Wednesday, April 25, 2007

كيف تعيش ليزستراتا اليوم؟

المكان: خليط من نيويورك, واشنطن العاصمة, لاس فيجاس, هوليوود وجانب من الريف الأمريكي التقليدي.
الزمان: الآن والغد القريب.
القالب: كوميديا موسيقية (مأساوية أحيانا)- روك أوبرا على غرار الأعمال المتمردة في السبعينيات أمثال "هير" (شعر) و"يسوع المسيح النجم الكبير", تختلط فيها السينما نصف التسجيلية بالخشبة المسرحية التي تمتد لتشمل الجمهور وكأنه مؤتمر شعبي فيه رائحة التجمعات الطقسية بأثينا القديمة وروما وطيبة المصرية.
الرجال الأمريكيون يملأون عواصم الأرض جنودا في جيش الإمبراطورية الأمريكية ومتورطين في حروبها الضروس التي تحركها القلة الغنية.
ليزستراتا امرأة من سواد الشعب محدود الدخل وزوجة لأحد المارينز الذين يحاربون على الجبهة الصفراء (شرق آسيا)، امرأة طيبة بضة تتمتع بجمال ريفي عفوي مؤمنة ببيتها ومعتقداتها البسيطة تفيض أنوثة بريئة وأمومة طبيعية ولا تخلو من روح السخرية اللاذعة تضع خطتها النسائية لتحقيق هدفين مترابطين: مساواة حقيقية وعميقة للمرأة بالرجل ووقف الحرب التي صار واضحا للجميع أنها ليست إلا من أجل مراكمة أرباح الرأسماليين.
ومصدر الترابط بين الهدفين -من وجهة نظرها الخاصة- هو أن النزال الدموي بين البشر يتم على أرضية الذكورية المتوحشة.
ولأنه لا يمكن فصل المضمون عن الشكل، فلابد من تصور تركيبة تكعيبية على الخشبة تجمع الرموز القومية الأمريكية من تمثال الحرية للبيت الأبيض لمبنى الكونجرس.. الخ على الخشبة بينما تتدرج المستويات نزولا لتشمل أمكنة المشاهدين واستحضار روح الكولوسيوم والتأكيد على جو المؤتمر الشعبي وكأن الجميع جزء من تظاهرة أمام البيت الأبيض ضد الحرب.
وتلعب مجموعتا الكورس الاستعراضيتان -حلقة الوصل بين المشاهدين والجمهور- وظائف هامة تعليقية ودرامية وهما مجموعة للنساء الفقيرات والأرامل والملونات ونساء الطبقة العاملة ومجموعة للرجال من شيوخ المال والعسكرية بالأساس.
تتجاور الرموز الذكرية والأنثوية وتتقاطع معا على امتداد ساحة العرض وزمنه، ويؤدي تضادهما وتكاملهما وظيفتين: تأكيد للطرافة في تناقض العالمين، وتحقيق ربط داخلي عميق بينهما يشعرنا تراكمه المستمر طوال العرض أننا عنصران لازمان لبعضنا البعض لزوما محتما وكأننا نصفان هدفهما الأعلى هو الاتحاد معا.
ومع أن القالب الذي يحتوي العرض يذكرنا بكلاسيكيات الروك أوبرا إلا أن هناك لحظات مسرحية مفاجئة تقفز بنا تباعا لطرز مسرحية متنوعة كمسرح المهرجين ومسرح الفيديو والمسرح الملحمي.
هناك سذاجة واضحة في الطرح لا نخفيها بل نؤكدها ونغازل من خلالها روح المشاهدة في العصور القديمة وكأننا نرد المشاهدين لطور طفولي يكون فيه لقاء الجنس الآخر أعلى شأنا من التقاتل مع شخص من جنسنا، أما المسئول عن الارتقاء بحالة المشاهدة إلى مستوى فكري وأيديولوجي أعمق فهو الكورس وشاشة العرض الكبيرة التي تلقي بالحقائق الجارحة في وجهنا حين يتحتم ذلك.
النساء اللاتي يقابلن ليزستراتا في البداية هن خليط من نساء المجتمع الأمريكي كما نمطتهن السينما الأمريكية كالشقراء عاشقة الرجال والسمينة العاطفية وربة المنزل السوداء العصبية.. إلخ.
هناك بالإضافة للكورس النسائي الذي يحتوي على النساء الفقيرة والمضطهدة مجموعات استعراضية نلمح بينهن الطالبة التي تعمل نادلة والفنانة الباحثة عن فرصة والعاهرة المتشردة السكيرة وزوج من المثليات وامرأة مارينز مصابة في الحرب.
رجال الكورس خليط من الأنماط الخبيثة والمرحة معا كما نذكرها مع وولتر ماثاو وجاك ليمون وبراندو ونيكلسون وهوبكنز وكأنها الصورة المرعبة لرجل المال والسلاح والسياسة، صورة تراجيكوميك -إن جاز التعبير- تشعرنا بأن هذا النوع من التوحش الذكوري القناص هو أقصر الطرق لانهيار الحضارة.
الحاكم خليط من شخصية الرئيس الحالي وأرنولد شوارزنجر والقياصرة الرومان خاصة كاليجولا ونيرون.
القادمون لعقد الصلح آتون من الصين –باعتبارها ساحة المعركة القادمة- ثم ينضم لهم وافدون من بقية الشعوب، وهنا يطرح السؤال الأعمق للعرض: هل يمكن لأحدناالعيش دون الآخر؟ وفي لحظة خاطفة ينقلب المشهد من استعراض مبهج لتمجيد الحب والسلام إلى صافرات إنذار مرعبة وانفجارات وسط المشاهدين مع علو الخطاب السياسي-العسكري لحكام الدول الغنية والقوية وكأن الأقلية المترفة المسلحة تعلن الحرب على البشرية كلها مع تتالي المجازر على الشاشة ومشاهد الخراب والهمجية فيتم تدمير المشهد المسرحي ويتكتل الجميع خارجين من حدود أدوارهم لينشدوا نشيد الجبهة العالمية المناهضة للحرب وللعولمة الرأسمالية.. نشيد الخلاص.


إجاباتي على الأسئلة المطروحة:
-ليزستراتا مسرحية عن الحرب والجنس معا أو عن طاقة الحياة وطاقة التدمير فينا.
-المشاركة العادلة للمرأة في السلطة مستحيلة في ظل النظام الطبقي الذي يحكم العالم، لكي تتحرر المرأة حقيقة –والمضطهدون جميعا- لابد من تدمير النظام الرأسمالي لأن بقاءه يؤدي لاستمرار كل أشكال الإفقار والاضطهاد معا.
-استعمار العراق هو واحد من حلقات المشروع الإمبريالي للعولمة الرأسمالية التي تسعى لتطويق الكوكب باحتكار كل شيء وفي المقدمة طبعا منابع النفط وتجارة القمح وسلاح الدمار الشامل، وهي ككل الحروب الاستعمارية واحدة من طرق تجاوز الرأسمالية لأزماتها المتكررة والناتجة عن الفوضى الكلية في الإنتاج والظلم في التوزيع والتناحر الدموي حول تراكم الربح وما زاد على ذلك الآن من التركيز المذهل للاحتكارات العالمية، ومن جانبي فلا أستطيع توجيه دعوة السلام إلى الجماهير العربية الواقعة بين سندان الفقر والنظم الاستبدادية المتهالكة ومطرقة الاحتلال والذل العنصري إلا بعد انسحاب قوات الاحتلال من الأراضي العربية في العراق وفلسطين وسورية، وتصفية القواعد العسكرية الإمبريالية في الخليج أساسا، إن رسالتي الوحيدة في الظروف الحالية هي "السلام للمسالم والقتال للمعتدي"، ولكن من جهة أخرى فلابد لي من التأكيد دائما على أنها لم تكن مطلقا حروب أديان أو ثقافات أو أعراق في العصر الرأسمالي بل هي حروب استغلال تتلبس كل عباءة ممكنة من دين أو قومية، ودور الفنان الثوري في رأيي هو التنبيه على أن العدو الحقيقي هو من ينعم بشقاء إخوته من البشر، والجماهير العربية تحتاج للجماهير الأمريكية المظلومة هي الأخرى حتى يتحرر الجميع من بؤس الاستغلال الدموي العالمي.
-تحرير العمل الفني من الرقابة يحتاج لمعركة كبرى في المجتمعات العربية والإسلامية، وعلى الفنانين المتمردين مواجهة هذا القيد المتخلف طبعا ولكنهم لن ينتصروا إلا بربط هذا المطلب بالمطالب الجماهيرية في التحرر والعدل الاجتماعي والتقدم الشامل ماديا وروحيا، وعلى أن يتم ذلك في خضم حركة جماهيرية صاعدة على غرار حركات الجماهير في 1968.
-تقديم العرض بالطريقة التي أتخيلها ستكون مستفزة لكل الطبقات المتعيشة على الاستغلال والاضطهاد والاستعمار من كل القوميات وأنصار العرض المحتملون هم المتمردون على العالم الظالم والمعانون منه، ولا يمكن التنبؤ برد فعل الجمهور إلا بصياغة العمل فنيا بشكل نهائي لأنني لا أستطيع فصل المضمون عن الشكل، أما أجهزة الرقابة فهي تنتعش الآن في كل العالم -من اليمن لأمريكا- على مستوى مراقبة الأفكار السياسية بعلو بوق اليمين، وفي بلادنا يوجد مثلث من التابوهات: السلطة-الدين-الجنس، وعلى حسب الصياغة النهائية ستكون درجة استنفار جهاز الرقابة ضدالعرض.
-المكان هو الساحة التي يحتشد فيها الشعب قبالة السلطة، ولهذا يمتزج الجمهور بالممثلين والعارضين.
-المرجعية المسرحية الأساسية للعرض هي الكوميديا الموسيقية مع وجود كولاج عام من الأساليب المسرحية المتنوعة التي تخدم هدف التمرد بالعمل أو بالأدق هناك استضافة للعناصر المتمردة من الطرز المسرحية المختلفة كالبريختية والتسجيلية والعبث..إلخ بحيث يبقى وعي المشاهد متحفزا للوصول للحقيقة والتمرد على الوضع القائم ولكن في جو تغلب عليه بهجة المشاهدة الطفولية وطزاجة اللقاء بالحقائق.
-قضية المرأة العربية هي مركب قضيتين: قضية المرأة وقضية العرب، وتحرير المرأة العربية رهين بتحرر العرب من أسيادهم سواء كانوا عربا – رجعيين وذكوريين بالتالي- أو استعماريين يدعون الديمقراطية والتحضر، ومحاولة إلباس ليزستراتا ثوبا عربيا الآن معناه توجيه رسالة لجماهير العالم العربي –بما في ذلك النساء العربية المقموعة- مفادها الخنوع للمحتل وهو تكريس لخنوع كل مضطهد قبالة من يضطهده بما في ذلك المرأة العربية تجاه الذكورية العربية، ولهذا ففي عربية ليزستراتا إضعاف لقضيتها لأن فيها إضعافا لروح مقاومة الغاصب والمستبد عموما ولا يمكن تأسيس تحرر المرأة –بما في ذلك تحررها العاطفي والجنسي- على تبنيها لراية الخضوع.
-تقديم العرض بالطريقة التي أتخيلها يجعل منه عرضا عالميا في تقديري (بافتراض حسن فنيّاته طبعا)، أما تقديم استنساخ عربي لليزستراتا فسيدفن العرض لأنه سيعدّ في عيون المشاهدين التواقين في غالبيتهم للمقاومة -كما لمست بنفسي في عرضي "اللعب في الدماغ"- عرضا متواطئا يطالب الضحية -لا السفاح- بحمل راية السلام، مع التأكيد دائما على أن هذا السفاح ليس هو الشعب الأمريكي الذي يعاني مثلنا من قذارات الرأسمالية -التي تأكل شبابنا وشبابه- بل هو النظام الرأسمالي نفسه أينما وجد.. خاصة حين يصبح السلاح الفتاك والزيف الإعلامي سنديه الرئيسيين كما هو حال الطبقة الحاكمة في أمريكا التي انتزعت روح الثورة الأمريكية وغرست مكانها جنون الإمبراطوريات الظالمة التي كنستها ثورات الجياع والمضطهدين على مر العصور.

4 comments:

أحمد سلامــة said...

ليزاستراتا العرب
هل يوما تولد
اعتدنا دائما على حركات الثورة والتحرر نسائية كانت ام رجولية على قدومها من الجهات الاربع حول الوطن العربي
لكن نادرا ما لمحناها تنبثق من الداخل
فهل توجد فرصة لانبثاق ليزستراتا عربيه ؟؟
تابوهاتنا كثيرة جدا وقيودنا متنوعة ومتعدده
قد تقضي ليزستراتا الكثير والكثير لتخطي عراقل الفكر الرجولى بدءا من ابن في رحمها -يوما ما يسود ما فوق شفتيه ويخبرها بانها انثى- وانتهاء بحاكم لا يعلم عن مفهوم الحرية ولو للرجل العربي شيىء ولا يقبل مفهوم الحرية اساسا
لم اعش كثيرا وليست لدي خبرة بالتقلبات الحديثة ولكني اشعر بان مجتمعاتنا اخذت اسوأ ما في الانظمة العالمية شيوعية او راسمالية ورسختها في وجداننا لبعربي ثم طالبتنا بالتعايش معها والتسبيح بحمدها
شكرا لك على الموضوع الشيق
هكذا المسرح يبدأ بقصة اطفال فينتقل الي ملهاة اغريقية لا تنتهي بفقأ عيني اديب ابدا
تحياتي لك
اسف للاطالة
--------------------------------

micheal said...

كم نحتاج ليزاستراتا عربيه
تحياتي لك يا فنان و تحيه تانيه علي البوست الجميل

basset said...

انا اراها صداقة تنشا بين ليزستراتا امريكية..و اخرى عربية..الاولى تشهر الليبيدو في وجه الاحتلال و التوسع و قمع ارادة الشعوب...بينما تشهره الثانية في وجه الخنوع و العمالة و بيع الشرف للمحتلين..فبينما تصيح الاولى من لا يرفض الذهاب لاحتلال الشعوب ليس جديرا بي...تصيح الثانية من لا يقاوم ليس جديرا بي ...و كلتاهما في حاجة للاخرى لارساء قيم العدل و الحرية.....

shaimaa salaheldin said...

مش عارفه موضوع العمل أساسآ صادم بيجرد البشر من الأنسانيه اللي فيهم وبيخليهم مجرد مخلوقات بتتحكم فيهم غرائزهم ياأما غريزة الحب والجنس أوغريزة القتل .... حول الرجل لمجرد وحش منقاد وراء غرزته.. والمرأه لمجرد سلعه ووسيله للأغراء وهي وضميرها بقي تستخدم اللسلعه دي في أي طريق....... بس في رأيي البشر مش كده لينا غرائز صحيح بس لينا كمان قيم وروحانيات يعني عقل وقلب سواء كانت القيم دي رفيعه وعظيمه أو خبيثه ومنحطه
لكن في أطار فكرةالعمل الفني ده.فطرحك الجديد ليه ممتاز جدآ
فعلآ المفروض أنه من يقيد ونحاول أخضاعه هو الرجل الغربي اللي بتتحكم فيه سطوة الرأسماليه مش الرجل العربي اللي مفروض يتم تحفيزه للمقاومه والصمود وعندك ألف حق ماينفعش توجيه دعوه للسلام للشعوب العربيه بدون الحصول علي أبسط حقوقها في الأول وهو تحرير أرضه من المستعمرين.. لكن فكرة صاحب التعليق التالت كمان جديره جدآ بالأحترام .وهي أستخدام غريزة الحب والجنس كحافز للمقاومه
ده في أطار فكرة العمل
لكن أرجع أقول لو راجل جبان معندوش الروح ولا المبدأ ولا القيم عمره ما هيقاوم ويقف في وش الظلم والعدوان تحت ضغط غريزته
ولو راجل عنده قيمه وفكره بيدافع عنها عمر ما هيخضع لأغراءات غرزته لأننا بأختصار بشر