Tuesday, September 05, 2006

كتابة سرية

بيني وبينك أيها القاريء..
كاتب الآلة الكاتبة..
الرقيب..
كاتب الكمبيوتر..
صاحب المطبعة..
رسام الغلاف..
الناشر.. الموزع.. صاحب المكتبة..
لجنة الثقافة بالحزب الحاكم..
ولجنة الأزهر التي تصادر الكلمات..
بيني وبينك أيها القاريء عدة ألسنة
وآراء كثيرة غير رأيي ورأيك
بيني وبينك أيها القاريء جندٌ وعبيدٌ ودعارة
بيني وبينك أيها القاريء..
ضعفي الرخيص
وسلبيتك المحيّرة!
-----------------
أريد أن أكتب شعرا..
في بساطة الجريدة
وفي عراقة الكتب المقدسة
في بهجة حدوتة الأطفال
وفي جمال مجلة الأزياء
في عمق تحليل لحالة مرضية
وفي وضوح البيانات الثورية
في رقة الخطابات الغرامية..
وفي صدق اعترافات الخاطئين

أريد أن أقرأ شعري..
في الشوادر.. في المقاهي.. في الأفنية
في مطاعم المصانع وقت الراحة
وفي ملاعب الكرة قبيل المباريات
في ساحات الرقص.. في الأسواق.. على محطات القطار
أريد أن أقرأ شعري..
خارج سور البرلمان
وفي عنابر الجنود
في المدارس قبل طابور الصباح
وفي الشارع الضيق بين أشجار الجامعة..
(حيث يلتقي الأحبة الصغار، ويحوم الفضوليون)
أريد أن أقرأ شعري أسفل القبة الصاخبة..
حيث يعقد المؤتمر، ويُقَرَّرُ الإضراب العام
----------------------
الآخرون يكتبون معي
أصواتهم في أذني
آراؤهم في نفوخي
ليست لدي حرية مزعومة
ولو كنت منعزلا في بناية شاهقة
يأتون بتاريخ الكلمات ويخترقون كتابي
يطالبونني أن أكتب شيئا مثلهم

لست من فاعلي "الكتابة الأخرى"
ولست كاتبا من "الجراد"
ليس لدي مقعد في "زهرة البستان"
ولا شيشة في "أفتر إيت"
مع ذلك أكتب..

لا تبحث روحي عن مراكب أخرى
ولا عن تيار ومجرى جديدين
تبحث روحي عن انسيابها..
كالدماء من الجرح
--------------
يجذبونني من قلبي
كي أوقع في الكتاب الأسود
يقيدون خيالي البسيط التافه
يفرغون رأسي الحائر من أحلامه الفقيرة
ويملؤنني بحبر الشياطين

لن أكتب كلمة.. لن أوقع فيه
كتاباتي لا تطمع في الجائزة السنوية
أريد قارئا واحدا يخصُّني
يشاركني الجنون السري والحرية المؤقتة
------------
مررت اليوم بسوق عكاظ
كل دكاكين الشعر –حرا أو تقليديا، منثورا أو منظوما، فصحى أو عامية- مغلقة بالضبة والمفتاح!
يجلس الشعراء أمامها في ضجر جمّ
يهشون وينشون الذباب والبعوض
يدخنون المعسل ويلعبون النرد
بطرف جلبابه يهوّي الواحد منهم بين فخذيه
ثم يعود للتثاؤب الطويل والشرود
كل شيء تريد الجماهير.. إلا الشعر
إلا ذلك السفاح الذي اغتصب القرون السالفة
ثم صار يشوه وجهه المجنون في نصف قرن
ابتعد عن المدينة مثل عبد أجرب
وعلى صفحة السراب تأمل في جماله الفاتن
مارس عادته السرية بانتظام وجنون
حتى نسي تماما كيف تُكَوَّنُ الأطفال!
---------------
أنزل معترك الشعر
لا أحمل إلا سكينا محميّا
أهتك البلاغة والأستار القاتمة
أفتح الطريق أمامي لصراخي الوحشيّ
وأفتح الطريق ورائي للمعركة القادمة
----------------
تأتي الأصالة كل يوم حانة الشعراء تمسك في خناق المحدثين
تأتي الحداثة في الصباح لتحسب الجرحى..
وترزّ في الحانات عصبة مجرمين..
ثأرا من المتأصلين!

في الصبح أقصد حانة الشعراء تضربني الأصالة باعتباري محدثا..
(أو بالأقل مجاهرا بتعاطفي)
أحاول الدفاع عن تفرد زهرةٍ، عن تميز طائرٍ في السرب..
يمنعني الطبيب من مقاهي المحدثين!

في الليل أدخل حانة الشعراء يلطمني على خدي سؤال الميتين
ويغلق المقهى بوجهي المحدثون الثائرون

في الفجر أسعى في الدروب الخاليات بقلبي الحر السجين..
وأردد الشعر الدفين!
------------------
أبحث عن موسيقى أخرى..
لا يعرفها ديوان العربية
موسيقى أخرى لا تمنحني إلا الحرية
أبحث عن نحو آخر لم تذكره ألفية مالك
ومعان أخرى يجهلها مختار الصحاح
أبحث عن شيء بكر فيه طزاجة رائحة الصحراء
عبق الماضي في امرؤ قيسٍ وخليلاته
عتبات الكون المجهول على شفتي قيس المجنون
النهر الغامض للفصحى.. سحر الآيات..
لغة الصوفية.. لكنة شعر الحشاشين
أبحث عن لغة حية..
عن أن أكتب بالسكين
-----------------
الكتابة في هذا العصر وقف على المكتئبين
بها يؤهل الكاتب نفسه للموت البطيء
وحين يأتي الموت يكون فعله روتينيا بحتاً
لهذا يعشق الموت كتّاب هذا العصر
لأن موتهم يسيرٌ.. موتهم يسيرُ وفق خطة مبسطة
عكس الزعماء وكبار الرأسماليين..
-------------
هل تعرفين أكثر الأشياء كرها لي؟
أتصدقين أنها الكتابة الحزينة؟!
يؤلمني أكثر من جراحي كثيرا..
حاجتي الحقيرة أن أكتب عنها
هل تعلمين ما يحطمني بحق؟
أنني أكتب مثل من أكره من الشعراء!

أن يكون الشعر بئرا للوحدة الباردة..
أن تكون الكلمات معادةً، جامدة..
أن يكون الجوف قبرا والعيون شواهدا..
ماذا يبقى من سحر الكلمات إذن
إذا أصبح الشعر كله نواحا موحدا؟
إن استحال حفله حدادا
وأصبحت أبواب رحمته جميعها موصدة؟؟
--------------

6 comments:

4thH said...

جميله جميله جميله
..
شاعر رائع

نــــــــدي said...

حلوه فعلا

نــــــــدي said...

حلوه فعلا

ghaly802003 said...

so nice waite for more

Anonymous said...

اديك لقيت المكان اللى تكتب فيه والكل يقراه
لقيت المساحه اللى الناس ممكن تسمع فيها صوتك

ممكن أطلب طلب صغير
ممكن انشر البوست التحفه دا على مدونتى باسمك
وماتخافش.. اعتبرها دعايه غير مدفوعة الاجر يا سيدى
لأنها أحلى من انى اكتمها لنفسى

الخبز و الحرية said...

ارجوك يا توينكي اعملي كده واشكرك جدا:)