
والأرض أُثْقِلَتْ بالظلمَ والشجنْ
مدينةٌ حقيرةٌ.. وقريةٌ عفنْ
وإخوة الإنسان شُوِّهوا.. فما انتهَوْا
ـ ـ ـ
لا أستطيع الشعر كالذي

يلتذُّ أن يغرد اليمامْ
أحبذ الصراخ.. أحتذي

هلاوس المساق للإعدامْ
ـ ـ،ـ
مباشرٌ أنا.. مُبَشِّرٌ.. نذيرْ
واضحٌ وضوح ما يدورْ
تجيءُ صفحةٌ من الدم المراقْ
نحب أو نخاف سوف تحمرُّ الحياةُ فى الأحداقْ
يصير الشعر كِذْباً لا يذاقْ
يصير الحب حِمْلاً لا يُطاقْ
تشبع الأرض انتهاكا واختراقْ
تجيء صفحةٌ وتُطوى.. ويكتب الإنسان بعدها.. قصيدة القصائدِ
غزليةً خمريةً مباشرة:
الله للجمال.. والجمالُ كعبةٌ ومنتهى للعابدِ
والله فى البعيد لا يُرى
إلا إذا ركبنا الشعر والمخاطرة

ـ ـ ـ
العالم الذى يفوح من بعيدْ
وفرحة الوليد بالحياة
حرارة الأجسام وهى تأكل الحديدْ
وعودة الوجود للإله
ـ ـ ـ
تجيء صفحةٌ بيضاءُ بعدها
يجادل الموتُ الحياةَ عندها
وتُخْلَقُ الأيامُ والشهورُ والسنينْ
وتحمل الصبايا وِلْدَها
ويُخْلَطُ الأنين بالحنينْ
وتولد الحياةُ.. تزهر الأرحامْ
وتقطف الحياة زهرها الحزينْ
ـ ـ ـ
الموتُ والحياةُ والمحبة
وجوهيَ الثلاثةُ المؤبدة
أعيش فى الجميع -والجميع غربة-
خلودَنا الثوريَّ فى الردى
ـ ـ ـ
مباشرٌ أنا ككلِّ الأنبياءْ
ومُلْكي لست أدعيه فى السماءْ
يعيش من يحب أن يحب الله..
يعيش فى حقول اللهِ يزرع الحياة
فيحصد الحياة فى سماحْ
مباشرٌ أنا.. مبشرٌ بأبسط الأشياءْ
بعالم أخٍ
وبسمة ارتياحْ

Sunday, September 06, 2009

اليوم الذكرى الرابعة لكارثة بني سويف

"تمر هذه الأيام الذكرى الرابعة لمحرقة بني سويف، وكي لا ننسى أحباءنا أعيد نشر ما سبق ونشرته وقتها.. تغمدهم الله برحمته الواسعة في هذه الأيام المباركة"

محرقة المبدعين
لا أريد أن أبكي رفاق الطريق الذين سقطوا في محرقة بني سويف، لا أريد أن أنعي شباب المبدعين ولا فناني الأقاليم المظاليم، لا أريد رثاء تيار المسرح الحر الذي فقد بعض أهم رموزه ولا حركة النقد المسرحية الحديثة التي قدمت أكثر من شهيد.. لست حزينا ولكني غاضب، ولهذا لن أبكي بل سأحدد العدو القاتل وسوف أوجه اليه ما في خزنة رشاشي من طلقات.
بداية أنا لا أفرق بين من ماتوا في محرقة بني سويف ومن ماتوا في حريق قطار الصعيد من قبل، كلهم بشر لا ذنب لهم في هذه الدولة المنحطة الا الفقر.
لو كانوا أغنياء لتمتعوا بامتيازات الدرجة الأولى سواء في القطار أو في المسرح، ولكنهم فقراء ولهذا احترقوا وماتوا وهم يتعذبون، لم تؤمّن حياتهم ولم تسعفهم المطافيء ولا الاسعاف ولم تحن عليهم الأدوية والمراهم لأنهم فقراء، تراكمت المهازل المأساوية عليهم لأنهم لا سند لهم، واليكم الحكاية:
عرض مسرحي فقير في قاعة الفنون التشكيلية بقصر ثقافة بني سويف، الجميع فقراء، شباب فرقة الفيوم الذين يقدمون العرض في مهرجان نوادي المسرح، أعضاء لجنة التحكيم القاهريون، طلاب الفنون وفنانو الأقاليم القادمون لمتابعة عرض جاد مأخوذ عن نص قصة حديقة الحيوان لادوارد البي، أهالي بني سويف، موظفو القصر.. الجميع يشتركون في سمتين اثنتين: الفقر، ومحبة الابداع الزاهد في الربح.
شمعة تسقط فيحترق المكان كله، وبسبب الغياب شبه الكلي للدولة في الأقاليم –الا من الأمن المركزي طبعا- فقد لقي البشر موتا أقل من موت البهائم، ولم لا وهم –ونحن منهم- نعيش معيشة البهائم وأقل.
المهرجان "تحت رعاية" رئيس هيئة قصور الثقافة ومحافظ بني سويف، ومع ذلك فلا رعاية من أي نوع، أموال الدولة تتدفق على كبار موظفي هذه الهيئة –كالعادة- بينما مبدعوها يعيشون على الفتات، أرواح البشر مهدرة بسبب عقود من الفساد والاهمال والتمييز الطبقي السافر، ولهذا فقد سقطت الشمعة على بنزين الدولة الظالمة فاحترق الجميع.
لا طفايات، كابل التكييف عار، أنبوبة بوتاجاز، عربة اطفاء بعد 45 دقيقة بلا ماء! ثم عربة أخرى بعدها بعشر دقائق يأمر ضابطها جندي الاستكشاف بدخول المحرقة دون وجود مساعد له فيدخل ليحترق، عربتا اسعاف بعد 50 دقيقة تسعان 4 مصابين فقط وعلى الأرض حوالي 70 جثة بين محترق ميت ومحترق يحتضر، كيس واحد تتم فيه تعبئة الجثة لتلقى على أرضية السيارة ثم يعود الكيس الفارغ للتعبئة! محترقون يذهبون للمستشفى العام بالميكروباص! المستشفى فيه طبيبان أحدهما طبيب أسنان، لا مراهم تكفي، مشرحة ليس بها ثلاجة، فتيات محترقات لم يلمسهن أحد لأسباب غير مفهومة، شجار على من سيفتح خزينة الدواء المخدر متحملا المسئولية، الأهالي يشكون فيضربهم الأمن المركزي الذي يحاصر المستشفى (يومين قبل انتخابات الرئاسة)، فجأة الملاءات النظيفة تظهر والدواء كذلك، المحترقون ينقلون لمكان أنظف قليلا.. ما السر؟؟ آه .. انه وزير الصحة بصحبته الموكب الشهير! أحد الأهالي يستصرخه: لا دواء بالداخل ولا رعاية، الوزير يزجره: أنت كاذب! المحترقون ينتقلون للقاهرة ليجرعوا كأسا مريرة أخرى، أهالي يستلمون جثة خطأ!.. الى آخره من عبث أسود لا معنى له الا أنه ليس هذا وطنا للفقير.
ولنتأمل الأمر من زاوية عكسية.. شمعة تسقط في قاعة مشمولة برعاية الدولة بحق ترتادها الطبقة الحاكمة وكبار المستثمرين، أولا سيطلع للمخرج الشاب مسئول الأمن ليمنعه من استخدامها الا بعد التأكد من اشتراطات الأمان، صفارة الحريق جاهزة (غالبا)، الطفايات ملأى وجاهزة (غالبا)، المطافيء والاسعاف على تليفون، واذا حدث أن وقعت مأساة عاجلة -وهو شيء ممكن جدا حتى في هذه الأوساط لما وصلت اليه دولتنا المنحطة من انهيار كلي- فسوف تتم معالجة الأمر في المستشفى المتميز وبدواء متميز وبقرار سفر عاجل، الميتون والمصابون سيستحقون المعاش الاستثنائي والتعويض السريع والقيّم، النجوم سيضعون النظارات السوداء وسيبكون أمام الكاميرات في المستشفى، وقد يصل الأمر الى اقالة وزير، وبالتأكيد سوف نلمح طابورا من الشخصيات المرموقة يبكي ويواسي ويعد بتجاوز احتمالات مثل هذه الكارثة مستقبلا.
لقد اندلعت شرارة الغضب في أوساط الفنانين المظلومين من هذا النظام ككل، فهبت حركة كتاب وأدباء وفنانون من أجل التغيير ثائرة وتكونت حركة 5 سبتمبر للمطالبة معها بمحاكمة المسئولين والتعويض الكريم لأهالي الضحايا، وقفات احتجاجية متكررة، وزير الثقافة يناور باستقالة يرفضها رئيس الجمهورية بعد أن وقع المئات من مثقفي السلطة عريضة الدفاع عن الوزير، النقابات الفنية تغط في نوم متواطيء، الانتهازيون يصنعون من موت وعذاب رفاقنا سبوبة مستقبلية ميممين وجوههم صوب الدعم الأجنبي لمؤسسات المجتمع المدني، اهانة للأهالي على أيدي المسئولين، استيعاب غضبة طلاب الأكاديمية بواسطة جنرالات الثقافة، الايقاع بين الجميع حفاظا على الكراسي.
ماذا نفعل الآن؟ لماذا لا يجيبوننا الى أبسط المطالب وهو معاملتهم كشهداء ومصابي حرب قانونا؟ لماذا لا يحاكمون كبار المسئولين؟ لماذا يحفرون قبورنا بدم بارد؟ لماذا يهينوننا؟
ليس للفقير وطن.. ليس للفقير حرمة في عيشه ومماته، ليس له كرامة ولا أمان، ولهذا ليس للفقير الآن الا الثورة.
خالد الصاوي
سبتمبر 2005

Saturday, September 05, 2009

استطاعه


يستطيع الناسُ أن يكتبوا الشعر طالما..
يستطيعون أن يحلموا
وأن يمنحوا الأشياء أسماء جديدة
ويبتكروا الأكاذيب البريئة من كل سلعة

يستطيع الناسُ أن يكتبوا الشعر كلُّهُمْ..
طالما أنَّهُمْ..
يحبون مثلي القمرْ
ويحترمون الجبال الشواهق مثلي
ومثلي يريدون أن يخلدوا

يستطيع الجميعُ اكتشافَ المجراتِ في صفحةٍ هامشية
وسبر الفضاء المُعَظَّمِ بين القوافي
وخوض الكهوف السحيقة في فاصلة
طالما يستطيعون أن يعشقوا..
وأن يحزنوا.. وأن يخطئوا
طالما يضمرون الشرورْ
ويقترفون المُحَرَّمَ بين السطورْ
طالما يندمون ويستغفرون..
ويُنْتَهَكون بفقرٍ وضيعٍ..
وينتظرون العملْ

مالذى يمنع الناس أن يكتبوا
غير خشيتهم من جنون الحروفِ..
ومن كهنوت الكتابة؟

Monday, August 31, 2009

سعادتي.. عيونُها
تُلَخِّصُ التاريخَ في ابتسامةٍ مفاجئة
تدغدغُ الرجولةَ الجريحةَ في مسامي
كما أدغدغُ اللفافةَ النشوى بحفِّ المطفأة

سعادتي.. ظهورُها
فأستعد بالقيام مثل موجةٍ تغادر السكونْ
أكون في حضورها اندفاعة الحياةِ فوق صفحة المياه
يُكَوَّرُ الفؤادُ عند يابسِ المصافحة
أفيض بالرجولة البَرِّيَّة
ويستريح فى العيون نورسٌ مشردٌ
وتستقرُ الأجنحة

سعادتي اكتشافُها
كأنها جزيرةٌ مجهولةٌ مليئةٌ بالليل والأشباح والأصداف والجياد الطائرة
كأنها الشعاب والفجاج والأشجارُ والبحار الغادرة
كأنها أطياف ما وراء كل ما أرى
كأنها انشقاق لحظة فريدة عن حائط الزمن
تثبت الحواس كلها على بوابة الشبق
لما تموج باللهيب والدماء والمخالب المسافرة
في جثتي المكابِرة

سعادتي.. دموعها
تبلل الجراح في وجوديَ الحزينْ
تبلل الزهور فى يدي.. تبلل الرداء والثرى
فأحتسي دموعَها مُسَيَّرا
ويغرق العرينْ
سعادتي.. بحورها
لأنها تفيض كي ألينْ
فأعشق الذوبانَ فى إعصار فيضِها..
وأستكينْ

Monday, August 24, 2009

وعود غير معلنة

تعدني عيناكِ بإمبراطوريةٍ فسيحة
بجزرٍ أسطوريةٍ تطفو على مياهٍ قمرية
بليالي عشقٍ من ألفِ ليلةٍ وليلة
بحضنٍ لا ينتهي أبداً.. مطلقاً
وكلمات تهفو إلى غفرانٍ شاملْ
تعدني عيناكِ برحلةٍ لا أعلمُ عنها شَيَّا
غير أني سوف أسير في ثيابٍ حمراءْ
معصوب العينينِ.. في حقلٍ من الألغامْ!

تعدني شفتاكِ بحبٍّ طاهرٍ مقدسٍ
أرحل فيه مذنباً.. فأعود بريئاً مطهَّرا..
وجريئاً على الحياة مرةً أخرى.. أخيرة
تعدني شفتاكِ بطعم لا ينفد..
وبدفءٍ مستحيلِ الوصف
وباكتشافٍ مبهرٍ لذاتي الغامضة
تعدني شفتاكِ بطفلٍ عنيدٍ..
وطفلةٍ لذيذةٍ مشاغبة
بالموت الساحر في حدائق الرُّمَّان

يعدني شَعْرُكِ بالسفرْ
بالبحر.. بانتشال عَبَّارةٍ غارقةٍ.. بالموج المجرم.. بالخطرْ
بصنوف الشعب المرجانيةِ.. باكتشافٍ لمئات الجزرْ
باللحظة الفريدة.. بالقواقع المزركشة
يعدني شَعْرُكِ باسترسالٍ في الكلام والكتابة
يعدني بتشاؤم وكآبة عابرَيْنِ
وحزنٍ نبيلٍ طويلٍ.. لا يُبَرَّرْ
يعدني شَعْرُكِ باحتضارٍ بعيدٍ..
وخيولٍ مهاجرةٍ في الحريقْ!

Sunday, March 15, 2009

تمصير الفنانين الشوام.. إنقاذاً للأرباح، لا حباً في العروبة!!

أصبح الفنانون العرب عامة والسوريون بالذات مثار جدل بمصر،لماذا يتوافدون علينا ويتوسع المنتجون في الاستعانة بهم؟ لماذا ينقسم الفنانون بشأنهم بين مؤيد ومعارض؟ وما رأي الجمهور في هذا الأمر كله؟؟
هناك 3 ميادين فنية أساسية في مصر يتوافد عليها فنانو العالم العربي في المرحلة الحالية: السينما والتلفزيون والغناء.. ويتصدر السوريون القائمة في الدراما التلفزيونية واللبنانيون في السينما والأغاني.. لماذا يدور هذا التنافس بين هذه الجنسيات الثلاث (مصر-سورية ولبنان)؟ وفي أية مصلحة يصب هذا التنافس؟فلاش باك:لأسباب تاريخية وجغرافية متنوعة انبثق من الظلام العثماني للأمة العربية ضوء ثقافي في مصر والشام قادر على الانتشار بسلاسة في سائر بلاد العرب.. لهجات سهلة، مزيج متماسك من الثقافات القديمة والإسلامية والأوروبية، سرعة إعادة بناء المجتمع وطبقاته على الطراز الغربي من قبل المحتلين البريطاني والفرنسي، وصعود نجم الأفنديات بفضل الكفاح الجماهيري ومشاركتهم فيه.. وعناصر أخرى مختلفة مكنت القلب لا الأطراف من القيادة الثقافية لبقية الجسد العربي على أكتاف رواد الفنون والآداب والفكر والصحافة المصريين والشوام.ولعشرات السنوات تكرس في مصر والشام نمط للإنتاج الثقافي والفني قادر على ملامسة الأمة العربية كلها، تعلم المنتجون ماذا ينتجون وكيف يسوقونه، تعلم الفنانون كيف يغزلون على نفس النول المضمون، وتعلمت الجماهير العربية كيف تتذوق هذا النتاج وتتأقلم معه.وخلال النصف الأول من القرن العشرين أصبحت مصر هوليوود العرب وخلفها وقف الفنانون والمثقفون الشوام مشكلين معها مثلث رأس الحربة، وفتحت مصر ذراعيها للمواهب الوافدة من الشام أولا ثم من أطراف العالم العربي كله.وبوصول الطبقة الوسطى للسلطة -عبر العسكر ذي الصبغة القومية- في مصر وسورية (ذات النفوذ دائما في لبنان)، تم تدشين فلسفة الإعلام والفنون الموجهة، وأنفقت السلطة الكثير من المال والجهد لإيصال الصوتين المصري والشامي لجميع ربوع بلاد العرب خاصة وأنه صار يحمل رسالة قومية. وهكذا وصلنا إلى نقطة أصبح فيها طريق الانتشار عربيا أمام الفنان المصري أولا ويليه الشامي واسعا بينما هو ضيق أمام غيرهما من الجنسيات العربية ولو كان فيها إبداع كبير.خريطة ما بعد النكسة:هزت النكسة جميع الثوابت، سقط صوت عبد الناصر وشعاراته المجنحة وتخوخت سلطة الطبقة الوسطى المعادية للاستعمار الرأسمالي العالمي، صعد المعسكر الخليجي والرجعي المضاد وتقدم الجناح الساداتي ليقابله في منتصف الطريق، وفي خضم مراجعاتها لأفكارها ومواقفها بدأت الجماهير العربية في الإنصات للأقلام العراقية والمغاربية وتذوق فنون الخليج الذي كتب على الكثيرين من العرب العمل والعيش فيه.ومن دوامة السبعينيات تولدت خريطة جديدة في مصر، فبعدما سقط الهدف القومي وغطاؤه الحكومي، وبعدما تأزمت الطبقة الوسطى وانفتح الباب أمام صقور برجوازية الانفتاح، أصبح الفن المصري تابعا للتمويل الخليجي بدرجة كبيرة، أصبحت الأفلام معتمدة على سلف التوزيع الخليجية، وصارت المسلسلات تنتج على مقاس الرقيب السعودي، ونشأت شراكة كالتآمر بين التمويل الرجعي من جهة وعُبّاد "السبوبة" من جهة أخرى، ومن هنا نشأت سينما المقاولات مثلا ومن هنا أيضا توسع المط والتطويل في المسلسل المصري الذي صار في غالبيته وعاء تتم تعبئته لتمضية الوقت، إضافة إلى ركاكة وتكرار الفكرة طبعا وانتشار العشائرية والاستسهال وضغط التكلفة من أجل توسعة هامش الربح.. وهذا ما قد يفسر استمرار الدراما التلفزيونية المصرية في الانحطاط حيث تولى تخطيطها وإدارتها وتسويقها لسنوات ذلك الجانب المتراجع والمتهالك من الإنتاج الثقافي في مصر والخليج معا.الارتطام بالحائط:ومضى الوضع على هذا المنوال حتى مل المشاهدون العرب مسلسلاتنا الفقيرة في كل شيء رغم أن أرباحا كثيرة تتكدس في جيوب الجميع بدءا من المنتجين والمسوقين المصريين والخليجيين وشركات الإعلانات وكبار النجوم ومنتجي ومقدمي البرامج ومدراء الصفحات الفنية في المجلات المتخصصة.. إلى آخر المتعيشين من هذه السبوبة، الكل يكسب إلا الجمهور العربي الذي يخرج وحده من المولد بلا حمص لا في الجيب ولا في الوجدان.. ومن هنا نشأ الطلب على المسلسل غير المصري سوريا كان أو خليجيا حتى، وهكذا بدأت منافسة المسلسل المصري.لقد سارت سورية في مسار مختلف عن مصر سياسيا حيث حاولت إدخال أطراف أخرى غير الولايات المتحدة في المنطقة، كما حاولت التملص من السطوة الخليجية، وأثر ذلك بالتالي على فلسفتها في الإنتاج الثقافي والفني اللذين يقعان بالكامل تقريبا في قبضة الدولة، ورغم أن مساهماتها السينمائية محدودة جدا، ولكنها استطاعت أن تتخصص مؤخرا في المسلسل التلفزيوني وقد عاونها على ذلك استمرار السلطة ذات الصبغة القومية في الحكم بما وفر إمكانيات الدولة للمسلسل السوري التاريخي الذي أصبح عنوان الجودة في الدراما التلفزيونية العربية وبوابة العبور للفنانين السوريين إلى قلوب الجماهير العربية.وحيثما تراجعت الثقافة المصرية تركت وراءها مساحات خالية يتم احتلالها تباعا من مراكز عربية أخرى، فبدلا من إذاعة صوت العرب في العهد الناصري صارت هناك قناة الجزيرة من قطر والتي تعد -رغم كل الأقاويل ضدها- أكثر مهنية من التلفزيون المصري الذي لا يزال يتبع فلسفة صوت العرب القديمة في الإعلام التلقيني، وبعد مشاركاتنا السينمائية في المهرجانات الدولية من زمن صلاح أبو سيف ويوسف شاهين الشاب إلى زمن محمد خان وداوود عبد السيد في قمتهما، تقدم علينا في هذا المضمار الفيلم المغاربي رغم مشاكله شكلا ومضمونا وإنتاجيا أيضا، وحيث استسهلنا وكررنا أنفسنا في فنون الفيديو كليب وبرامج المنوعات تقدم الإعلاميون اللبنانيون علينا وقدموا أنفسهم باعتبارهم الورثة الشرعيين لمملكة التفاهة والتعري -أبرز مؤهلات هذه القوالب التلفزيونية- والتي لم يمنع الإعلاميين المصريين من الانفراد بها إلا خشية السلطة من التأثير العكسي للتيار الديني في مصر.. وصار واضحا أن مقولة "الريادة الإعلامية المصرية" التي لطالما حاولت وزارة الإعلام المصرية بيعها لنا وللعالم العربي كله انهارت. وبالرغم من جيش الفنانين المتميزين والفنيين المدربين عندنا صارت غالبية المادة التلفزيونية المصرية سلعة مثقلة بالتكاليف وغير مضمونة الربح ولا المصداقية.الحاضر محصلة للماضي:من جماع هذا كله يمكننا أن نفهم أن استقدام الفنانين العرب للعمل في الحقل الفني المصري لم يحدث إلا استجابة لمتغيرات معينة، فبإقدام عدة ممثلات مصريات على ارتداء الحجاب مثلا واعتراض الباقيات على المشاهد الساخنة في الأفلام حقناً للانتقاد الشعبي، تم استيراد ممثلات ومطربات فيديو كليب لبنانيات مستعدات للمغامرة، وعوضا عن نجوم مصريين يبتلعون ثلث الميزانيات أسندت البطولات لنجوم سوريين لهم اسم في العالم العربي كله وبنصف الأجر، ثم توسع المنتجون وصاروا يستعينون بالمخرجين السوريين وفناني المكياج والأزياء اللبنانيين، وبكل عناصر ربحية العمل لو استطاعوا.. مع ملاحظة أن كل هذا يتم بالطريقة السطحية الاستسهالية و"الكلفتة" التي مني بها المصريون عامة منذ النكسة كأثر غائر لهزيمة مفاجئة في الرؤية وفي الأخلاق وليس فقط في المواجهة العسكرية.وصار نجاح نجم سوري في مسلسل مصري يترجم لدى هؤلاء المنتجين بأن "الجمهور عاوز كده.. الظاهر!" وعليه، وبما أن الممولين العرب يشجعون هذا التوجه أيضا، تم شحن النجوم السوريين لمصانع الدراما هنا دون إعداد مسبق ولا حتى تليين للهجة عكس ما كان يحدث سابقا منذ زمن صباح وفريد الأطرش وحتى زمن سميرة سعيد حيث كان الفنان العربي يقيم أولا بالقاهرة –كهوليوود العرب- طلبا للفرصة ويتمصر تماما في سبيلها، الوضع الآن مختلف.. والفنانون السوريون واللبنانيون لا يتركون الشام بل يعملون هنا وهناك بطريقة موسمية متعاقبة. الحقيقة والوهم:نحن إذن أمام إنتاج مأزوم يبحث عن ترتيب أوضاعه ضمانا لسيولة أرباحه، صحيح أنها أزمة أنشأها رأس المال الانتهازي هذا إلا أن من سيتحملها هم الأجراء كما هو شأن النظام الرأسمالي دائما.. وهكذا يجد الفنانون المصريون أنفسهم في تنافس مفروض عليهم مع الفنانين الشوام.. فينقسمون بين فريق مؤيد لأسباب عملية (مشي حالك) غالبا أو لأسباب قومية أحيانا، وفريق معارض يفترسه الوهم بأن مشكلته الحقيقية تكمن في هجوم الفنانين الشوام على فرصه الضائعة بينما الحقيقة أن مشكلته الحقيقية هي مع النظام الإنتاجي والتسويقي المستعد للتضحية به دائما في أول منعطف، ورجعية وتخلف هذا النظام الذي أعاق تطور العاملين فيه لعقود محققا ربحه من هذا التخلف ذاته ومن هذه الإعاقة بعينها! ويكبر الذعر في نفوس المشتغلين بالفنون الدرامية مع تزايد استقدام الفنانين الشوام، وبينما يفكر كبار النجوم في طرق عملية للاندماج في الوضع الجديد، يكبر الصياح في صفوف نجوم الصف الثاني والثالث رغم عدم تهدد مواقعهم -على الأقل حاليا- ضد عملية الإحلال هذه، ويستعينون في هذا الصدد بكل الدعاوى القبلية المتعصبة وبالوطنية المزيفة لوقف استقدامهم، وتتكدر المياه بين شعوب متقاربة تعاني في خندق واحد بفضل تدخل الصحافة السطحية والإعلام الأصفر، ومع إقحام النجوم الشوام في أعمال لا تناسبهم وبدون إعداد لازم يتم استفزاز جماهير المشاهدين في مصر، ويصير الشارع صدى للمقولات الطائشة التي تمجد المصريين وتسفه الشوام من باب أن هناك تواطؤا ما يراد به النيل من الشخصية المصرية الجريحة أصلا، ويتعمق سوء الفهم.وبناء عليه:الفنانون العرب لا يشكلون خطرا على هويتنا الفنية ولا على مصالحنا في مصر، إن ما يشكل خطرا على الجميع هو استمرار خضوع الأجراء العرب –ومن ضمنهم الفنانون والفنيون في مصر والشام- لتفاهة وجبن وعشوائية واستبداد بل واستعباد رأس المال العربي سواء كان مصريا أو خليجيا أو شاميا.. وسواء كان خاصا أو مملوكا للدولة البرجوازية -مَلَكيةً كانت هذه الدولة أو شبهَ عسكرية.. كما أن ما يشكل خطرا مباشرا على فنانينا هو تحويل النقابات الفنية من سلاح ضد استغلال رأس المال إلى سلاح ضد الفنانين العرب.. مع بقاء الاستغلال سالما مطلق اليد.

Tuesday, February 03, 2009

مواجهة السلطة بالحقيقة-شهادة من فنان

خالد الصاوي: الحوار المتمدن- العدد 1694 في 5 نوفمبر 2006
(قرأت في مؤتمر المثقف والسلطة-كلية الآداب-جامعة القاهرة-نوفمبر 2005 في ندوة بعنوان مواجهة السلطة بالحقيقة)
اسمحولي اولا ان اقدم نفسي بالطريقة التي اريدها لا كما يقدمني الاعلام الرسمي كمجرد ممثل لعب دور جمال عبد الناصر ومصطفى امين او يلعب الآن دور صحفي من المثليين الجنسيين في عمارة يعقوبيان، انني بالقطع فخور بهذه الادوار التي كنت محظوظا لانها اسندت الي، كما انني لا اقصد القول ان جوانبي الاخرى التي ساعرضها الان اهم او اكثر ابداعا ولكنني اهدف الى ان اشير لشيئين اساسيين في هذا السياق الاول ان مشروعي الفني الذي ربطت عليه وجودي مذ كنت في العشرين من عمري مهدد ومحاصر دائما من مختلف مؤسسات السلطة سواء استمدت قوتها من القرار السياسي او من السطوة الرأسمالية على السوق والثاني ان هذه المؤسسات تستخدمني او تستبعدني انا وامثالي من الفنانين المتمردين طبقا لمعيار وحيد هو مدى الاستفادة الممكن تحقيقها منا وكأننا دجاج في مزرعة المنتجين لا هدف لنا الا انتاج البيض لهم باقل ازعاج ممكن للسلطة السياسية، وحينما انضم اليوم لقافلة الفنانين والادباء المطالبين بالتغيير فانني اصل اللحظة الحالية في حياتي بربع قرن من الحلم النضالي. لا اذكر متى بالتحديد بدأت علاقتي الحميمة بالابداع متزامنة مع توتر علاقتي بالسلطة بمفهومها العام، لقد تناميا معا بداخلي على مدار طفولتي وصباي في مسارين متوازيين ومتقاربين جدا، بحيث بدا الابداع لي دائما فرصة للتحرر المؤقت كلما اطبقت صنوف السلطات فكيها الفولاذيين علي ارادتي وخيالي حتى تحتم ان يتصادم الاثنان في شبابي المبكر.. فرأيت حقيقة القمع من زاويتي الشابة لأتورط من وقتها في مواجهة القمع والظلم الاجتماعي بالابداع الفني وبالنشاط العام ما استطعت.. وتحولت من مجرد طالب مشاغب يحب الفن ويناوش السلطة المدرسية الى متمرد يتمنى انقلاب الهرم الاجتماعي والسياسي في المجتمع برمته، وسنة بعد سنة عبر العنت والتجاهل والتعطيل والاستبعاد الذين لقيتهم في مشواري كانت تترسخ بداخلي رؤيتي لنفسي كمشروع فنان ثوري مهما تراكمت ورائي هفواتي وسقطاتي الابداعية.. اذكر انه قي شتاء 81 -وكنت وقتها طالبا مستجدا بحقوق القاهرة مرتبطا بالمسرح الجامعي ومتحمسا للتاريخ السياسي للجامعة- ان تقدمت لمسابقة الطالب المثالي بالكلية عقب حصولي على كأس أحسن شاعر وانا لم اتجاوز بعد الثامنة عشر من عمري.. كنت لا زلت ساذجا اثق في نزاهة بعض السلطات ومن بينها ادارة الكلية، وحصلت على الكأس بالفعل واحتفلت وقتها بالعالم قدر احتفائه الوليد بي مع اصدقاء جدد وحبيبة اولى وبفخر مستجد علي لم احسه طوال سني دراستي المدرسية، حتى صعدت خشبة المسرح ذات نهار مقررا ان اقرأ قصيدتي الجديدة على حضور الحفل الفني دون ان اعرض سلفا ما سأقرأ على موظفة رعاية الشباب والمختصة وقتها بترقيب النص.. كان الفخر والحب يملآني حتى توهمت الحرية.. والقيت قصيدتي المتمردة الركيكة.. كان الحماس يملؤني تجاه حبي المراهق فتنقلت بين الابيات مناوشا كل شيء حولي حتى وصلت الى عش الدبابير اذ قلت فيما معناه "سأحبك مهما حدث لي وسأناضل من اجلك عساكر السلطان.. وحتى ان قتلوني فسوف تذلهم ذكراي.."وانقلب العالم رأسا على عقب.. عوقبت الموظفة المسكينة وتم تحويلي الى التحقيق حيث نزع مني لقب الطالب المثالي وفصلت لمدة أسبوع فاعتليت المسرح مرة اخرى لأقول للحاضرين ما حدث واقرأ عليهم قصيدة أخرى بدون ترقيب صارخا ضد جميع اسياد قريش فحققوا معي ثانية ومن خلال ضابط الكلية وتواجهت "بالنسر" مباشرة فخرجت الى المسرح لأقرأ على الجميع قصيدة التحقيق واذكر منها: "الفأر يثرثر في اذني يستجوبني الفأر بنفسه يسألني عن سر مجيئي عن وطني عن املي فكري ايماني يسألني حتى عن ظني فأجبت بأني فنان يستاء الفأر ويضرب رأسي في الجدران يبحث في رأسي عن فني"!وفصلت ثانية فاندفعت الى الدراما متأثرا بانقلابات مجتمعي وقتها وكانت لحظة الانتقال من دولة السادات الى دولة مبارك متزامنة مع تعالي نجومية الليبرالية الجديدة عالميا وبدت دراما الحياة اقوى من دراما الخشبة بمراحل فبعد شهور من التحقيق معي كان الاجتياح الاسرائيلي للبنان ووجدت نفسي اصرخ"هل بعتم البلد الضئيلا وشعارنا وشعورنا والبندقية والرسولا وبكم تبيعون المدائن والكنائس والطفولة؟" ثم ضاقت القصيدة وصار المسرح بكل جنباته ساحة النضال المتاحة بعدما عجزنا عن السفر للقتال وضربنا في تظاهرة الازهر وبدأت مشكلتي مع "النسر" تتفاقم.ونشط اليسار السري في الجامعة وان بقي سريا بينما حلف الادارة والامن يوفر للجماعات الدينية غطاء ملائما بوعي او بدونه سيان، وتكتل الثلاثة ضد الابداع وحوصر المسرح فرد جيلنا بتكوين فريق مسرحي كبير ومتماسك ومتصل باليسار الفاعل ومجموعات النشاط الطلابي الاخرى وقذف بنا الى معركة الانتخابات صيانة لفريقنا وفننا وصار من المستحيل فصل الفني عن السياسي. وشاركت مع فريقي بالكتابة والتمثيل والغناء وكل ما من شأنه ضخ رسالتنا للجميع.. كنا نشتاق للحرية كما كنا نتصورها وقتها.. باحة وارفة بين جبال مصمتة ..ومع اندلاع موجة الاحتجاج الطلابية في 84 و 85 تحولت الى اليسار اكثر فاكثر.. كان اول المظاهرة يهتف بحرية الجامعة بينما آخرها يهتف بصراخ الطلبة الفقراء فانضممت لهذه الاصوات وهي بعينها التي انقذتني من فقد الاتجاه وردت علي بوصلتي الحائرة فوقفت فني على هذه الجموع المناضلة فقرا واضطهادا وعلى عالمها المسلوب ظلما وعلا صوتي فمنعت من دخول انتخابات العام التالي فعكفت على تجسيد همومي في مسرحيتي الغفير والتي كتبتها واخرجتها وشاركت في تمثيلها عام 84 مع رفيق عمري الممثل الرائع خالد صالح ومع زميلنا النجم الكوميدي محمد هنيدي وضمنتها تصوري وقتها عن علاقة المواطن الضئيل "بالنسر الكبير" او بالسلطة وانهيتها بتمرد من الجنود على قياداتهم وهو ما تحقق فعليا بعدها بعامين في هبة جنود الامن المركزي الغلابة في 86 وعرضت مسرحيتي خارج الجامعة حتى لا تعرقل ظهورها عصبة النسر وحلفها الواسع وقوبل العرض بحفاوة بالغة في اوساط مسرح الهواة وفي غفلة من الزمان عرضتها داخل الجامعة مقررا تحدي الادارة وتبنيت من وقتها ما عرفه فيما بعد زميلي الناقد الشاب نبيل بهجت "بفنون الضد" في معرض حديثه عن مسرحيتي المشاغبة اللعب في الدماغ والتي قدمتها في 2004 بعد 20 عاما من الغفير على مسرح الهناجر احدى ساحات الشد والجذب بين تيار المسرح الحر ووزارة الثقافة. وعودة للغفير اقول انها كانت التجربة التي اكتشفت بها ذاتي ومضمونها مجسدة في مشروع فني واضح في سن العشرين كؤلف مخرج ممثل يؤسس فرقة صغيرة لتكون اداة نضاله الفني والفكري ضد سلطة الماضي الباليةوصار واضحا لي بعد تخرجي انني لم اخلق لكي اكون محاميا عكس والدي الذي استوعبني بحنو حين اخبرته بعدها بعام واحد انني ساحترف الفن فوقف بجواري لسنوات طوال مؤمنا بموهبتي الفنية بينما السوق الفنية والادبية وقتها تضيق بي انا واغلب جيلي ممن راحوا يدقون رؤوسهم بمنظومة انتاجية وتسويقية وتنموية قمعية ومنحطة بشكل عام.. كان اللهاث يتعالى استعدادا لوصول جيوش العولمة الرأسمالية سياسيا واقتصاديا وعسكريا فدقت اعناق اغلب الموهوبين في جيلنا بين عصرين عصر النمط الانفتاحي وعصر نمط العولمة.فعدت للمسرح الجامعي في 89 لأقدم عرض المزاد ثم عرض الدبلة بقاعة جغرافيا التي ساهمت مع زملائي مجدي سعيد ومحمد رضوان ومحسن منصور في تحويلها لقاعة مسرحية وجاء المزاد عرضا بارانويا مثلي اصرخ فيه باقتراب شبح الحرب وابشر في ثناياه بالثورة الشاملة على التوحش الرأسمالي الذي راحت السلطة تطبل وتزمر له ليل نهار، ومنعت ادارة الكلية تعليق لافتاتي التي تنطق بعبارات العرض من عينة"بالدم لازم نتولد القمر فيه بقعة سودا بالدم بس ممكن تتمسح"وقبل انتهاء العام ومن وحي سخافات الادارة والامن في الجامعة وخارجها قدمت عرض الدبلة والذي كررت فيه تجربة الكتابة والاخراج والتمثيل للمرة الثالثة وقد وجدت اداتي التعبيرية المتكاملة، كان بطلي فنانا مهزوما مثلي وكانت النقود تظهر وتختفي في بيته كأثر لمؤامرة كونية لافقاده عقله، ثم ضاق بنا مسرح الجامعة فقررنا الخوض في مستنقعات السوق الفنية ولكنا اكتشفنا اننا واغلب جيلنا لم يعد لنا من مكان الا الهامش ندخله قهرا او طواعية، وظهر لنا حلف كبير خفي ما بين عزوة النسر ومنتجي المقاولات وتحالف قوى البيروقراط والتكنوقراط غير العامل ولا المنتج بحق وفي قمة رفضنا للتسليع اكتشفنا اننا طردنا من اكذوبة المجد الستينياتي ومن العوبة الرخاء السبعينياتي ومن اسطورة التنمية الثمانينية والقي بنا الى بالوعة التسعينيات السحيقة حيث الجيش الامريكي ومن التراب السعودي يضرب الجيش العراقي فوق التراب الكويتي بأياد وياللعجب مصرية!! وحيث سياسة الجزرة والعصا تتسيد مصر وعناقيدها السليبة وصار العالم جنونا في جنون فقدمت مسرحيتي حفلة للمجانين والتي تحتوي ثورة المرضى على جلاديهم الاطباء وكان مقررا عرضها لمدة معقولة ولكنها تحولت لعرض ليلة واحدة لتطفيء دار الاوبرا اضواءها علينا وصارت فرقتي الصغيرة -فرقة الحركة المسرحية الحرة- في الشارع مرة اخرى بينما وزارة الثقافة تدعي رعايتها لعشرات الفرق الاهلية الشابة على طريقة ادعاء الحزب الوطني رعايته لشباب مصر!وقمت باستغلال مشروع تخرجي في معهد السينما لتوجيه لكمة للنظام الذي يجتاح بيوت الفلاحين الفقراء بحثا عن القمح والارهابيين فقدمت فيلمي القصير وادي الملح من وحي شكاوى الفلاح الفصيح الذي يتعذب احفاده على مدار الاف السنوات على ايدي مختلف الملوك والملاك والكهنة وموظفي الدولة، واتبعته بفيلمين قصيرين لقناة النيل الدولية بعد تخرجي من معهد السينما هما الحب في مصر وقرية العمار دار أولهما حول مفهوم الحب بين الشارع والقصر ورصد ثانيهما حياة احدى القرى المصرية الفقيرة عبر الدورة السنوية لزراعة وبيع محصول المشمش الذي تتميز به، وقد تعلمت فيهما كيف اناور جهاز التلفزيون محاولا تمرير افكاري المتمردة بشتى الطرق في ظل رقابة صارمة في وزارة سيادية شديدة التوتر هي وزارة الاعلام.. وكنت قد تعلمت الدرس الاول في مشواري مع الاخراج التلفزيوني: قدسية الرقابة في ماسبيرو.ففور التحاقي بالعمل مخرجا بالتلفزيون رفض اول عمل لي بدعوى انه كليب شديد القسوة والفوضوية حيث اخذت احدى اغاني ثورة الشباب في 68 وولفت عليها لقطات تسجيلية معاصرة في نسق يدين الاستعمار الرأسمالي العالمي بالتزامن مع المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقد بالقاهرة عام 94 وكان هناك استغراب عام من غبائي من قبل المدراء والزملاء على حد سواء اذ كيف تخيلت ان عملا كهذا سيذاع على شاشة تملكها عزوة النسر؟ ولولا رحابة افق الاستاذ حسن حامد رئيسي وقتها لوجدت نفسي في مشكلة تتعلق بالامن القومي في دولة تخاف القصيدة والكليب وتدشن مواقعها العسكرية حول ماسبيرو في رعب دائم من "البيان رقم 1" !!وخلال تلك المرحلة نشرت ديوانين هما بعث الخيول عام 88 ونبي بلا اتباع عام 95 اضافة الى مجموعة قصصية هي يوميات خلود عام 90 ومسرحيتي حفلة للمجانين 92 واوبريت الدرافيل 93 وجميعها تجارب نشر مريرة حتى رغم حصولي على الجوائز في التأليف المسرحي والمقدمة الرقيقة التي اهداني اياها المرحوم الدكتور يوسف ادريس مقدما بها قصصي.كانت الساحة الادبية تنويعا على نفس اللحن النشاز الذي يبرر استمرار سلطة الماضي الحديدية الصدئة سواء تجلت في استبداد النسر او تخلف واستغلالية المنظومة الانتاجية او تنامي الروح السلعية عامة، وبدا واضحا لي ان الكاتب الفقير الشاب في مصر هو مواطن مهمش بالضرورة الا فيما ندر وان الكلمة المتمردة غير مرحب بمرورها مهما تشدقت بعكس ذلك وزارات الثقافة المتتابعة وشاركت كممثل محترف في اعمال سينمائية محدودة في تلك المرحلة كان مصدر معاناتي خلالها هو التجاهل غير المخطط من قبل سلطات السوق السينمائية لجيلنا المأزوم حيث لم يكن امام الممثل الشاب حيالها الا تسول الفرصة عبر مكالمات يومية عبثية يثني فيها على عبقرية المنتج ويدلك ذاتية النجم الاوحد ويقبل قدم الجلاد فاندفعت الى الهامش املا في بناء خليتي الفنية التي اطور فيها ادائي واسلوب عملي تمهيدا ليوم افارق فيه الهامش الى المتن مدججا بالخبرة والامكانية الواقعية وبعض الجماهيرية الصغرى التي تسندني في المعركة القادمة وركزت على فرقة الحركة رغم فقرها وعزلتها من جهة وشاركت كممثل في عروض مسرح الهناجرالذي انتمي اليه وادين له بالكثير من فرصي الابداعية اللاحقة من جهة اخرى بينما الاحتكاك بيننا نحن شباب المسرح الحر وقتها وبين السلطة السياسية والثقافية يأخذ ابعادا مزعجة للطرفينكان المسرح الحر هو اداتنا الاهلية للتعبير عن ذواتنا المتمردة وكسب مساحة عمل حرمتنا منها عشوائية تخطيط وتنمية النشاط الثقافي والابداعي في بلادنا، ولكن كان للسلطة رأي آخرفلائحة التياترات تحكمنا وتتحكم في نشاطنا الفني منذ عام 1913 فلا يجوز لفنان ان يخاطب الجمهور في الشارع الا بموافقة امنية وللرقيب الحق في اعطاب العمل الفني اذا اشتبه في حساسية اطروحاته من منظور السلطات الكبرى: الحكومة والكهنة وكبار الملاك والتجار ولا تريد دولة تأميم الرأي ان تجازف بتمرير نشاط اهلي واحد بعيدا عن قبضتها مهما كانت انعزالية هذا النشاط حتى لا يتخذ كأمثولة نضالية تبني على خبراتها الجماهير في مواقع اخرى اشد حساسية واعمق تأثيرا كعنابر المصانع وساحات الجامعات وخلال تجربتي الطويلة مع المسرح الحر على مدار خمسة عشر عاما وما عانيته خلالها انا وزملائي من قوانين ولوائح وسياسات فصلت لكي ينفرد الحاكم ويستمر الكاهن ويتكسب كبار التجار ونجومهم المفضلون المتواطئون وحدهم تأكد لي ان دولتنا دولة معادية للابداع المستقل لانها دولة معادية للنشاط الاهلي الحر عامة وهي معادية للنشاط الاهلي الحر لانها معادية للاهالي انفسهم للاسفولحسن حظي ان كانت على رأس الهناجر شخصية ليبرالية استثنائية هي الدكتورة هدى وصفي التي انتجت لي ولفرقتي 3 مسرحيات خلال 7 سنوات انتهت كل منها بمواجهة بيننا للاسف -رغم علاقتنا الشخصية الرائعة- كأثر مباشر للصراع الدائر بين المسرح الحر ووزارة الثقافة او بين الاهالي والسلطة في فهم آخروقدمت عام 97 مسرحية الميلاد والتي عكست فيها ما استشعرته من تواطؤ مختلف مؤسسات القهر على الانسان الضعيف في وطننا المغدور وبشرت فيه بالنضال الجماهيري المنتظر ونجح العرض بسرعة بفضل سخريته المريرة والعميقة من رموز القمع اليومية من الاسرة الى المدرسة الى الجيش الى القضاء الى الرأسمالية الوطنية الخائنة الخ الخ وكلما شعرت بدفء الجمهور كلما سمحت للممثلين بالمزيد من الارتجال وهو الد اعداء كافة اجهزة الرقابة الفاشية.ثم اتبعته بعرض المهرجين "انطوريو وكيلوبطة!!" في العام التالي 98 حيث يفسر المهرجون قصة انطونيو وكليوبترا تفسيرا سياسيا بحتا محذرين ايانا من قطار العولمة الدموية القادم ومن حكامنا الذين تربطهم به علاقات عاطفية للغاية وشبهنا امريكا بالامبراطورية الرومانية السفاحة التي اجتاحت العالم القديم وصلبت العبيد والفلاحين ومثلت بهذا العرض مصر في مهرجان للبحر المتوسط بروما مقررا التفوق على الفريق الاسرائيلي علنا بدلا من الاختيار التقليدي السلبي في تقديري واعني به الانسحاب من امام العدو، وبالفعل حاز عرضنا على الترتيب الثاني بعد العرض الفرنسي طبقا لاراء الجمهور والنقاد فشعرت اني قدمت لبلادي شيئا ما رغم ان سلطتها ضنت علي طويلا وامعنت في تهميشي لسنوات انا ورفاق جيلي المأزوم -ولو بدون تعمد في اغلب الاحوالوفي نفس العام كنت قد اديت اكبر واهم دور سينمائي لي حتى الان في الفيلم المصري-السوري جمال عبد الناصر ولي معه قصة جريحة رغم استفادتي الكبرى من الفرصة ككل والتي اتت الي حين شاهدني المخرج امثل على خشبة الهناجروبعد ان مر المخرج بسيناريو فيلمه من انياب اللجان الرقابية المتنوعة معضوضا في اكثر من موضع بدأت المشاكل الحقيقية بتعليق سلبي على سيناريو الفيلم من اسرة عبد الناصر ثم من اسرة المشير عامر ثم تطور الامر اعلاميا يوما وراء الاخر وتحركت اياد خفية تساند الخصوم حتى انني والمخرج تعرضنا لقطع 3 لقاءات لنا على الهواء واحسسنا بالسلطة دون ان نراها، ومرة اخرى تأكد لي اننا دولة يطبق فيها القانون على الضعفاء وحدهم، تحكمها المصالح والاهواء المغرضة غالبا، ويتحكم في مصيرها الاموات من جهة والنظام الميت نفسه من جهة ثانيةكان تعامل السلطة مع فيلم جمال عبد الناصر نموذجا مصغرا من تعاملها مع قضية الانتخابات الحالية اي تزوير وبلطجة مغلفان بالمسوح الديمقراطية واعادة انتاج لصنم الاعتبارات السلطوية على حساب حرية المواطن الفنان وفنه بغض النظر عن مدى فنيته والتي تصر السلطة على احتكار معايير تقييمها من خلال مندوبيها الثقافيين والاعلاميين الذين يتطفلون على الانتاج الروحي والذهني لهذا المجتمع الفقير من مكاتبهم العتيقة المترفةوخرجت من تجربة عبد الناصر جريحا من بعض اجنحة السلطة لأقع ضحية لسموم اجنحة أخرى فالمنتجون والموزعون يستطيعون غلق السوق في وجه اي فنان ولاسباب شتى قد تتعالى لتصل الى تضامن الجميع ضد الصوت المتمرد المستوحد او تنحط لتصل الى مجرد تنافس رجلين –احدهما المنتج- على قلب امرأة، وما بينهما هو مجرد الانصراف عن الفنان لانه غير متوافق مع قواعد اللعبة او مهموم بالكمال الفني والفكري على حساب مراكمتهم للارباح المجردة من كل قيمة انسانية حقة او –وهو السبب الغالب- لان المنظومة الانتاجية نفسها قاصرة عن اكتشاف وتنمية المواهب وتسويقهاوفي حالتي فقد تم اقصائي عن الميدان السينمائي 3 سنوات دون سبب واضح كما تم استدعائي اليه مرة اخرى دون سبب مفهوم فيما يتجاوز فكرة القدرية البحتة الى العشوائية المذبذبة وغلبة المعيار الشخصي والخزعبلي على صوت المنطق الموضوعيماذا حدث يا ترى؟ لربما اخطأت مرة بحق احد المنتجين دون قصد او ربما سرت شائعة ما في السوق ضدي او ربما ذكر احد رجالات عزوة النسر اسمي البائس امام عصبة الملاك في معرض حديثه عن الفنانين المشاغبين الذين يشاركون في حركة التضامن مع الانتفاضة ومحاولة تجذيرها فعدّوه توجيها لهم باستبعادي! حقيقة لا استطيع الجزم بشيء ولكن كل ما درسته من واقع هذه التجربة السخيفة ان سلطة السوق عامة هي الطبعة الشعبية والتفصيلية من سلطة القصر وان الاخيرة تكثيف للاولى ولا انفصال بينهما، نعم ان سلطة الملاك على رقاب أجرائهم هي لب الموضوع في الحقيقة ومنها يشتق كل استبداد وكل اضطهاد وكل خضوعولكنني رفضت الخضوع واستفدت من "استراتيجية تنويع مصادر السلاح" التي تبنيتها طوال شبابي فكلما اغلق بوجهي مجال خضت آخر..وهكذا قدمت عام 2001 فيلمي التلفزيوني التجريبي الطويل "الحب مسرحية من 3 فصول!" من انتاج القنوات المتخصصة وعرضت من خلاله عدة قصص اجتماعية ساخرة في عمارة واحدة وحتى في هذا العمل ناوشت السلطة بعد ان صارت تلك النظرة هي رؤيتي الراسخة واسلوبي المميز بل ومنهاج حياتي فبدا قسم الشرطة في ذلك الفيلم سيركا منصوبا !وبالرغم من حصول الفيلم على بعض الجوائز الا ان الميزانية التي اعتمدت لفيلمي التالي عام 2002 كانت اقل من ربع ميزانيته ومع ذلك قدمت الفيلم الروائي القصير "قصر نظر" وتتبعت فيه التأثير السلبي للسلطة الأسرية والمدرسية على حياة طفلة كل ذنبها كذبة اخترعتها في الفصل كي تجلس بجوار زميلها الذي تحبه فادعت انها لا ترى من موقعها جيدا فكانت النتيجة ان اجبرت على وضع نظارة طبية سميكة على عينيها السليمتين مما هدد بصرها بالزوال التام وهز شخصيتها تماما، وحصل الفيلم على الجائزة الفضية في مهرجان الاذاعة والتلفزيون رغم ضحالة ميزانيته.وبالرغم من ذلك فقد تم تسويف مشروعي التالي "جواب لله" وفكرته مستمدة من يوميات حقيقية لطفولة انسان معذب اجبرته سلطة الفقر وسلطات القمع المختلفة على ترك تعليمه والعمل مناديا للسيارات.كانت الحياة حولي تغلي مع اقتراب قطار العولمة الوحشية من بلاد الرافدين فدعوت فرقة الحركة لاستقاء مادة مسرحيتنا الجديدة من الشارع السياسي وهكذا بدأت الاعداد لعرض "اللعب في الدماغ!!" والذي تجسدت في تجربته المرهقة ابعاد علاقتي انا وفني بالسلطة عامة من جهاز الرقابة على المسرحيات الكائن في شارع قصر العيني الى المكتب البيضاوي بالبيت الابيض في واشنطن مرورا بقصر عابدين ومعتقل القلعة والسفارة الامريكية في جاردن سيتي وما يكملهما من سلطات يجر يعضها بعضا في سلسال طويل مهمته مص دماء الانسان الضعيف وتكسير عظام الانسان المتمرد.وتم حشد الناشطين المعارضين لليلة العرض على الرقابة وفي مقدمتهم زملائي في مركز الدراسات الاشتراكية ففرضنا العرض على الرقابة لينجح بعدها نجاحا استثنائيا رغم سياسية الموضوع وخلوه من النجوم او التوابل المنحطة عكس كل حسابات اباطرة السوق، ورغم ذلك اوقفت الوزارة العرض الناجح لاعود بفرقتي الى النقطة صفر كالعادة فركزت على عملي كممثل سينمائي وتلفزيوني في هذه المرحلة اقدم رغما عني القليل جدا من امكانياتي مؤجلا الى حين مشروعي الفني المتكامل الذي لا اتنازل عته مهما جرىانني فخور بدعوتكم لي اليوم وان كان لي ان اقول شيئا اخيرا فهو ان ربع قرن من مواجهتي للسلطة بالحقيقة المرة قد كشف لي ان المعركة حقا كبيرة وطويلة النفسفاذا اردنا مواجهة السلطة بالحقيقة اليوم فانني ادعوكم لان نضع في الاعتبار ما قالته صديقتي ذات الثلاثة والعشرين ربيعا وزميلتي في جماعة 5 سبتمبر التي تأسست عقب وقوع محرقة قصر ثقافة بني سويف ردا على مقولتي انه لابد من اختيار المعركة التي نخوضها ولا يجب ان نجر اليها .. ، قالت: "بل المعركة في كل اتجاه وعلى كل الأصعدة وكلها مفروضة علينا وكلها هامة".نعم اشعر في هذه اللحظة انه موقف صحيح هو الآخر يربط بين سلطة وأخرى ومرة اخرى انصت لمن يأتي بعدي مستبشرا خيرا بمولد جيل جديد هو جيل الانتفاضة الذي اعاد شبابه الحياة الى شيوخ الناشطين جيل البطالة والاحتلال الأمريكي والغذاء المسرطن وهتك عرض الناشطات جهارا نهارا ولهذا الجيل امد يدي وادعوكم جميعا لفعل نفس الشيء كيما نصل النضالات ببعضها مبشرين ببعثنا جميعا في ملامح شباب غاضب وطموح واطفال نورانيين يولدون في زمن الحرية المكتسبة بالكفاح المرير لا بالتسول المريضقبل ان اختم كلمتي اسمحولي ان اتذكر معكم رفاق المشوار الذين التهمتهم نيران الفساد والاهمال في محرقة بني سويف حازم شحاتة وبهائي الميرغني وحسن عبده وصالح سعد وجميع من راحوا معهم على ايدي سلطة متهالكة تحرق بنيها فعليا او رمزيا سواء.

Monday, January 19, 2009

آخر كلام

أنا مش مصدق إن دي بلدي
ولا عدت اصدق إن انا إنسان
يا ريتني طلقة اتهربت من سينا
ولا قذيفة من جنوب لبنان
ولا صاروخ مطلوق من الأردن
أو أي شيء محدوف من الجولان
ولا صمولة ف خط شايل نفط
ضربة مفك ف خط شايل غاز
أنا مش مصدق إن دول أهلي
ولا عارف اقرا وافك في الألغاز!!
يا ريتني حقنة بنج، أو مشرط
أو لقمة سخنة على بابور الجاز
يا ريتني عمري ما شفت بعيوني
يوم القيامة جي مِالتِلفاز!
منين ما ابص بلاقي صهيوني
والانفجار بيني وبينه قزاز!
أنا مش مصدق إن دول أطفال
متقطعين ومتشالين عالي
والقتل إيه..... عمال على بطال
والله غرت وقلت: عقبالي!!
أنا مش مصدق إن دول أطفال
متقطعين على حجري من غزة
دخانة بيضا قنابل الفسفور
ومن الشاشات تخنقني وأتأذى
إيديا دم وفوقي زنّانة
يابه الشهيد -عم الرسول- حمزة
يابه الحسين يا سيد الشهدا
خلِّصنا أتوسل إليك يا يسوع
ياللي وقفت ف وش روما.. مسِّني
حررني من تعبي وقَرْص الجوع
يا جيش عبيد حالف على شرفه
يا سبارتاكوس.. يا حورس المسموع
يا أوزير يا حيّ ف قلب موت بارد
يا مارِجرجس يا بطل يا جيفارا
يا أي حد في دمه لسه بارود
خدني صاروخ واعزق ف طيارة
أنا مش مصدق ان انا جثة
واحدة من الجثث اللي محتارة
أنام واقوم على شاشة الأخبار
وفي المنام وسط الضحايا بنوح
قويني الف حزام على وسطي
وأخش في السور اللي م مسموح
ياللي تساومني عاللي مش بايدي
خد جسمي اهه.. وأنا حلالي الروح!

Wednesday, January 07, 2009

مش قلتلك؟!




البيه سكت ايام وايام وكلبه يحصد في الأرواح
ولما جه ينطق.. يا سلام.. ساوى القتيلة بالسفاح!

إشمعنى طيب يوم مومبيه طلبت محضر وتحري
أنا مش حلومك يا مون بيه علشان هرشتك من بدري!

مركبتي سالمة يا سلامة وكفتي هي الطبّة
مش قلتلك يااسطى أوباما والله لناخد فيك بمبة؟!!

Tuesday, January 06, 2009

حب إيه.. ولا إيه؟؟



طب حلّي شعرك واحضنيني بجد
حابّك بشكل ما يتوصفش لحد
حابك وحاسك جوة أحضاني
مهما بعدتِ برضه حاضناني
حابّك ومحتاجلك وما صدقت
إني لقيتك بعد طول تدوير
لفيت عليكِ واتبعَتّ كثير
مشاوير قَطَعت وقُطْعت المشاوير
طير الطيور جوة العواصف موت
إزاي كلام في الحب يبقى سكوت؟
بليلي ريقي والنبي بكلمتين
طالعين يدوب مالقلب
خلي البساط أحمدي.. خليها ضحك ولعب
دي النمرة جاية علينا وكلها فقرات
ماتوحدوه يااهل الله وشدوا حيلكوا يا حضرات
جايين نعزي ونضحك
أصل المهرج مات
-----------
سبحانه مااعظم شانه.. قلب الفسيخ شربات
والإنسانية بعبلها.. ربك وهبها اختيار
يا حبة من قلب حبة يا قلبي يا طيّار
هافف على زرع الصباح المندّي
لايف مولف عندي
لكن منايا تقول: يا سعْي يا أسفار
علشان تعود باللي من قدرك وفي استنظار
تعرفها؟ لأ! عارفاك؟ ما يمكن! كل شيء له اعتبار
واهو شيء لزوم الشيء، وإشي عشان الإشي
ده القلب فص في قفص لحد يوم الوصال
والنص يلفى النص الحلو.. عقبالنا
لما جميع مخلوقاتها تندمج أحرار..
عالحب.. أيوة يا سيدي بغني للإنسانية
وبغني للثورة، للعمال وللطلبة
قديم قديم مش مهم ده شيء بيسعدني
إني أحس بإني ساعي في الثورة
خدّام تراب الحقيقة، مأجور.. لأحبابي
زيتنا ف دقيقنا جميعاً والجميع شُرَكا
ما هيّ مركب كبيرة وكلنا.. شُرَكا
والبحر زاعق عليها وفي الخطر.. شُرَكا
واما نحارب بنطلع عالميدان شُرَكا
وازاي بنعزق ونحرث.. وفي الحصاد مش شُرَكا؟؟!
وليه بنتعب بدالكم ونبقى ف همنا شُرَكا
ولا احنا ناس وانتو ناس.. ولوحدكم شُرَكا؟؟؟
-------------
يا سيّدي مايهمنيش.. ماتسمينيش شاعر
سميني صييت، ندهجي، أو دوشجي وخلّص
أنا جاي أصرخ عساك يا ظلم تتلخص
بحلم أشوف الولاد شابّة بتتجرأ
شابة عن الطوق ويبقى الضرب أخد وردّْ
أحسن وساخة بحقيقي الضرب في الميت
قشطات يا مصري.. يا مرابط خلف قدرة فول
صامد آخر لبابة.. والرد بالمعقول
ما حد قادر يهزك.. فز يا مسطول
ماهيش شهامة وجدعنة يا طير
إنك مسامح علاوله ف عمرك المقتول
مستني إيه والنبي يا معلمي؟ ما تقول
خلاص يا سيدي ولا يهمك.. وهات راسك
حكم انت عايز اللي يمسح جوخ ويطبل
معلش ياابن امي بس مليشي في التسجيد
لا تقول فراعنة ومن كام ألف والأثارات
إحنا ولود النهارده واللي فات أموات
إصحالي حبة الحكاية أصل باظت طحن
طرطألي ودنك لأمسك فيها وأزمّر
يا تصحّي روحك يا إما ف بعض حنكسّر
علشان بحبك وقاطع بيّ في الكسرة
وان كانش اخوك يوجعك.. ملعون أبو الأسرة
أدعي عليك وادبّح في اللي ينطقها
أنا دمي دمك وهمّ النص في المية
قصاد ميتين يكدحوا.. تنبل وحيد بينش
يلعب قمار.. يلعب خضار.. يلعب ف رجله
يفك عروة سرته.. يتفك كله
مخاليق بلا آدمية تقرقش الغلبان
وتحب تعرق بجد في فدانين الجولف
البورصة تعلا وتوطى وهم في العالي
وكل شيء له دية.. ويشتروه بمالي
حتى الحكومة يجيبوها من المزاد بالقسط
واطبخ يا عبد.. عينيا يا سيدي وانا مالي
لا السلطة مني ولا الرسمال ده رسمالي
-------------
الفيلم كله مناظر.. قصته بكابورت
أبطاله ناس قد جدي.. لابسين فانلة وشورت
بينافسوا أحمد عز والسقا على النيولوك
والصبغة تحفة ومعجزة مبعوتة من نيويورك
جايين يبيعوا الهرم والنيل وصوت الست
ما لهم عزيز في البلد دي، لا ولد ولا بنت
مماليك يخونوا بعضهم مع بعضهم
ويطفحونا الدم واللبن الرضاع
خاربين غيطان القمح سافّين الضِياع
قادرين علينا بحسهم وبصيت قديم
أطقم سنانهم فلّقت لكن ضباع
وماينهشوش الا الغلابى المضروبين
-----------
أنا جاي أجرّس في إيدي فردتين باتا
ثورة نعال وابتدت من شاب بغدادي
رمى عالصنم برجولة في دنيا شحّاتة
تتوسل اللقمة من بق الكلاب عادي
وان تقتلوه على جزمته
فانا شريكه ف رميته
يالله اقتلوني لأني ناوي أعملها
واديها كرسي ف كلوب الليلة.. واعملها
مادام في إيدي القلم وفي رجلي نعليّا
أنا اللي حب.. وعصى
ومادام في بيتي عصا
حنزل واحارب وأنزف في الشوارع موت
واتلم عالناس اللي تشبهني ف حارات وبيوت
وندش جيش الظالمين بالطوب
إحنا الكثير.. احنا الشجر والحصى
والزرع، وسيور المكن والزيت
وصدى العنابر والمطر والريح
إحنا التراب والعاصفة ولعب العيال في المرج
إحنا الخيول اللي جامحة بدون لجام ولا سرج
إحنا النواحي والنواصي وريحة الكشري
إحنا التلامذة واحنا الورشة والصبيان
إحنا الخنادق وصرخة عسكري غلبان
واحنا جميع الحاجات يا مصر يا عمري
ياللي ميلادك أزف مع مولد الإنسان
غني عشان تصحى الأمم دغري
فيضي على الأرض الشراقي حنان
واديني طميك من جديد اتوضى بيه
خليني اسيب التابوت وأنط من قبري
واطلع على ملوك البقر بالفاس
ياللي انت علمتيني إسمي.. وحب كل الناس
الحب مش هو المياصة يا ناس
الحب مش مسك الإيدين وخلاص
الحب حب الناس وناس الناس
ما يحسه غير اللي كارمه ربه بالإحساس
راضية عليه تربة امه وابوه.. يا إبن الناس
مش حب غنج ولوع وفي القلوب أنجاس
الحب حب الحياة.. حب البشر والطين
حب الحاجات البريئة وشهوة البساتين
ده الحب هو لوحده الفلسفة والدين
واللي يا عيني ما يعرفوش.. ما يكونش ناس

Sunday, January 04, 2009

ساعدني بسرعة أرجوك.. ترجم بضمير وانشر على أوسع نطاق

رسالة من الفنانين المصريين إلى كل فناني العالم
فلنضغط من أجل إنقاذ غزة فورا
انعقد الليلة الماضية مؤتمرنا الحاشد للتضامن مع أهلنا العرب في قطاع غزة المحتل، وإدانة الدولة الصهيونية الإرهابية إسرائيل، وتحميل النظم العربية مجتمعة والمجتمع الدولي بأسره المسئولية الأخلاقية عن هذه المذبحة.
غزة تموت.. والقاتل هو إسرائيل.. ولكن إسرائيل ما كان لها أن تصبح دولة فوق القانون لولا الدعم المهول الذي تلقته من بريطانيا الاستعمارية التي زرعتها زرعا في بلادنا العربية، ولولا التكامل الاستعماري الذي يربط دولة إسرائيل الاستيطانية بالإمبريالية العالمية عموما وبالإمبريالية الأمريكية بالذات.
يا فناني العالم..
لقد وقع أغلب شعوبكم ضحية مؤامرة خسيسة منذ عدة عقود حاكتها أيادي الاستعمار الرأسمالي والحركة الصهيونية معا، وبمقتضاها تم تلفيق أسطورة تاريخية ودينية مدعومة بأكاذيب إعلامية مستمرة تدعي أحقية شتات يهود العالم في استيطان أرض فلسطين العربية، وقد أضاف الصهاينة شعارهم الخبيث "من النيل للفرات" في ثنايا مشروعهم الغامض حتى تكون أراضي العرب من مصر إلى العراق سلبا متاحا مستقبلا.
لقد استخدم المشروع الإمبريالي-الصهيوني اضطهاد اليهود في أوروبا خاصة إبان النازية ليحقق عدة أهداف مضادة برمتها للعرب، فمن جهة "تتطهر" أوروبا من اليهود، ومن جهة أخرى تتأسس دولة عميلة بالقرب من منابع النفط، ومن جهة ثالثة يتم فصل مصر عن الشام وفصل المشرق العربي عن المغرب العربي بحيث لا تنهض أبدا أمة عربية موحدة.
وإذا كان الصهاينة قد استخدموا التاريخ والدين بعد أن زيفوهما، فإن الإمبريالية العالمية استخدمت مشاعر الاحتقان والاحتقار الغربية ضد المسلمين والعرب والتي هي ندوب غائرة في وجدان الشعوب على ضفتي المتوسط تركتها ضربات سيوف الحروب الصليبية من العصور الوسطى وحتى الآن.. وفي الحالتين، فقد تم خداع أغلب شعوبكم مرارا وتكرارا بينما كان الثمن في بلادنا أفدح مما تتخيلون.
فخلال ستين عاما اغتصبت إسرائيل أرض فلسطين وشردت وقتلت وعذبت شعبها، واعتدت على أراضي وشعوب أكثر من سبع دول عربية منها دول لا تربطها بها أية حدود، ودمرت كل محاولة جادة للوحدة العربية أو التنمية المستقلة للعالم العربي، كما أهانت مرارا وتكرارا مقدسات المسلمين والمسيحيين الشرقيين، ودون أي احترام للمجتمع الإنساني العالمي اخترقت القوانين الدولية برعاية خاصة من مجلس الأمن الدولي أو مجلس الدكتاتورية الدولية على الأصح.
يا فناني العالم..
لقد عانت شعوبنا على مدار التاريخ الحديث من الاستعمار الأوروبي الذي قسمها لدويلات ضعيفة وامتص ثرواتها وأذل إنسانها واستغله حتى النخاع ثم تركه فريسة هينة للديكتاتوريات العربية التي استلمت مقوده حتى الآن فبددت ما بقي فيه من قوة وامتصت ما بقي فيه من ثروات وقمعنه وحرمته من الحياة الكريمة مدعومة في ذلك كله بالإمبريالية العالمية.
وبينما كنا نحن ننزف في بلادنا إما من غارات الجيش الصهيوني أو من هراوات قوات الأمن المركزي كانت الحقائق تخفى عنكم وتشوه وتلوى فيتساوى القاتل بالمقتول، ويتم اتهام كل معارض لإسرائيل وللصهيونية العالمية التي تدعمها بمعاداة السامية، ويسمى كل من يقاوم احتلال بلاده بالمجرم الإرهابي.
لقد رأيتم بأعينكم كيف انهارت أخلاقيات الطبقات الحاكمة في العالم كله مع بوادر الأزمة الرأسمالية العالمية لتحول التفاؤل المقترن بمطلع قرن جديد إلى تشاؤم عالمي من همجية شاملة، وتعرت جميع تلك الطبقات الحاكمة أمام جماهيرها بشكل متسارع خاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين مزجتا العنصرية والطائفية بمشروع العولمة الرأسمالية السفاحة.
يا فناني العالم..
تحية منا جميعا لحركة "ليس باسمنا" التي وقع بيانها التاريخي مثقفون وفنانون أمريكيون ضد سياسات بوش الدموية والقمعية خارج وداخل الولايات المتحدة، واستلهاما من نفس الروح نناشدكم أن نقف صفا واحدا لنقول لشعوب العالم الأجمع:
ليس باسمنا أبدا.. يتم قتل غزة خنقا لعامين ثم يتم الإجهاز عليها الآن ذبحا
لقد وقفت شعوبنا مع شعوبكم ضد كل من النازية والفاشية والحكم العنصري لجنوب إفريقيا حتى تمت إحالتها جميعها إلى مزبلة التاريخ، وها نحن اليوم جميعا مطالبون بالتصدي لدولة إسرائيل وللحركة الصهيونية العالمية وللحلف الإمبريالي القذر الذي يربطها بنفس الطبقات الحاكمة المأزومة في عالم فوضوي توحش حتى قارب الانهيار اقتصاديا وبيئيا وخلقيا معا.
يا فناني العالم..
تحملوا معنا هذه المسئولية واضغطوا على حكوماتكم التي طالما ظلمتنا رافعين معنا شعارا موحدا هو:
أنقذوا غزة الآن.. وأوقفوا إسرائيل
فليكن السابع من يناير 2009 وهو يوم عيد المسيحيين الشرقيين-أشقائنا في الوطن العربي- يوما يصرخ فيه فنانو العالم كله من كافة الأديان وبكل اللغات وبمختلف سبل التعبير وفي كل الأماكن المتاحة من أجل إنقاذ غزة ودفن المشروع الصهيوني الدموي الذي هو آخر مخلفات النظم العنصرية المنحطة.
يا فناني العالم..
معا ضد الإمبريالية
أنقذوا غزة فورا.. قاتلوا الصهيونية

الثالث من يناير 2009