Showing posts with label القصة القصيرة. Show all posts
Showing posts with label القصة القصيرة. Show all posts

Wednesday, April 04, 2007

يوميــــــــــــــــات خلـــــــــــود.. حدثت عام 71 كتبت عام 89 نشرت 90

الثلاثاء ظهرا :
سأضرب هذا الغبي.. لقد كاد يكسر أسناني.. آه إنها تؤلم! اللكمة تؤلم كثيرا.. آاي!! يبدو أن فكي سيظل يؤلمني طيلة هذا اليوم الدراسي اللعين.. هه! ما علينا.. اليوم الطويل لابد وأن ينتهي.. هف.. رنين الجرس تأخر دقيقتين.. ساعة جميلة التي أحملها.. شكرا لأبي لقد وافق على أن يعطيها لى اليوم ويذهب إلى العمل بدونها! إنه.. هييه!! الجرس.. الجرس.. انتهت حصة اللغة العربية اللعينة.. ماهذا المكتوب على السبورة؟! ال.. ق.. قوا.. عد.. ما معنى هذه الكلمة يا ترى؟ من أين يأتون بهذه الكلمات؟؟ قوا.. عد! قوعد! قواعد!! ههء.. شيىء مضحك فعلا!.. أين ذلك الجدول اللعين؟ ما هي الحصة القادمة؟ الحالية.. الحالية.. آخ! نسيت الجدول فى البيت.. الحمد لله أنه ليس هناك مدرس للجدول وإلا كنت سأضرب اليوم أيضا مثلما ضربت أمس حين نسيت كتاب الجغرافيا وكتاب اللغة الانجليزية والحساب.. والدين! لماذا لا يضعون كل الكتب فى كناب واحد وتنتهي المشكلة؟ أغبياء!!
أنت تكلمينه ثانية؟ ما معنى ذلك؟ لا أعتقد أنها تريده هو.. لم تختره بالأمس فى الفسحة.. ألقت المنديل وراء ظهري أنا.. إنها تريدني أنا.. كلما لعبنا لعبة الذئب السحلاوي تلقي بالمنديل ورائي.. آه.. ولكنها كانت تلعب معه أوتوبيس كومبليه بين الحصتين الثانية والثالثة أمس الأول.. واليوم أيضا كادا أن يلعباها لولا دخول الأستاذ وديع.. ههء.. كان سيشدهما من طرفي أذنيهما.. لكن.. كانت ستتألم! سريعا ما تبكي.. كل البنات هكذا.. يبكين من شدة الأذن! هو أيضا كان سيبكي.. إنه يبدو كالبنات!
ربما تعجبها عيناه الزرقاوان.. أو ساعته الحمراء.. صحيح ساعتي أحلى.. لكنها ليست ساعتي دائما.. سأردها اليوم لأبي.. لن يعطيني إياها غدا.. إذا نجحت .. هل أطلب منه ساعة أم دراجة؟؟ ساعة.. ساعة.. فالدراجة أغلى وإذا قال لى نعم بخصوصها فأنا لن أملك لا ساعة ولا دراجة! الساعة.. الساعة أضمن.. آخ! ها هو الجدول اللعين! كان مختفيا تحت الساندويتش.. لنر ما فيه.. زيتون.. فقط؟ لا جبن ولا أي شيء؟! زيتون؟!!
لغة فرنسية.. جميل.. المدرّسة لن تأتي.. مدام سونيا لن تأتي، هكذا قالت الناظرة.. ماذا كان السبب؟! آه.. نعم نعم.. البيبي.. دائما في بطنها بيبي! لم أر بطنها إلا كبيرة! سيكون طفلها شبيها لها.. أنفه كبير وشعره خفيف للغاية.. أظن لا.. البيبي المولود لا يكون له شعر.. لا لا.. اذا كان بنتا فشعرها يكون غزيرا.. إذا كان ولدا فلا شعر.. نعم يبدو أن الأمر كذلك.. لذلك يقصون شعرنا ولا يقصون شعر البنات.. اه.. لماذا لا يقصون شعر البنات؟! لا أدري!
جميل! المدام غائبة : ) سأرسم في هذه الحصة الخالية، هل أحضرت الألوان؟ لا.. سألعب معها أوتوبيس كومبليه واذا لعبت معه سأشترك بالقوة.. لا.. بالقوة ستتضايق! سأشترك بلطف.. سأسألهما: هل هناك مكان لي؟ نعم! سوف.. اوف!.. ماهذا؟ من هذه؟ يا أبي! انها تغلق الباب مدرسة؟!! ولكن المدام! يا أبي! بدلا من المدام؟ حصة جديدة؟! اختبئى أيتها الألوان اللعينة! لن نرسم الآن.. فيما بعد.. فيما بعد.. يا أبي!! إنها جميلة! جميلة فعلا.. انها أجمل منها بكثير.. ولكنها تشبهها.. لا لا فجر هى التى تشبهها.. شعرها جميل.. يا أبى! ان صوتها أجمل! ولكن ماذا تقول؟ ما هذا؟؟! Toi؟! ما معنى Toi ؟ لماذا تشير الى طارق؟ اللعنة! ولا كلمة أفهمها ولا أي شيء! اللعنة!
إنه يرد عليها! اللعين! أمه فرنسية! ولكن أمي طيبة هى الأخرى! وشقراء أيضا.. ولكن اذا قلت انها فرنسية قد يرونها تتكلم العربية.. ثم ماذا؟ فلأقل انها فرنسية وتعلمت العربية.. ولكن قد يعرفون أنى كاذب.. ماذا؟ آخ! انها تشير الي أنا.. Toi مرة ثانية! فلأقف.. لأقف.. ماذا؟! لماذا يضحك هؤلاء الاغبياء؟ ماذا؟ آه.. نعم نعم.. "خالد".. آه.. يا أبي! ما هذه السخونة؟ مرت الوقفة بسلام.. لماذا لم أفهم أن Toi تعنى ما اسمك؟!!
إنها فعلا جميلة.. عيناها زرقاوان أم خضروان؟ ليس واضحا.. زرقاوان.. آه لو اقتربت قليلا.. أعطت وجهها للسبورة.. لن تأتى.. ياه! انها اقصر من مدام سونيا.. رأسها لا يطال سطر التاريخ!! ماذا أفعل؟ لا أدرى ما إذا كانت عيناها.. آه! برافو! فكرة رائعة!
"أاي.. أااي.. بطني!" (ستأتي: )
" بطني تؤلمني!!"
اللعنة! أذهب الى العيادة؟ لم تأت وخرجت أنا من الفصل! اللعنة!!

الثلاثاء مساء :
يا أبي! Toi لا تعني ما اسمك! أنا لم أتعلم شيئا من اللغة الفرنسية! مدام سونيا قبيحة.. مدام سونيا ثقيلة الظل.. وضربها يؤلم القفا! سأضرب ابنها على قفاه حينما يكبر! ماذا كان اسم المدام؟ "مدموزيلرشا".. نعم اسمها طويل.. "مدموزيلرشا"! هذا يعنى أني سأضطر فى كل مرة أن أقول لفجر إذا سألتنى حصة من هذه.. سأقول حصة "مدام مدموزيلرشا!".. لا.. طويل فعلا!!!

الأربعاء صباحا:
أوف! لن أراها اليوم.. غائبة.. يضايقني شكل مقعدها وهو خال.. ماهذا؟ ستجلس مها مكانها.. لا.. إنها تسند ذراعها على البنك فقط.. فلأجلس أنا على مقعدها.. همم.. ماذا كتبت على البنك؟ اسمها.. اسمها.. اسمها.. اللعنة! فجر هذه أنانية جدا!! ولكنها جميلة مثل "مدام مدموزيلرشا".. لن تأتي هي أيضا اليوم.. اللغة الفرنسية غدا الحصة الرابعة.. يا أبي! أول مرة أتذكر فيها موعد الحصة!!
الأربعاء مساء :
Bon…jour ….Madamme… Ali est un …Garcon….Amina est
une …….F……F…….F……..
ماما.. ماما! كلمة لا أعرفها!

الخميس ظهرا :
كانت مريضة.. شكلها واضح.. ليست جميلة اليوم.. أوف!.. لماذا تأخرت المدام؟؟ ربما لم تتأخر.. ليست معى الساعة.. آاه! أتت.. أتت..
"Bonjour madamme mademoiselleRasha!"
لـ.. لماذا يضحكون هؤلاء الملاعين؟! آه! مدموزيل فقط دون أن نقول مدام! اذن اسمها رشا.. رشا.. يا أبي! جميلة.. جميلة جدا في هذا الثوب الجميل.. انها تحب اللون الأصفر.. للمرة الثانية ترتدى ثوبا أصفر.. ولكن هذا الثوب أحلى.. آه! الحذاء أيضا أصفر.. والحقيبة بها خطوط صفراء.. ما أحلى هذه التوكة فى شعرها.. بالضبط.. عيناها زرقاوان وليستا خضراوين! هذا المقعد أفضل.. الآخر كان بعيدا عن السبورة.. زرقاوان.. زرقاوان للغاية.. وجميلتان جدا جدا جدا جدا..
الخميس ليلا :
يييه!! ليست صورة جميلة : ( !! كل مرة لا أعرف كيف أرسم الوجه بالضبط.. أنفها أصغر وشعرها أطول و.. لا! لا! عيب! عيب جدا!! أنا قليل الأدب! سأدخل النار! الله يعرف كل شيء حتى عندما نسكت.. اللعنة! كيف يسمع ما لا نقول؟! يا إلهي! حرام.. حرام جدا.. أنا.. سأدخل النار.. زرقاوان.. زرقاوان.. أين اللون الأزرق؟ ما هذا؟! الأزرق مقصوف! "ماما!! أريد أن أشتري براية!" (سأعطيها الصورة فى النهاية :)

الجمعـــة:
أين أنا؟؟ آه.. الغرفة!.. يبدو أني تقلبت ليلا.. كم الساعة؟ ياااه! ما أحلى ألا أستيقظ فى الصباح مبكرا جدا! ما أحلى الأجازة!! الفطور ثم الصورة.

السبت صباحا :
مالها صارت قبيحة المنظر بعد مرضها هكذا؟؟؟ كانت جميلة.. لن أحدثها فى حصة الرسم.. سأرسم الصورة من جديد.. انا الوحيد الذى يرسم فى حصة الرسم.. و محمد أيضا.. محمد يرسم أحلى.. ربما لأنه أعسر! الصورة لم تكن قبيحة.. لماذا مزقتها؟

السبت ظهرا :
الألوان الشمع تضايقني.. والألوان المائية لا أعرف كيف أستخدمها.. ولا توجد ألوان أخرى.. الاستاذ بهجت نائم.. سأرسم الصورة فى البيت.. يا أبى! انهم يلعبون اوتوبيس كومبليه.. "هل.. هل هناك مكان لى؟؟ مرحى! انتظرونى.. لا.. لا تبدأوا..
هاا.. فلنبدأ.. لا.. أنت تغش يا طارق! توقف! توقف!" (الآن ألكمه! سأوجعه مثلما فعل معى المرة السابقة.. أضربه أنا أولا.. "يا كلب ... يا ... لا تدفعنى... لاتد ... خذ "
(ياه!!! دم!! لم أقصد! اجر.. اجر..!)
السبت بعد الظهر :
ياه! أذناى ما زالتا تؤلمانى.. كادت أن تنزعهما تلك الغبية.. حينما أكبر سأضربها على أذنيها.. ولكن أخذت حقى من طارق.. الآن أنا مسرور.. يوووه.. الأنف أكبر.. ما.. ماما قادمة! اختبئى أيتها الصورة الملعونة.. أخ! " ك.. ك.. كنت لا.. لا!! أذناى لا ياماما! أااااي!!"

الأحــــد :
عادل فى الحديقة.. سعاد فى الحديقة.. عادل يقول الحديقة جميلة.. عمر يقول أريد أن ألعب معكم.. اللعنة! من أين جاء هذا العمر؟؟!! ليس هناك عمر فى الصورة.. ثم لماذا لا تريدانه أن يلعب معكما؟! أين هذا العمر؟ سأرسمه أنا.. اذا دخلت ماما فأنا أذاكر.. أذاكر يوم الاحد حتى فى الاجازة! لماذا لا نأخذ السبت أجازة أيضا؟ ثلاثة أيام فى الاسبوع.. آه.. عمر نحيف.. شعره مجعد.. هكذا.. نعم.. يا أبى! انه يشبهنى! فلتكن عضلاته كبيرة.. وآه.. نعم.. فلأرسم صورة تشبهها لا لا.. ليس الآن.. غدا فى الفصل.. "عادل فى الحديقة.. سعاد فى الحديقة.. عادل يقول.."

الاثنين ظهرا :
لماذا لا اعرف كيف أرسم وجها؟ لا أدرى لم! لن اعطيها الصورة.. انها لا تشبهها.. هى أجمل بكثير.. اللعنة! ما هذا الذى على السبورة؟! ماذا يعنى هذا الرسم؟ دائما أفاجأ بشىء مكتوب او مرسوم على السبورة! متى أراه من البداية؟! شىء مقرف!!
"أ.. أفندم؟ أنا؟؟ أجيب؟ أجيب؟؟.. إ.. أنا؟؟" (الآن يضربني.. هو على كل لا يضرب على القفا.. بمسطرة.. لا تؤلم بشدة.. خمس او ست ضربات ليكن.. يا أبى!! ماهذا؟ سيضربنى بكل هذه العصا؟! ألا توجد مسطرة؟! " "آاااه ..!!!"

الاثنين ليلا :
"Bonjour mademoiselle…. J …… Je….. M'a., je me….."
" ماما .... ماما !!"

الثلاثاء:
ستدخل مرتدية ثوبا أصفر.. سنقف.. بونجور مودموزيل.. ونجلس.. هذاالمقعد أفضل من هناك.. أراها من هنا جيدا.. جميلة! ماهذا؟ من هذه القبيحة؟ لم تأت اليوم؟!
" لا.. لا أريد أن ألعب معكما اوتوبيس كومبليه.. شكرا!"

الأربعـــاء:
(غدا تأتي..)

الاربعاء ليلا :
"Bonjour mademoiselle… je m'apelle Khaled"
الخميس :
ستأتي.. ربما لا.. ستأتي.. لا.. بل ستأتي.. مدام سونيا تغيبت لأن عندها بيبي.. هى ليس عندها بيبى .. ربما عندها ... لا ... صغيرة ... ستأتى ... مرحى!! أتت! يا أبي! كم هو جميل هذا الثوب الأحمر! كل ما ترتديه جميل.. "ميس.. ميس.. أنا.. أنا"
طارق مرة ثانية؟! "أنا.. أنا" (لماذا لا تختارنى لأجيب؟ أنا حافظ!) "أنا.. أنا"
(آه الحمد لله كثيرا.. اختارتني : )
"Je m'apelle Khaled, Je suis un garcon"
الله.. ما أحلاها وهى تبتسم! إنها مسرورة.. أنا كنت جيدا وكنت أجيب مثل طارق.. لو كانت أمى فرنسية لكلمتها بالفرنسية مثله.. هو يتحدث الفرنسية أفضل وأنا أرسم أفضل.. هو يلعب الكرة أفضل.. لكن أنا أسرع فى الاوتوبيس كومبليه.. ضربني مرة وضربته مرة.. تعادل!! إنها تجبه لأنه يتنحدث الفرنسية جيدا.. لو كانت أمي فرنسية لأحبتني أنا أيضا! لو قلت لها أمى فرنسية وعرفت أني كاذب ستخاصمني.. لا لن أقول أمى فرنسية!! ماذا قالت؟؟ ياه فاتني ما قالت! لو سألتنى لن أعرف كيف أجيب.. وستغضب مني.. لا.. أنا أجبت، لن تسألني ثانية.. لو كنت كبيرا.. تأتي من المدرسة تعبة وتقبلني وأنا جالس على المائدة.. لا ... أنا أجيء من العمل وهى جالسة على المائدة.. لا.. لا.. نجيء معا من العمل وندخل سويا ونجلس على المائدة.. ومن يحضر الطعام؟! لا.. هي فى البيت وأنا فى العمل.. أناديها حينما أدخل مثل بابا.. أو لا.. سأفاجئها فى المطبخ.. ثم أزعق مرة واحدة بصوت عال.. وحينما تصرخ فزعة أحضنها وأقبلها.. ربما تبكي.. البنات يبكين كثيرا.. لكنها ليست بنتا.. انها كبيرة.. لو كانت صغيرة.. لا.. كانت ستكون سخيفة مثل كل البنات! حينما أكبر أتزوجها! نعم! أتزوجها.. بابا أكبر من ماما.. لكن لا يهم.. كل اصحابى كذلك.. لا يهم.. حينما أصبح بطلا فى الجودو.. آه صحيح! طارق يلعب الكرة أفضل لكنى ألعب الجودو أفضل.. تعادل.. لا أنا الكسبان!

الجمعة صباحا :
"لا تخف يا أخي.. أنا أعرف الرجل.. نعم صاحبي.. تراهن على أنه سيعطيني تذكرتين؟ كم لكم؟ اتفقنا!" ههء : ) جبان جدا جوزيف هذا.. (لن نستطيع أن ندخل.. الفيلم للكبار فقط) أوف! وأنا أقول له الرجل صاحبى وهو لا يفهم.. سيعطينى التذكرتين.. كل مرة أجىء وأدخل فيلما للكبار فقط.. لماذا سيمتنع هذه المرة؟ إنه صاحبى.. الحمد لله كثيرا.. كسبت الرهان سأخذ من جوزيف ثمن الكوكا.. "شكرا يا عم : ) "
(يا إلهي!! السينما شبه خالية..) "أرأيت يا بني؟ نحن لسنا أى ناس!"
(السينما خالية تقريبا.. شكلها سيء.. ومخيف.. أقرب مقعدين إلى الشاشة..)
"جوزيف.. جوزيف.. ضع نظارتك على عينيك.. الفيلم سيبدأ.. حاول ان تسكت قليلا! ما اسم الفيلم؟ آه تذكرت.. الصديقان.. سيكون هناك بطلان فى الفيلم يا جوزيف يتعاركان مع الاعداء و.. لا لم أره ولكن اسمه.. ياه! انظر الى هذه الفتاة يا جوزيف.. يا أبى!! جميلة.. طيب.. طيب لنسكت, واحد.. اثنان.. ثلاثة.. هس!"

الجمعة ظهرا :
" لا.. لا أريد اللعب.. سأذهب لأنام.. نعم.. نعم.. أنام فى الظهر.. أنا دائما هكذا ياأخي! الله!! هكذا أنا!! باي يا جوزيف.. غدا؟ نعم؟؟ نمشي على قدمينا؟ المدرسة بعيدة يا جوزيف.. اتفقنا.. باي باي".
سأرسم.. ياه على ما حدث.. كان يضع فمه على فمها.. هذا أراه كثيرا.. هذا لا شيء.. لكن يده وهي.. وهي تحضنه وتبكي وتغلق عينيها وتمسك بكتفيه.. ياه! والغابة.. أريد أن أعيش فى الغابة.. وامشى هكذا عاريا مثله وتمشى عارية مثلها.. وهما يحملان البيبي.. آه لو كنت هناك لكسرت رأس الرجل السمين.. أباها كان أم أباه؟ لم أفهم..
"نعم أتيت حالا يا ماما.. جوزيف صعد.. لن ألعب.. لا أريد.. كان جميلا نعم.. كان عن.. عن رعاة البقر.. نعم؟ أحكي القصة؟! لا أعرف! جنيه كامل؟؟ وحدي؟؟ حسنا حسنا.. سأحكي.. الولد كان قويا.. قويا جدا.. وكان حصانه أبيض.. يركب عليه ويجري، يجري، يجرى.. ثم.. ثم يطير! أعني مثل الذى يطير.. ويدخل على عشرة.. لا اكثر.. على ثلاثين ولدا آخرين ويضربهم.. يضربهم وحده.. تصورى واحد ضد ثلاثين ويكسب!! وكانت صاحبته تنتظره فى الغابة.. نعم.. مثل الغابة.. مع البيبي.. ابنهما.. نعم.. كانت زوجته.. ويرجع الولد.. أقصد الرجل.. الرجل يرجع حاملا طعاما ولعبا وطيورا تملأ البيت وينام وهو يدخن.. يدخن قبل أن ينام.. بالضبط..
ثم يحضن صاحب.. أقصد زوجته بشدة بشدة لأنها كانت تخاف فى الليل فتغلق عينيها.. وتبكي!! هيا.. أعطينى النقود.. لا أنا حكيت الحكاية أريد الجنيه.. لن أحكي لك ثانية حكايات الأفلام.. بس!! هه!"
الجمعة بعد الظهر :
ماذا يحدث لو عرفت ماما؟ ستضربني.. مؤكد ستضربنى.. ياه.. لقد فعلت فعلة رهيبة.. ستضربنى.. لماذا للكبار فقط؟ لم يكن هناك شيىء من العنف.. ولكن كان هناك.. شيىء غريب.. أين ياترى توجد تلك الغابة؟ الورق الأصفر.. ياه! ذلك المشهد.. من تفعل ذلك معى؟؟ لا عيب! من ؟ من ؟ تنام هكذا مثلها وأنا.. ياه.. لكن لماذا تبكى؟ كان يضع رأسه على صدرها.. كانت تحضنه مثلما تفعل ماما وأنا مريض.. ولكن هكذا دون.. دون أى شيىء!! من تفعل مثلها معى؟ فجر؟ أم.. هي؟ ولكن لماذا تبكى؟ هه؟؟ لماذا تبكى؟؟!
الجمعة ليلا :
أنا كبير.. وهى تمسك بيدى وتتعثر.. أنا عندى عضلات كبيرة.. أبتسم؟ نعم أبتسم.. وهى تبكى.. لا.. لا أريدها تبكى.. الأشجار.. الورق الأصفر.. اللعنة.. الأصفر مقصوف!! أين البراية؟؟

فجر السبت :
أين الوسادة؟.. ربما على الأرض!

السبت صباحا :
لا تخافي.. أستطيع السباحة.. أمسكى بى.. لالالا ترللم ترم ترم.. هاها : ) ياه الموجة!.. احترسي.. سأغوص.. آاااي!!!! آه يا عيني الكومودينو الملعون!!

السبت ظهرا :
كيف تحبني؟!

السبت ليلا :
Chaise – Table"
ماما.. حفظت"

الأحد مبكرا :
الورنيش اللعين!! كيف يفعلها بابا؟ يا أبى أنا قذر للغاية! لو رأتنى ماما ستصرخ فى وجهى.. أغسل يدى فى الخفاء.. أين الشورت؟ شكله جميل وهو مكويّ، لن أركب المراجيح اليوم ولن ألعب الكرة.. العرق يجعل شعرى سيئا.. والمشط.. فلآخذ المشط معى.. ولكن الناظرة ستقول إنى مثل البنات!.. أخفيه.. لا.. انها تعرف كل شىء وقد تفتش الشنطة اذا قال لها طارق.. لا.. لا المشط سيُكتشَف.. انا أسرح شعرى هنا بقوة فيظل كذلك طوال اليوم!
الاحد ظهرا :
سألعب مباراة واحدة.. لن ترانى اليوم على كل حال.. "أنا أمامك ياعلاء.. مصر-سوريا-مصر-سوريا.."
الأحد ليلا:
أين الألوان؟؟

الاثنين صباحا :
"قلت لك المشوار طويل يابنى.. انت لا تعرف.. أنا اعرف يا جوزيف.. كم المسافة؟ 70 كيلو!! لا تعرف الكيلو؟! لا ليس كيلو بطاطس!! هاها.. بطاطس؟ أنت غبى والله!! ماذا؟ سباق؟ لا.. العرق قذارة.. لن ألعب معهم.. اذهب أنت : ( ....... جوزيف.. جوزيف! أنت ثقيل الظل! قلت لك سأتحدث معك فى الموضوع!"
اوف! خذه يارب!! هذا الولد ليس صاحبى بعد الآن! لا يريد ان يتحدث فى الموضوع مثل الكبار.. كرة..كرة.. ثقيل الظل وغبى!!

الاثنين ليلا :
غدا..
الثلاثاء صباحا :
لم تأت.. لم تأت.. لن تأتي.. يا أبي!! أحمر وأصفر وأبيض! مثل الملاك.. جميلة.. مثل الأميرة..
"Bonjour mademoiselle"
الآن أجيب على كل الأسئلة.. فلأكن الأول عليهم.. أحدثها بالفرنسية.. فتحبني وأنا نظيف وأنيق هكذا.. الـ.. ما هذا؟ درس جديد؟! لن تسألنا؟؟! لماذا ذاكرت أنا إذن؟!! ستكتب على السبورة: سيبقى ظهرها لنا طوال الحصة وهذه الكتابة السخيفة ولن أستطيع اللحاق بهم.. دائما لا ألحق المكتوب على السبورة.. لا.. لن أكتب.. كنت أريدها أن تسألنى.. لن أكتب! سأرسم.. يااه.. ذلك الفيلم.. أرسم فيلما.. أو.. أكتب قصة.. أكتب قصة تصير فيلما.. أكتب فيلما.. ليتها لا تراني.. هى مشغولة لن ترانى.. ماذا أكتب؟
(اممم.. هممم.. المدموزيل.. لا – لا أكتب اسمها بدون مدموزيل.. رشا.. ترقص في.. ماذا يسمون ذلك المكان؟ را كا بيه..كا را بيه.. شىء كهذا.. يا الهى لا أذكر! هناك اسم فيلم هكذا فى تلك السينما المواجهة لعمل ماما.. كاباتيه.. أو.. كاباريه! "كاباريه!" نعم نعم كاباريه.. هى ترقص في "كاباريه" يدخل خالد.. طويل.. عضلاته كبير ة جدا.. يجلس على الطرابيزة.. هى مسكينة.. ترقص وهى تبكى! ترقص بالعافية! يجبرونها على الرقص! تقول لخالد: "انجدني".. يضربونها.. تبكي بقوة.. خالد يكسر الطرابيزة يضربهم جميعا وحده.. وحده تماما! يحملها ويقفز من البلكونة.. لا النافذة.. صديقه الجواد فى انتظاره.. أو الموتوسيكل أفضل.. يركب وهى وراءه والعصابة من خلفهم يطلقون الرصاصات.. يخرج القنبلة ويلقيها عليهم.. يموتون. يذهبان إلى الغابة وحدهما.. يحضنها.. يُ .. يُ.. يقبلها.. يحضنها.. تحضنه بقوة.. بقوة.. يخلعان الـ.. يخلعان كل شىء وينام على صدرها و.. تبكى.. ثم.. "نعم؟؟!! أ... ام.. الـ.. لم أك.. افندم؟ كنت.. كنت أحل واجب الانجليزية! ماذا؟ أحضر الورق؟؟!! أصل.. أعني.. لم.. لا.. لم أكتب أنا هذا.. لست أنا!!!"
الثلاثاء ظهرا أيضا :
ماذا أقول لماما؟ مرفود؟! ماذا أقول لماما؟؟ "اتركنى يا أخى ليس هناك شىء.. لا أبكى.. لا أبكى : ( "
(ماما ستموت حين اقول لها هذا الخبر.. أو سأموت أنا من الضرب.. لماذا فَعَلَتْ ذلك؟)

الثلاثاء بعد الظهر :
الغريب أن ماما لم تضربنى! لماذا فَعَلَتْ ذلك؟ أنا أنقذها من العصابة وهى تأخذنى إلى الناظرة وترفدنى؟! لماذا غضبت منى هكذا؟ لابد انها غضبت لأنها كانت ترقص فى الفيلم! كان يمكن أن أكتب لها دورا آخر! ولكن.. كان هذا ما أراه.. ثم اننى قتلت لها العصابة الشريرة التى كانت تجعلها ترقص بالقوة.. هى ليست شريرة.. فلماذا فعلت ذلك؟ لماذا؟؟ ماما قالت لبابا شيئا بالفرنسية لم أفهم منه ولا كلمة ولكنها قالت "كاباريه".. هل غضبت الناظرة من كلمة "كاباريه"؟ لماذا؟ مؤكد أنها غاضبة كذلك من الفيلم المعروض في السينما أمام عمل ماما لأن اسمه كاباريه! هل لن تكلمنى مدموزيل رشا ثانية؟
لا.. أنا لا أريد أن أكلمها.. أبدا.. أبدا.

الثلاثاء ليلا :
سأسقط.. سأسقط.. المسافة كبيرة.. رأسى.. الأرض! آااه!! اللعنة! كدت أصطدم بالأرض.. فلأعد للنوم.. غدا مدرسة.. لا.. غدا لا مدرسة! أنا مرفود!! "مرفود!! مرفود!!" كلمة ثقيلة الظل.. ماذا تعنى "مرفود؟" لابد أن فجر وطارق سيلعبان غدا أوتوبيس كومبليه وربما يلعبان أيضا مع مها وعلاء وأمانى وخالد حسنى ومحمد أنور الذئب السحلاوي : ((
لا يهم.. المدرسة أصبحت سخيفة.

الأربعاء صباحا :
ياه! صحوت والدنيا مازالت ظلاما! أول مرة أصحو قبل النور.. فلأنظر من الشباك.. ياه! هناك نور خفيف جدا.. البحر أزرق جدا.. والموج أبيض جدا.. ليس هناك أحد فى الشارع.. هل استيقظ بابا أم لم يزل نائما؟ آه.. هذا صوته.. فلأنم.. انه لا يكلمنى ولكنه ينظر الي نظرات فظيعة! يبرق في عينيّ.. و.. كيف يفعل ذلك؟! كيف يجعل عينيه مخيفتين هكذا؟!! إنه سيدخل الحمام..
(نم.. نم!)

الاربعاء ظهرا :
ماذا أرسم؟ لا أريد أن أرسم وجهها، ولا أريد أن أرسم نفسى على الموتوسيكل، ولا الحصان..
أنا لا أريد أن أرسم.

الاربعاء مساء :
"حاضر يا ماما.. أ.. ام.. حاضر.. حاضر!"
اللعنة! أذاكر ماذا وأنا فى اجازة؟ لا.. ليست أجازة.."مرفود" يعنى فى اجازة أم لا؟ لا أفهم.. عادل اللعين فى الحقل! سعاد الملعونة فى الحقل! عادل يقول: هذا جرن.. هذا ماذا؟ "جرن؟" ما معنى "جرن" هذه؟
"ماما.. ماما.. لا والله أنا أذاكر.. أذاكر والله العظيم.. أريدك ان تقولي لى ما معنى هذه الكلمة "جرن" ماذا تعنى؟ هاء هاء! "جرن!" كلمة لذيذة أليس كذلك يا ماما؟ ما.. ما .. ما" ماما لا تكلمنى.. لماذا؟ ماذا فعلت؟؟
كله بسببك أنت.. أتمنى أن تموتى.
الأربعاء ليلا :
سأسقط.. آه.. ساسقط.. المسافة كبيرة.. رأسى سيتحطم.. آه.. يا الهى!!!!
اليوم أيضا نفس الشىء وأصحو قبل ان يتحطم رأسى بشعرة.. هل سأرانى أكسر رأسى مرة يا ترى؟!!

الخميس صباحا :
لا أريد أن أبقى فى البيت.. ماذا أفعل؟ ماما لا تكلمنى ولو قلت لها أريد أن أرى جوزيف فلربما ضربتنى.. لم تضربنى الى الآن.. الحمد لله ولكنها لا تكلمنى ولا كلمة.. هذا يؤلمنى أكثر.. ليتها تكلمنى.. ماذا أفعل لأخرج؟ "ما.. ماما.. هل أطلب طلبا؟ ماما.. هل استطيع أن أحضر مسطرة من عند جوزيف؟ أفندم؟! اشترى واحدة؟ حقا؟ شكرا.. هاتى قبلة.. ماما لا تريدين أن تقبلينى؟ ماما أنا آسف.. آسف جدا ولن أفعل ذلك ثانية.. كلمينى أرجوك.. كلمينى.. ماذا أريد؟ أريد أن اقبلك.. ماما.. لا؟؟؟ لماذا؟ أنا لم أفعل شيئا.. أقصد لن أفعل شيئا كهذا مرة ثانية والله.. والله العظيم لن أفعل.. هيييييييييييه!!"

لا.. لا أستطيع أن أكذب.. حرام جدا وماما لو عرفت فلن تكلمنى ثانية ولا كلمة طوال عمرها.. هكذا قالت.. لابد ان اشترى المسطرة.. لن أمر بجوزيف أنا قلت لها انى اريد مسطرة وهى قالت لى اذهب واشتر مسطرة.. انا.. كنت أريد أن أرى جوزيف أنا كذبت.. وربنا لن يسامحنى ماذا أفعل؟ ربنا يعرف أنى كذبت وربنا لا يسامح الكذابين فيدخلون النار.. لا.. لا.. لا أريد التفكير فى هذا ماذا أفعل؟ لن أمر بجوزيف وسأذهب لأشترى المسطرة.. ربما سامحنى الله. (النار!!!)

الخميس ظهرا :
عادل فى الحقل.. سعاد فى الحقل.. عادل يقول: هذا جرن، سعاد تقول الجرن جميل.
عادل يقول: ما أجمل الريف! لا أعرف! هل هذا سؤال؟ ما أجمل الريف؟ الريف أجمل شىء مثلا؟ ليست هناك إجابة.. وسعاد لم تقل شيئا ... هل عادل يحب سعاد؟ هل سيتزوجها عندما يكبران؟ آه.. صور الحقل جميلة جدا.. ولكن أنا لم أر حقلا في حياتى.. ولا مرة! هل هو مثل الغابة؟ ربما الغابة أحلى.. انا لم أر غابة ولا أي شىء الا المدرسة والبحر وشارع الشركة التى تعمل بها ماما.. ولكني لا أعرف الشارع الذي يعمل به بابا.. لم أره أبدا.. أنا لا أعرف أين يعمل بابا.. هناك اماكن كثيرة اريد ان اذهب اليها.. الغابة اول مكان، والحقل تانى مكان.. وجزيرة صغيرة فى آخر البحر..
(أين آخر البحر؟ اين آخر البحر؟).. أريد ان أرسم.. ارسم البحر وانا اعوم وعضلاتى كبيرة وماما.. لن تدخل الآن.. ليس قبل ان تنتهى من الفطيرة.. طعمها جميل ولكن شكلها غير جميل.. تشبه شيئا ما لا أعرفه! والسكر عليها.. ذلك السكر الأبيض يشبه البودرة.. فلأرسم الآن البحر.. ال.. ب.. ح.. ر.. كبير.. جدا.. وجزيرة صغيرة فى آخر البحر.. وانا صغير.. لا كبير.. كبير.. وقوي.. نخلة.. عروسة بحر.. عيناها زرقاوان.. وجميلتان.. جميلتان جدا.. يا إلهي!! إنها تشبه.. اللعنة!! سأمزق الصورة.. أتمنى أن تموتي.. أن تموتي.

الخميس ليلا :
أه! لا سأكسر رأسى.. الأرض.. الأرض!!! " آاااااه!!" ماما؟ صرخت؟ أنا؟ أنا خائف.. نامى معى الليلة ماما.. ارجوك"

الجمعة صباحا :
لن استطيع ان اخرج من غرفتى.. بابا فى البيت يبرق كلما نظر الي وهو ينظر الي كلما رآنى.. الجمعة.. الاجازة.. أكيد هم الآن يلعبون فى بيوتهم.. أنا الوحيد الذى فى الاجازة وليس لى أجازة.. مرفود.. هذا هو معنى مرفود إذن.. مرفود هنا وهناك لأنى عملت شيئا سيئا! ماذا فعلت؟؟ سأدخل الحمام وإذا نادانى بابا فلن أنظر فى عينيه.. ولكن كيف؟ يجب أن اقول له صباح الخير يا بابا.. ولكن كيف أقول صباح الخير يا بابا ولا أنظر اليه؟ ولكن لابد أن أدخل الحمام.. " صباح الخير يا بابا ؟.. افندم؟ حاضر.. حاضر.. حاضر.. لا.. لن أفعل ذلك ثانية.. وعد.. ألف شكر.. هييه : )
أنت تضحك.. لست غضبانا؟؟ هيييييييه!! مرحى سأشاهد معك المباراة.. أليس كذلك؟"
الجمعة ليلا :
سأسقط.. أه.. لا.. انا أحلم.. هه.. صحوت قبل السقوط بكثير.. الحمد لله.. لا أريد أن أنام.. ماذا أفعل؟ آه.. نعم.. فكرة! "أحبك يا.. بابا..كثيرا.. وأحبك يا ماما جدا..
خالد .... وأنا آسف.. خالد.. (خلـــود)" سأعطيها هذه الورقة.. "بابا.. ماما.. أين بابا يا ماما؟ ماما.. ماما!" أنا ........... وحدى فى البيت!
.............................................................................................
"جوزيف.. كيف حالك؟ ادخل.. نعم؟ لا لم أذهب الى المدرسة لأنى.. لأنى مرفود.. ماذا تعنى مرفود؟ تعنى اجازة! نعم اجازة لانى فعلت شيئا سيئا!! شيئا ما.. الناظرة رفدتنى لأنى كتبت "كاباريه".. المكان الذى يرقصون فيه وبه أشرار ويتخانقون يا أخى! لا لن أذهب بعد اربعة أو خمسة أيام لا أعرف.. مع السلامة!" جوزيف يذهب الى المدرسة وأنا وحدى فى البيت.. هم هم اهىء اهىء.. (: ((

السبت ظهرا :
"ماما" .. ماما.. لم تأت بعد.

السبت مساء :
ماذا؟ سأذهب الى المدرسة غدا؟ حقا؟ كيف؟ بابا ذهب الى الناظرة وسأذهب غدا الى المدرسة؟ طيب.

الأحــد صباحا :
المدرسة ياه.. لم أغب قبل ذلك عنها طوال هذه المدة.. لا أعرف هل أحبها أم أكرهها ولكنى الأن أحبها.. وهى اليوم جميلة..
"تحيا الجمهورية العربية المتحدة.. تحيا الجمهورية العربية المتحدة"
ماهذا؟ فجر تبتسم لى! أبتسم لها؟ طبعا.. طبعا هه.. شكلها اليوم جميل.. ولكن.. ولكننى لا أحبها الآن لا يهمنى إن كلمتنى أم لا.. أنا سأنتظر ان تجيء وتكلمنى.. لماذا أكلمها أنا كل مرة الأول؟ هيا سر أيها الطابوراللعين ... سر... أريد أن أدخل الفصل لكى تكلمنى!

الأحد ظهرا :
لا أحد يكلمنى! لا أحد يكلمنى ولا كلمة! هل كلهم غاضبون منى؟ لماذا؟ ماذا فعلت؟ أصحابى ولا يكلموننى؟؟ ربما فى الفسحة.. ولكنهم لم يسألونى أين كنت ولا قالوا لى أى شىء.. أى شىء.. لابد انهم يعرفون أنى ولد شرير وقليل الأدب.. قليل الأدب.. لا أريد أن يكلمنى أحد أنا حر.. ولكن لماذا لا يكلموننى.. حسام صاحبى.. لابد انه سيسألنى أين كنت.

الأحد مساء :
هكذا؟! أمام كل المدرسة؟؟ أنا قليل الأدب ولم يربنى أبى وأمى؟ وتقول إننى كنت مرفودا لمدة ثلاثة أيام ألم تقل لماما إننى مرفود أسبوعا لماذا فعلت ذلك؟ ولماذا كانوا جميعا ينظرون الي؟؟ ماعدا.. مدموزيل رشا.. لماذا لم تكن مدموزيل رشا تنظر الي؟ غاضبة الى هذا الحد أم أنها فقط لم تكن تريد أن تنظر الي؟ كانت أذناى ساخنتين وكانت ساقاى ترتعشان ومعدتى ايضا.. لن أنسى هذا اليوم أبدا.. أبدا.. أبدا.. أبدا.

الأحد ليلا :
لا أقدر.. سأختنق.. لا.. آاه..
"آاااه"
"ماما انت هنا؟ لا استطيع ان اتنفس.. هواء!"

الاثنين صباحا :
أكره العلوم والحساب.. اوف.. شىء مقرف.. ما كل هذه الأرقام؟ اوف.. لا أفهم شيئا.. ولا شيئا ولا شيئا! "أفندم؟ كنت.. كنت مرفودا.. نعم؟ لم أفعل شيئا يا أستاذ..
أنا كاذب؟ لا والله.. طيب.. آسف.. آسف.. آسف!!!"
الاثنين بعد الظهر :
"لا أستطيع أن آكل يا ماما.. لا.. لا اريد أن آكل.. ولن آكل.. لن آكل!!"
الاثنين مساء :
"ماما.. أنا آسف.. أول وآخر مرة أصرخ هكذا.. ماما.. حبيبتى.."
الاثنين ليلا :
" همم.. آه.. همممم.. آاه.. آااااااه!!"
الثلاثاء صباحا :
أكره اللغة العربية.. اوف ما هذا؟ نحن نحب المدرسة! هه.. هه.. نحن من؟ كلميه أو لا تكلميه اذهبا الى الجحيم معا! لم تعودى جميلة.. سيراكما الاستاذ وديع وسيضربكما على القفا.. هو لا يضرب إلا على القفا.. ماهذا المكتوب؟ (نحن لا نحب الأولاد الأشرار الـ ....) لماذا ينظرون الي هؤلاء الملاعين؟ ما.. ماذا يريدون؟
اوف.. الجرس أخيرا.. حصتها الآن.. ماذا أفعل؟ الجلوس فى الخلف أفضل.. نعــم..... هنا
" أاااي!"
(أيها الأوسا.. الكرسى مكسور.. يضحكون علي الأوسا.. لا.. لا.. سترفدنى الناظرة ثانية اسكت يا خالد اسكت واجلس على كرسى آخر... ها هى.. شكلها قبيح وفستانها ألوانه أقبح).
الثلاثاء ظهرا :
مازالت لا تكلمنى.. لا يهمنى.. فلتلعب معه أى شىء اللعب أصبح سخيفا.. و المدرسة.. وكل شىء.. كل شىء.

الثلاثاء مساء :
لن أذاكر..

الثلاثاء ليلا:
يا رب.. ارجوك.. لا استطيع النوم.

الأربعاء صباحا .
يا إلهى! لم أنم ولا دقيقة واحدة! أول مرة أصحو طوال الليل.. أول مرة لا أنام بالليل وأذهب الى المدرسة.. آه أنا لست تعبا.. ولكنّ عينيّ تحرقانى بشدة.. ماهذا؟ ثورة يوليو؟ كنت أعتقد أن ثورة بالصاد.. صورة.. صورة.. ولكنها ثورة بالثاء! هاها.. ثورة.. أه.. أنا تعب جدا جدا.. أريد أن أسند رأسى هكذا.. هكذا.. هكذا..
"أفندم؟ أنا؟ لا لا غير نائم! أجيب؟! على ماذا؟"
لماذا يضحك هؤلاء الكلاب؟؟
الأربعاء ظهرا :
لماذا قال الأستاذ فوزى إننى لن أنفع فى شىء؟؟ لماذا قال لى إذا نجحت أبصق على وجهه؟؟!! لا أريد أن أبصق على وجهه! ماما تغضب حين أبصق على الأرض فماذا تفعل لو بصقت على وجهه؟ (لماذا ضحكوا؟)

الاربعاء بعد الظهر :
أبصق على وجهه لو نجحت؟! كنت أظنه يفرح لو نجحت! لا أحب التربية القومية ولا الاستاذ فوزى ولا أحب الذين ضحكوا علي.. حتى فجر ضحكت معهم.. أشرار.
"هه؟ نعم.. نعم.. أنا آكل يا ماما".
الأربعاء مساء :
غدا سترى الواجب.. يجب أن أحله وإلا.. لا أعلم ماذا ستفعل.. انها لا تضرب ولكن تقول للناظرة.. فتّانة!
"ماما.. هل ستحلين معى واجب الفرنسية؟"

الخميس صباحا :
"هل تحب البنات يا جوزيف؟ ولا أنا! البنات يبكين ويشكون سريعا..
يلعبن معك اليوم ومع غيرك يوما آخر! وهن لا يحببن إلا ال..
لا.. أنا لا أريد أن أتزوج عندما أكبر! ولا أنت أيضا؟ صح..
جوزيف هؤلاء الناس فى السيارة البيضاء ينادونك..
أليست هذه البنت التى معهم زميلتنا فى الفصل؟
حسنا.. مع السلامة!
جوزيف.. أنت لعين!!"

الخميس ظهرا :
الآن دورى.. ليس هناك شىء أخشاه.. الواجب جاهز وماما حلته معى.. ليس هناك ما أخشاه.. الآن.. فلأذهب.. انها لا تنظر الي.. كله صح.. لماذا لا تقول لى برافو؟ لقد قالت برافو لطارق وأمانى لماذا لا تقول لى برافو؟ لماذا لا تقول لى برافو؟؟

الخميس بعد الظهر :
إذن فهى ستزوجه.. ماما تقول إن الناس تخطب بعضا قبل الزواج.. وبعد أن تتزوجه نقول لها مدام رشا.. شكله قبيح.. ولكن سيارته كبيرة.. لا أريد أن تكون لى سيارة كبيرة مثل هذه.. أنا أريد سيارة جيب أذهب بها الى الغابة ومعى بندقية صيد.. وخنجر.

الجمعة ظهرا :
ستتزوجــــه.
السبت ظهرا :
ليست هناك حصة أجمل من حصة الرسم.. ولكن الأستاذ بهجت سخيف.. لماذا ينام طوال الوقت؟ الآن ماذا أرسم؟ آه.. الغابة.. والسيارة الجيب.. والبندقية والخنجر.. لا يهمنى أن أحدا لا يكلمنى ولا أنهم يلعبون مع غيرى.. هم ليسوا أصحابى على كل حال.. ولا حتى جوزيف.. لا أحد.. لا أحد..
"بخير.. وأنت يا حسام؟ كنت.. كنت مرفودا.. لأنى كتبت "كاباريه"..
هشش! لا ترددها.. انها كلمة خطيرة! تريدنى ان اساعدك فى رسم هذه الصورة؟
طبعا طبعا.. انظر.. البحر ليس بالأزرق الغامق البحر بالأزرق والأبيض واللبنى..
هكذا.. نعم.. هكذا.. حسام لماذا لم تكلمنى قبل الآن؟ ماذا؟
الناظرة قالت لا تكلموا خالد؟!"

السبت مساء :
حسام.. هو صاحبى الوحيد.

الاحد صباحا :
"صباح الخير يا حسام.. انظر ماذا رسمت أمس.. ما رأيك؟ هذه غابة..
وهذا صياد.. وهذه بندقية.. وهذا خنجر.. وهذا الثعبان سيعضه
ولكنه سيصطاده قبل ان يعضه، ماذا عندنا الآن؟ تاريخ؟ طيب..
هل تحب أن تجلس بجوارى؟ فى آخر الفصل؟ نعم نستطيع أن نرسم فى حصة
اللغة العربية دون أن يرانا الأستاذ.. هيا.. احضر حقيبتك..
لا.. لا.. انتظر.. حصة التاريخ لطيفة.. بعدها، اتفقنا؟"

الاحد ظهرا:
"هل ستلعب معهم برطوس الجميع يا حسام؟ لا.. لا أعلم..
لن يدعونى ألعب معهم.. انت ستسألهم؟ طيب سأنتظر هنا.. أنا؟ حسنا : )
10 20 – 30 – 40 -50 – 60 – 70 – 80 – 90 – 100
برطوس فجر وراء الشجرة! (الله! انها تبتسم..) برطوس طارق
وراء الكانتين.. طارق.. طارق.. طارق انت تغش انا رأيتك!
(لا يهم لا يهم اريد أن أكمل اللعبة..) برطوس.. يييييه الجرس!!!
اللعنة .... الآن نعود الى الفصل ولكن لعبت معهم.."

الاحد مساء :
فجر أجمل من مدموزيل رشا.

الاثنين صباحا:
"من من بنات الفصل تحب يا حسام؟ ماذا؟ لا تحب ولا واحدة؟ لماذا؟ آه..
لأنك تحب علياء.. من هى علياء؟ ابنة خالتك؟.. ام.. هل تريدنى أن أقول لك
اسم من أحبها؟ أول حرف من اسمها ف.. صح! برافو! انت ذكى..
عرفتها من أول حرف.. ولكن لا تقل لأحد.. هه؟.. وعد؟"

الاثنين ظهرا :
"برطوس فجر وراء الشجرة! : ) "
انها مكانها المفضل.. الله.. انها جميلة اليوم.
الاثنين بعد الظهر :
لن أذاكر الفرنسية.

الثلاثاء صباحا :
تأخرت اليوم على المدرسة.. الحمد لله ان ماما جاءت معى وإلا لما سمحوا لى بالدخول.. الجرس.. الآن أكلمها..
"صباح الخير يا فجر.."
ماهذا؟ لماذا لا ترد علي؟ ماذا حدث؟
"صباح الخير يا حسام.. حسام!!"
ها هى قد جاءت.. لن أقول معهم بنجور مدموزيل.. لماذالم يكلمنى حسام ولا فجر؟ لماذا تشير الى حسام.. حسام يشير هو الأخر علي! ما.. ما.. ماذا يقولون؟ أخرج من الفصل؟ أنا؟ لماذا تطردنى من الفصل؟
"أفندم؟ انتظر عند باب الناظرة؟!!"
(ماذا فعلت؟؟ ماذا فعلت؟!)

الثلاثاء ظهرا : فى الشارع:
هذه هى نافذة فصلنا.. هم الأن فى الفصل.. لا ليس هذه.. هذه أكبر.. آااه! نعم.. هكذا.. انكسر الزجاج!! الثانية.. الثالثة.. الرابعة..
"أوساخ.. أوساخ.. أوساخ.. أوساخ.. أوسااااااخ!!!!!!!!!!!!"
- تمت-

Saturday, March 10, 2007

رجـــل الجليـــد

كان بيتها الأبيض الهاديء يقع فى ذلك الشارع الهاديء، لا يذكر أن سيارة مرت، لا يذكر أن أحدا صرخ، لا يذكر حادثة قبيحة أو مزعجة، كان بيتها من طابقين، وكان الشتاء قارسا، وكان البيت دافئا، كل زواياه تشع الدفء.. كدفء وطنه البعيد، وكانا ينامان سويا حين ينزل الظلام، وكان صدره دافئا، وكان صدرها أكثر دفئا من صدره.. ومن البيت.. ومن الوطن البعيد.
ذات مرة أمطرت السماء ثلجها القطني، راقباه معا من النافذة الصغيرة فى الطابق الثاني، ملأ الثلج الحديقة الصغيرة الخلفية، راقباه من النافذة الصغيرة تكتسي قطنا، احتضنها.. فنامت على كتفه.
فى الصباح لعبا سويا فى الثلج، بنيا معا رجلا من الجليد، وضعا له أنفا من الخيار، صنعا له عينين من الكرز، وفما صغيرا صغيرا من حبة عنب خضراء.. حين عادا معا الى البيت كان البرد قد تملك منه، غطس فى السرير الصغير، التحف بالبطانية اللبنية، كان ملمسها ناعما ودافئا، وكان وجهها هناك.. قبلته على رأسه وأطفأت له النور.. فنام.
رأى فى نومه قططا عرجاء تنهش وجه رجل الثلج.. شعر باختناق.. شعر أن يديه غائصتان فى الجليد.. شعر بوجهه تنهشه القطط العرجاء.. ورأى القطط السمينة تبتعد والدم يحيط بأنيابها الطويلة.
***
خرج فى الصباح بعد أن تخلص من انزعاجه لدى يقظته.. استقبل شعاع الشمس شاردا.. فتح له القميص، خلع له الكوفيه وغطاء الرأس والقفاز، مرح الأطفال كان غير مزعج على الاطلاق، كانت هناك مقطوعة موسيقية آخذة فى النمو فى أذنيه وكانت الشمس قرصا برتقاليا لطيفا، ولكن الهواء كان باردا قليلا.
كانت هناك غابة بينها وبين البيت الهاديء شارع واحد، شارع آخر هاديء، مشى إليها.. إلى غابة من الأشجار العارية ، مشى فى وسطها قاده الطريق الصغير وسطها الى أعماق الغابة.. إلى جدول متجمد، نظر إلى إحدى الأشجار، وجد أرجوحة مهجورة من صنع الأطفال، جلس عليها وهو يحن الى أرجوحة صنعها حين كان طفلا.. معها.. مع تلك الصغيرة ذات الشعر الأسود الناعم والعينين السوداويين والوجه الأسمر الضاحك.. الغمازتين.. دقة الحسن.. والحسنة الصغيرة على الخد الأيسر.
سقطت به الأرجوحة الضعيفة حين حاول هزها، نظر الى الأحبال المقطوعة وهو على الأرض، وابتسم ابتسامة شاردة.
كانت الأشجار عارية، وكان الجدول متجمدا، تذكر الفتاة السمراء الصغيرة ثانية.. هبت نسائم الوطن.. هجم الماضى عليه، واصطادته الذكريات.
*****
حين عاد إليها.. إلى البيت الدافيء فى الشارع الهاديء.. كان يحن وقتها إلى هدير مزعج يصدره القطار الذي لطالما مر بجوار مدرسته وهو صغير، كان يحن إلى مدرسته الصغيرة، وإلى فتاته الصغيرة، وكان يحن إلى نفسه صغيرا.
واجهها فى غرفة نومها الدافئة، حين استيقظت من النوم كان شعرها الأصفر مبعثر الأطراف على الوسادة الوردية، فتحت عينيها الزرقاوين، لم تلق عليه تحية الصباح ولكنها ابتسمت وسط مغالبة النعاس قائلة له:
" أحبك "
كان يرتعش .. أخذها فى حضنه وقبل رأسها .. حاول أن يخفي اضطرابه.. لكنها نظرت فى عينيه لحظة ثم قالت له إن قلبه يخفق بشدة.. فقال لها بصوته المرتعش:
" أحبك "
****
عاد فى اليوم التالي إلى الغابة، سار فى الطريق الصغير بين الأشجار، كانت الأشجار عارية، وكان الجدول متجمدا.. هتف فى مواجهة الماء الزجاجي فجأة باسم فتاته السمراء.. تدفقت ذكرياته حتى تحرك الماء المتجمد، وتكلمت الأشجار العارية.
كان الحوار قصيرا .. سألته الأشجار عما يريده .. قال إنه لا يعرف.. أعادت الأشجار السؤال.. قال إنه يريد أحد شيئين.. أن يملك الغد.. أو يسترجع الماضي.. وحين سألته الأشجار عن حاضره كان حانقا وقال وهو غاضب إنه لا يراه ، لايستطيع أن يلمسه، لا يستطيع أن يحسه، ولا يستطيع أن يشعر بنفسه فيه.. وتدافعت الذكريات.. قص عن طفولته.. عن مدرسته الصغيرة.. عن صوت القطار المثير للتوتر.. قص عن أصحابه الصغار.. عن الأرجوحة المعلقة على الشجرة الكبيرة فى فناء المدرسة.. ثم قص عن فتاته الصغيرة السمراء..
سكتت الأشجار وتجمد الجدول.. وعاد إليها مبللا بالخيانة.
أعد لها وله الفطور، دخل به إلى غرفة النوم، وقف أمامها، فركت عينيها وهى تقول له مبتسمة:
" أحبــــــك "
لم يأكل معها .. كان شاردا .. كان الهدوء قد استحال مللا .. والدفء صار رتابة.. ووجهها الأبيض غريبا.. عيناها الزرقاوان الطيبتان تدفعانه الى التمرد.. بينما كان شعرها متمردا عنه فى صفرته وتموجه.
نهض .. تمشى فى الغرفة الصغيرة .. التلفت اليها فجأة وقال لها إن عليه أن يرحل.. وقفت قطعة البسكويت مترددة بين القضم والسقوط.. بدت عيناها الطيبتان جريحتين ولكنهما لم تصارحا بالجرح.
****
حمل حقيبته ووقف على باب البيت الأبيض الهاديء.. نظر إلى رجل الثلج الذى بنياه معا نظرة توديع.. ثم استدار إليها.. قبلها على رأسها وهو يبكي وقال:
" لا أعرف لماذا أفعل ذلك.. لا أعرف لماذا علي أن أفعله..
صدقيني.. أرجوك "
ابتسمت وهى تبكي.. قالت له :
"وداعا".
*****
حين جاء الربيع، ازدهرت الحديقة، ولم تعد الأشجار فى الغابة عارية، ولا عاد الجدول ساكنا، وظهرت ملابس الأولاد الملونة.
حين جاء الصيف، خرجت الأولاد ترتدي الملابس الخفيفة، وبدأ الهدوء فى التقلص، واليوم بدأ يطول.
حين جاء الخريف، بدأ العد التنازلى للشتاء، وأسقطت الأشجار أوراقها.
حين عاد الشتاء، كان واقفا على باب بيتها الدافيء فى ذلك الشارع الهاديء يحمل فى يده حقيبة صغيرة، وفى الأخرى زهورا، وكان ينظر إلى شباكها فى الطابق الثاني، والذكريات تهدر.. فى ذلك البيت .. فى تلك الغرفة .. كان ينتظرها أن تفتح له..
وكان البرد قارسا .. قارسا ..
****
فى الصباح.. خرجت الأولاد ترتدي ملابسها الثقيلة وقفازاتها الصوفية فرحة بالرجل الثلجي الذى يبدو أن أحدا قد صنعه بالأمس.. لم يكن عليهم إلا أن يضعوا له كرزا مكان عينيه وثمرة خيار مكان الأنف وفما من العنب، وحين تركوه كان هناك كلب أبيض ينبش الثلج بحثا عن شيء ما يقلقه.. حتى وجد الحقيبة الصغيرة وعلى مقربة منها الزهور التى التحفت بالثلج.

"الشووعـــي!"

كان حازم ينظر إلى شراب بابا الأبيض النظيف وإلى شراب عمو سمير الأبيض ذي البقعة البنية وهو يفكر فيما جعل شراب عمو سمير قذرا هكذا حينما وضع بابا رجلا على رجل وهو يقول لعمو سمير ان هذا الكلام الذى سمعه من رجل اسمه أحمد فى الشغل لايصدر إلا من واحد "شيوعي".
التفت حازم إلى بابا والكلمة ذات الجرس العميق ترن فى أذنه:
"بابا ..بابا .. شووعي يعنى ايه؟؟"
قالت له ماما أن يسكت لأن بابا يتكلم والكبار عندما يتكلمون..
"يووه!.. طب يعني إيه شووعي بقى ؟؟"
قال له بابا بابتسامته اللطيفة إن الشيوعي هو الذي .. الذي.. هو واحد كافر ويريد أن يجعل الناس كلها كفرة!
غضب حازم جدا من " الشووعي" هذا الذى لا يحب ربنا ولا ربنا يحبه، وتمنى من كل قلبه أن يدخل " الشووعي" هذا النار.
عاد حازم ينظر إلى شراب عمو سمير ولكنه كان يفكر فى " الشووعي" هذا الذى يريد أن يجعل كل الناس مثله كفرة، عرف فورا أن وجه " الشووعي" هذا لابد وأن يكون نحيلا.. وطويلا.. يمكن أطول من وجه طنط زينات زوجة عمو سمير، ولابد أنه يضحك بصوت خبيث مثل أبي لهب لأن أبلة أماني قالت اليوم إن أبا لهب كان يؤذي الرسول لأنه كافر وكان يضحك دائما فى خبث هو وامرأنه حمالة الحطب التى ستدخل النار هى وزوجها و " الشووعي" هذا الـ...الـ... الكافر الشرير!
نظر حازم إلى وجه بابا اللطيف، بابا لطيف جدا، ويعرف كل شىء.. دائما يقول له كل شىء، هو أول واحد قال له إن ربنا يحب الذين يصلون حتى قبل أن تقول له هذا أبلة أماني لان أبلة أماني قالت فى أول السنة إن الذين يصلون يدخلون الجنة وأيضا قال له عن أشياء كثيرة، وعن الغوريللا وطرزان، والفلاحين الذين كان الساحر الشرير يسرق منهم الزرع كل سنة بعد أن يتعبوا جدا ويزرعوه ويكون جميلا ولكنهم ضربوه أخيرا حين جاء البطل الذي كان يقتل الأسد بكف واحدة.. جاء من بلد بعيد وكان يحب الفلاحين وكانوا يحبونه جدا جدا..
"طب وهو " الشووعي" ده ممكن يقوللي أنا كمان أبقى كافر زيه يا بابا؟
بص هو الشيوعي ده.. "
عادت ماما تسكت حازم ثانية وهى تقول له ان بابا يتكلم مع عمو سمير فى موضوع مهم وانه اذا لم يسكت فسيدخل غرفته وينام..
"طب بص.. " الشووعي" ده ممكن.."
ولكن ماما قالت له:
"ها ..؟؟"
وعرف حازم انه بعد "ها ..؟" هذه سيدخل غرفة النوم فسكت ولكنه قرر بينه وبين نفسه ان يضرب هذا " الشووعي" على وجهه بالبوكس لو قابله وقال له ان يصبح كافرا مثله لانه يحب ربنا جدا جدا ويكره الشيطان جدا و" الشووعي" هذا صديق الشيطان مثل ابى لهب وهو الآن قوي ويستطيع أن يضربه بالبوكس وبالشالوت مثل ذلك البطل الذى كان يقتل الأسد الشرير الذى كان يأكل طعام الفلاحين الغلابى وكان الساحر الشرير قد سحره وهو كان فى الأول عصفورا .. فكر حازم قليلا ثم حزن على الأسد! أول مرة يحزن على الأسد لأنه كان كل مرة يفرح لأن البطل قتل الأسد ولكن الأسد لم يكن له ذنب لأنه كان مسحورا وهو كان أصلا
عصفورا.
قالت ماما إنها ستحضر الكعكة التى عملتها اليوم، فرصة!
"بابا.. بابا.. بص .. هو " الشووعي" ده بلده فين؟ هه؟
وبص.. هو بيتكلم عربى واللا اسرائيلى واللا انجليزى؟
وبص.. مش هو عنده سيف وبندقية ومدفع ؟؟"
نظر بابا بوجهه اللطيف وابتسم، بابا دائما لطيف ودائما مبتسم، وقال بابا إن " الشووعي" موجود فى كل بلد.
شعر حازم بالخوف!!
"يعني ممكن يكون مصري كمان ؟؟!"
قال بابا:
"آه يا حبيبي"
ثم عاد ليستكمل كلامه مع عمه سمير، فكر حازم فى أن " الشووعي" هذا ممكن ان يقابله في الشارع وهو يذهب الى المدرسة أو فى النادي يوم الجمعة وخاف جدا ولكنه إذا قابله ولم يخف منه فسوف يضربه على وجهه بالبوكس.. نعم هكذا!!
"حازم! قلبت ايه على الأرض؟!"
بعد أن مسحت ماما السجادة حمد حازم ربنا لأن عمه سمير وطنط زينات هنا وإلا لضربته ماما علقة ساخنة، فوجيء حازم بما قاله بابا لعمو سمير! مفاجأة مرعبة! لقد قال ان فى عمارتهم ولدا شيوعيا!
"عمارتنا احنا يا بابا؟!"
قال بابا إنه مصدر إزعاج للعمارة كلها ولكل الشارع..
"بابا.. بابا.. منشورات يعنى إيه يا ماما؟؟"
قالت له ماما إن المنشورات كلام وحش يكتبه هؤلاء الشيوعيون.. "شووعيين"؟؟؟ اذن هم كثيرون!! ولكن حازم سكت لأنه كان يريد أن يعرف من هو ذلك الكافر الشرير فى عمارتهم، كان قلب حازم يدق بعنف وأخذ يفكر وهو فى حيرة وخوف لم يرهما طول حياته.. لا يمكن ان يكون طارق لأن طارق يذهب مع باباه الى الجامع كل يوم جمعة ولايمكن ان يكون أنكل فريد لأن بابا قال أنه ولد وأنكل فريد كبير ولا يمكن ان تكون طنط فايزة لأن طنط فايزة ليست ولدا ولا يمكن .. كاد بابا يقول اسمه ولكن ماما قاطعته بأن يغيروا السيرة ولكن بابا ابتسم ابتسامته اللطيفة وهو يقول لماما إن الكعكة لذيذة، حازم لا يريد الكعكة الآن لأنه يريد أن يعرف من هو الولد الـ..
"ومراته رخرى شيوعية"..
قالت ماما ذلك وهى تقطع الكعكة! لا.. لا يمكن أن تكون ماما تقصد طنط آمال زوجة أنكل جمال لأن طنط آمال طيبة جدا ولذيذة جدا جدا وكل مرة تجعله يعزف على البيانو وتقبله إذا عرف كيف يغنى بلادى بلادى وهى تعزف ايضا.. طنط أمال جميلة جدا وكانت مريضة فى الاسبوع الماضى ولكنها لم تقل له أى شىء وتركته يلعب على البيانو طول اليوم، وايضا أنكل جمال طيب ولطيف مثل بابا ولو أنه أصغر من بابا لأنه يمكن فى عمر خالو حماده وهو دائما يضحك معه ويقول له حكايات كثيرة وهو الذى قال له إن الفلاحين هم الذين ضربوا الساحر الشرير على قفاه لأنه كان يضربهم على قفاهم وانهم بعد ذلك كانوا يزرعون الزرع الجميل ولا يأخذه أحد منهم أبدا لأنه زرعهم وحدهم لأنهم هم الذين زرعوه وتعبوا فيه وبابا لم يقل له كل ذلك ولكن أنكل جمال هو الذى قال له إن البطل الذى قتل الأسد المسحور لم يأت من بلد بعيد كما قال له بابا ولكنه كان فلاحا من الفلاحين الغلابى ولكنه لم يكن غلبانا وكان قويا وكان يحبهم ويحب الزرع الجميل كما كانوا يحبونه جدا وكان الزرع الجميل يحبه وغلب الفلاحون الساحر الشرير وبعد ذلك لم يصبحوا غلابى أبدا أبدا وعاشوا فى ثبات ونبات والولاد والبنات تزوجوا وكلهم صار عندهم أحفاد كبروا وصاروا أقوياء ولا يمكن للساحر الشرير أن يضربهم ثانية ولا أن يأخذ زرعهم الجميل ولا هو ولا الأسد الـ .. العصفور المسحور!
لم يصدق حازم أذنيه حين قال بابا إن "الشيوعيين" الذين يسكنون فى العمارة هم طنط أمال وأنكل جمال!! لم يصدق حازم أذنيه، ولم يصدق حازم بابا، ولكن كيف لا يصدق بابا؟؟؟ بابا لا يكذب أبدا، ولكن حازم لم يصدق أن أنكل جمال وطنط أمال كفار وأشرار وسيدخلون النار..
"لا يا بابا أنكل جمال وطنط أمال مش "شووعيين" ولا حاجة
وهم أصحابى وكويسين والله العظيم!"
نظر له بابا نظرة غير لطيفة بالمرة ثم نظر الى ماما وقال لها إنها لا تأخذ بالها من حازم وانه لو سمع أنه دخل بيت هؤلاء الـ.. يا خبر! أول مرة يسمع حازم بابا يقول كلمة من الكلام العيب!"
"بابا! ما تقولش كده على أصحابي!"
كانت تلك أول مرة يشخط فيها بابا فى حازم ويدخله الغرفة لينام.. وضع حازم رأسه على السرير وهو لا يستطيع النوم، وأخذ يرى فى الظلام البطل القاسي وهو يقتل العصفور المسحور.. وأخذ يبكي.. بلا صوت..

Monday, March 05, 2007

يوميات خلود.. مجموعة قصص قصيرة.. تأليف خالد الصاوي.. نشرت عام 1990

الناشر: هيئة الكتاب ضمن إشراقات أدبية
شرفني بتقديمها الراحل العظيم د. يوسف ادريس وهذا ما كتبه:
هذا الجديد الشاب
بقلم د .يوسف ادريس
فى السنوات الأخيرة بدأت أتلقى كل اسبوع تقريبا اكثر من مجموعة قصصية مطبوعة فى كتاب، سواء من مصر، او من مختلف أرجاء العالم العربى، وفى نفس الوقت أتلقى عددا مماثلا لها من دواوين الشعر، ومنذ ثلاث سنوات أقمنا مسابقة للقصة القصيرة وكان عدد القصص التى تلقيناها يزيد على ثلاثة آلاف قصة قصيرة، وكان الشرط الوحيد أن تكون القصة قد نشرت من قبل، ومعنى هذا أن لدينا الآن فى العالم العربى أكثر من عشرة آلاف كاتب قصة قصيرة وهذا رقم يعتبر مخيفا إذا قلت لكم أننا حين بدأنا كتابة القصة القصيرة فى الخمسينات كان كل الذين يكتبون القصة فى العالم العربى الواسع لا يتجاوز السبعة، وكلهم معروفون وكلهم يكتبون وينشرون.
والواقع أن الخمسينات كانت نقطة تحول فى الأدب العربى كله وبالذات فى الشعر والقصة القصيرة فاكتشاف (الشعبية) والأصالة المصرية والعربية فى كل مكان مع تطويرها الى أعلى مراحل الأدب العربى المعاصر، هذا الاكتشاف يبدو أنه حل جزءا من المعادلة الصعبة للقصة القصيرة (وليس القصص الصحفية منها بطبيعة الحال) .. فاندفع عدد كبير من الموهوبين فعلا والمتصورين أنهم موهوبون يكتب القصة القصيرة حتى أصبحت تنافس لعبة ولاعبى كرة القدم.
وبالطبع –وإن كان هذا من ناحية منه يبدو شيئا صحيا– إلا أن اختلاط الجيد باللا جيد جعل القراء يقتصرون على قراءة أعمال الكتاب الذين يعرفونهم والذين جربوهم قبلا وأعجبتهم أعمالهم، وينصرفون عن قراءة كل ما هو جديد مهما كانت براعته وجدارته. وهذا ظلم بين للكتاب الجدد. ولهذا أخذت على عاتقى أن أقدم بعض هؤلاء الكتاب الجدد للقراء مزكيا إياهم ومحاولا أن أصور للقارىء كيف يقرأهم ويستمتع بإنتاجهم.
وهأنذا أقدم اليوم للحركة الأدبية وللقراء على حد سواء كاتبنا الشاب خالد الصاوى الشاعر وكاتب القصة القصيرة وأنا لن أتحدث عن شعره وإنما هنا سأتحدث عن قصصه. إنها مغامرات قصصية أمتعتنى فقد خرجت بى عن نمطية القصص شديدة الإتقان موفورة الحبكة، وجست خلال عالم طفولى شاب يزخر بأفكار طازجة وقفزات للمجهول بحثا وراء ذلك الشىء الصعب فى القصة وتجديد شكلها وموضوعها.
لقد استمتعت بخالد الصاوى وهو بكل جرأة يقفز إلى مختلف موضوعات البشر من الهوامش الى المجنون الذى يكنس حروف الكتب الميتة وكنت وكأنما أعود أرى صباى وشبابى ومحاولاتى -بكل تهور – لخرق المستحيل.
إنى سعيدّّّّّّّ بتقديمه غاية ما تكون السعادة ولست أدرى إن كان سيكمل الطريق ويستمر فى القفز العالى أم سيختار طريق الشعر، فهو فى قصصه هنا شاعر، ولكن مهما كان إختياره فلابد أن نقر أن خالد الصاوى يمتلك كل مؤهلات الفنان الخالق، ولو أجاد إستعمالها فسنجد أنفسنا فى يوم قريب أمام فنان خالق خارق.
ومن كل قلبى أتمنى له التوفيق ،،،
د. يوسف إدريس

طبــــق الشوربــــة.. (من يوميات خلود

كان الولد الصغير الصغير يجلس مع والدته الكبيرة الكبيرة ووالده الكبير الكبير فى المحل الأحمر والأصفر والأخضر.. كانت الموائد كثيرة كثيرة، والناس يأكلون كل ما عليها. شرد سامح فى النجفة الكبيرة فى السقف : ( ياااه دى كبيرة خالص ! طلعوها ازاى ؟! ) حين فاجأته ضربة على كفه الصغيرة التى تمسك بالملعقة الفضية الكبيرة، "كل يا ولد بقى قرفتني.. الله ! حرقعلك سداغك فى وسط الناس .. كل!".
بعدما سكت بابا، سأل الولد الصغير الصغير نفسه:( هو بيزعق ليه بقى؟ مش باكل؟ هو كل حاجة كده؟ والشوربة طعمها وحش، مش بحب أكل الشوربة أنا بقى.. توء.. الله!). عاد الولد الصغير الصغير ينظر الى النجفة الكبيرة.. ( طلعوها ازاى ؟ دى كبيرة قوى .... يااااه ).. ارتعش سامح فى داخله وسمع صوتا كأنه "رررجف! " يخرج من صدره، ابتسم وهو يرى القطة الصغيرة تتمسح بقدمه.. " بص يا بابا ... قطة ... ها... ها ...اوعى يا شيخة خلينى آكل بقى .. هه ...مش عاوزه تمشى يا بابا ... بص!".. "امشى ... امشى ..! " زعق بابا للقطة الصغيرة تم التفت الى الطفل الصغير الصغير:
" كل بقى وخلصنا .. ساعة ؟ يللا عشان فيه رز ولحمة حييجوا دلوقتى "!
( يا نهار اسود! ... رز ولحمة بعدما اخلص الشوربة النيلة دي؟ توء ... حاجة قرف!). كاد الولد الصغير الصغير يبكى ولكنه فكر جيدا : ( بابا بيزعل بسرعة وبيضرب جامد).. ولذلك لم يبك ، ربما سيضربه بابا عندما يأتى الرز لأنه لن يأكله.
(الشوربة زى بعضه إنما الرز لا .. مش ممكن خالص .. مش هاكل الرز..هه .. بس!). كان بابا يتحدث مع ماما ، ماما سمينة جدا، (كل يوم بتقول حتجيب بيبى وبطنها بتكبر خالص ولو جه ولد حبقى ألاعبه بوكس وحعلمه يلعب بوكس وحنضرب أنا وهو زياد وأخوه الصغير الغلس ده اللى ضرب شهيرة ومقدرتش اعمله حاجة عشان زياد جامد بس انا كان ممكن أضربه المرة اللى فاتت لما كان متعور بس أنا اللى مارضيتش والمرة الجاية حضربه لازم ... لازم!). " يا ولد خلص طبقك بقى .. وبعدين معاك والله حديلك على وشك فى وسط المحل ..كل.. كل".. " طراخ " " أى " ( ايده جامدة قوي ... ايدي بتوجعنى من امبارح يا بابا يا شيخ!.. والشوربة طعمها وحش قوى ... والله ماواكل الرز برضه .. بس !). عاد بابا يتحدث مع ماما ، كان وجهه الكبير الكبير أحمر.. دائما هكذا وهو غضبان ، ورأسه الأصلع أحمر .. (هاء ... هاء بابا راسه بتنور ... هاء ... هاء!). نظر اليه بابا فجأة، عيناه غاضبتان، مد يده الكبيرة الكبيرة وضربه على يده الصغيرة.. "ماتشيلش الفوطه من القميص.. ماحدش يعمل كده". وضع بابا لسامح الفوطه فى القميص ونظر بابا حوله الى ... الى لا أحد ... ثم عاد يحدث ماما .. نظر سامح الى الفوطة فى ضيق: (شكلى صغير كده ... وهو لازم لازم فوطة يعني زى العيال الصغيرين ؟!). ترك الولد الصغير الملعقة، وانتظر طبق اللحم.. (لكن الرز مش حاكله برضه.. مش واكله يعنى مش واكله بس!).. فرح الولد الصغير لان بابا لم يقل له شيئا حين ترك الملعقة .. نظر اليه بابا فجأة، أشار الى طبق الشوربة "خلص الطبق كله".. "يا بابا مش عايز الشوربة وحشة مش بحبها".
كاد الولد الصغير يبكى وهو يمسك بالملعقة ثانية .. لكنه لم يكرر كلمة "مش عايز الشوربة" مرة أخرى لانه لو قالها ثانية فسيجعله بابا ياكل الرز ايضا ..( والرز ده مش ممكن أبدا ... الشوربة زى بعضه).. امسك بابا برجل الولد الصغير وازاحها بقوة : "نزل دى ... ماحدش يحط رجله على الكرسى وهو بياكل ... ماحدش يعمل كده فاهم؟".. (اف بقى! رجلى كانت كويسة كده!) لكن سامح نزل رجله بالطبع لأن بابا بعد ان يشخط مرة واتنين يضرب ، وبابا يده جامدة جدا.
نظر الولد الصغير الى القطة الصغيرة الصغيرة التي كانت تمسح رأسها فى قدم الطفلة الصغيرة الصغيرة في الترابيزة التي أمامه .. (شكلها حلو قوى.. شبه ميس أميرة).. "امسك المعلقة عدل.. ماحدش يمسك المعلقة كده.. هات وشك.. هات وشك هنا حلطشك قلم!" .. "معلش يا بابا خلاص .. هو خلاص حياكل كويس .. ياللا يا سامح .. ياللا .. كل". (كويس ان ماما سكتت بابا كان حيضربنى بالقلم .. اهى بصت وشافتنى بيزعق لى ... كان كويس يعنى يضربنى قدامها وكل الناس بتبص على ؟!).. " ما تشربش مية فى وسط الأكل .. ما حدش يشرب ميه وهو بياكل .. انت يا ولد أنت عايز تنضرب ولا أيه ؟".. ( هى الميه مش زى الشوربة؟! يوه بقى .. عطشان يا بابا يا أخي!!).. نظر الولد الصغير الى بابا وهو يكاد يبكى ، سيبكى فعلا ، هناك دموع ستسقط حالا على خده ، اعاد الولد الصغير رأسه الى الوراء حتى لا تنزل دموعه على خده الصغير ، نظر الى النجفة : (عالية خالص .. ممكن الواحد يركب عليها؟ يطلع فوق كده ازاي؟ ممكن الواحد يركبها ويهزها ويبقى عامل زى سندباد وهو سايب المدينة وراكب السجادة الصغيرة ...فيها حاجات بتطير زى الطيارات الصغيرة اللى بيطيروها فى اسكندرية ... طلعوها ازاى فوق كده ؟؟ ).. "خلص.. خلص.. خلص.." .."طــراخ".. كانت الصفعة قوية على خد الولد الصغير الصغير، امتلأت عيناه بالدموع، سخنتا أذناه ونظر الى طبق الشوربة هربا من عيون الناس الذين نظروا كلهم فجأة إليه.. نظر الى طبق الشوربة وقد شعر انه الآن يكره طبق الشوربة ويكره بابا أيضا، تسلل بنظره اليها، كانت تنظر اليه وهى تأكل قطع اللحم الصغيرة الصغيرة، شعر انها تشفق عليه، رغرغرت الدموع عينيه ففاضت على وجنتيه الصغيرتين وهو ينظر اليها، ابتسم اليها فجأة ثم نظر الى النجفة وفكر: (وممكن اتنين يركبوا عليها ويهزوها زى ما كان بلوتو وتان تان فى الطيارة الصغيرة اللى عملها تان تان وركبوها وهربوا من البلد اللى فيها الشريرين .. ايه ده؟! ايه الاسود اللى فى الشوربة ده؟).. "طـــراخ".. "ماتحطش ايدك فى الطبق يا واد انت.. انت ايه ؟ عايز تتهزأ ؟ تعال هنا.. انت قرفتنى آخر قرف". كانت أذنه ترتج فى يد بابا الكبيرة وفجأة كانت الصفعة مثل حجر كبير صدم وجهه الصغير.. شعر بدموعه الباردة تخفف من حرارة وجهه الملتهب.. "ماحدش يعمل كده.. قلتلك كده ستين مرة.. انت ايه؟ جاى من الشارع؟" .. نظر بابا الى الناس التى نظرت اليه، ثم نظر بسرعة الى الولد الصغير " انت من الصبح وأنت عاوز تتسكع على وشك.. أنا حوريك" .. ضربه بابا على رأسه ووضع الملعقة فى يده "كل.. كل.. كل.. محدش يسيب حاجة فى الطبق.. محدش يعمل كده أنا قلتلك ميت مرة.. صح ولا لأ؟ رد!".
كانت أذن الولد الصغير ترتج فى يد بابا الكبيرة.. وكان بابا يضرب رأس الواد الصغير بين كل رجة وأخرى، نظر سامح الى الناس الذين كانوا ينظرون اليه وصار يبكى بصوت عال.. وكانت البنت الصغيرة تنظر اليه ويداها الصغيرتان على خديها الجميلين، وكان طبق الشوربة آخر شىء ينظر اليه الولد الصغير قبل ان يعود الى البنت الصغيرة ثانية بعينيه الباكيتين تحت الضرب المتلاحق على رأسه ورآها بنصف عينه، حاول ان ينظر الى النجفة الكبيرة ولكنه لم يستطع ولذلك سحب رأسه من يد بابا وأمسك بطبق الشوربة ورفعه عاليا ، وكان آخر شىء سمعه الولد الصغير صرخة ماما العالية "ولد!!".. وصرخة بابا " آاااااااااااى "!!

حكاية الغولة " سفاخ " (من يوميات خلود

أنا معرفوش .. لكنه كان صغير قوى ... وكان ماشى فى الطريق ... " ترك ترك ترك " ... قامت جت مرة واحدة الغولة ومرة واحدة " سفاخ " ... راح مرمى على الأرض عامل " بم " .... وأنا متأـكد إنه كان مش عاوز يقع على الارض مرة واحدة لكن الجاذبية اللى فى عيون الأرض كانت أكبر من المقاومة!!
أنا اسمى سمير ... وأنا فى الحقيقة معرفوش لكنه كان ماشى فى الطريق وكان الطريق واسع " هوووه " .. وكانت كل غولة تعدى تعمل صوت مختلف " باب " .... تات " .... بيب ... "ازززز" " دش" .... وهو كان بيتحنجل وعينيه بتضحك ...إوعى كده لما أوريك ازاي... أهو كده ... أهو كده ... الحنجلة أهه! .. المهم ... ما أطولش عليك لتموت منى ... كان ماشى فى الطريق وكان صغير ... وعينيه علي ... وبتضحك.
جت الغولة و " سفاخ " ... بس ... وقع على الأرض ... وكان فيه دم كتير ... كتير قوى .. وعينيه العسلى اتنطروا بعيد ...ومابقوش بيضحكوا ... اسمه ايه ؟ .. اسمه اسمه.. هو انا اسمى سمير ... وهو كان صغير ... ومدور .... ومتكعور على الأرض مش باين منها ... ومرة واحدة ... اوعى السريع ... فووو ... " سفاخ " .... سفخته ... وفضل مكانه متلقح شويه لحد ما زقلناه الناحية التانية ودفسناه بين التراب!! وجبنا ورق الجرايد .... " فلش " .... "خرفش " ... "خش " .. فردناها كلها .. كل الجرايد عليه ... والمجلات والكتب ... أول ما اتقلب فى مكانه إحنا خدنا ديلنا فى سنانا وخلعنا ... حسيت انه بيبص لى بين الجرايد .. بس لما قربت ... كان ميت فى مكانه.. قمنا رجعنا جرى وقعدنا نتفرج عليه بيموت ... قصدى بعد ما مات ... قصدى كان مات ... هس .... هس ... قعدنا نتفرج على بطنه ... مش عاوزه تتحرك خالص .. وجت ست وقعدت تعيط وتصرخ وتشد شعرها ... طلعت قريبتى ... قريبتى من قريب خالص .. وكل الغيلان كانت واقفة ساعتها .. وكلهم عمالين يطلعوا دخان ... " فروم ... فروم .... فروم ... " فجو " كان فيه لون احمر ... بيخوف الغيلان قوى ... تقف مكانها لما تشوفه والولاد يعدوا بعينيهم العسلى ويروحوا جاريين ويروحوا بعيد و " سفاخ ".. يا قلبي!
يا نهار اسود ... أنا اسمى سمير ... وشفته .. وهو كان صغير ... ودمه خفيف ... شفته بعينيا الاتنين .. صغير ودمه خفيف ... و ... وكان بيحبنى قوى .... وكانت روحه فى ... هو له غيرى ؟ انا جاى أبلغ فى الغيلا ن كلها ... وجاى أبلغ عشان فيه " سفاخ " كتير ... أنا سمير ... ومضايق قوى من الغولة اللى مش أمنا ولا زفت ... وعاوزكم تاخدوها بعيد قوى... يا اما تدونى مكان لوحدى خالص ... يا كلاب .... كل ما أكبر لكم واحد تاخده تاخده الغولة "سفاخ"؟؟!! ... ده التانى !... يا كلاب!! .. أنا سمير .. وهو كان اسمه هشام ..و.. و أنا ما عرفتوش لما الغولة " سفاخ " قلعتله عينيه ورميتهم بعيد جنب الجزمة الجديدة ...
أما بعد ...
قرب وشك شويه يا بيه ...
حقولك اسمه بالكامل ...
هش ... هشام سمير ممد ... قرب وشك يا بيه كمان ... ماتخافش منى ... " سفاخ" "سفاخ" "سفاخ " !!!

هى والتشيلو (من مجموعة يوميات خلّود

كان التشيلو ينسل الى الأذان المصغية .. كان عميقا بلا حدود .. وكانت هى جالسة هناك .. فى ذلك الركن الأنيق .. بشعرها الكستنائي الطويل ... وفستانها الأبيض الطويل ذى الفتحة الطويلة .. وكانت ساقاها الجميلتان الطويلتان تنام إحدهما على الأخرى فى دعة وسلام أبدى.. وكانت أحجار الفيروز تزين أذنيها وصدرها وأصابعها الجميلة .. وكان هو واقفا ينظر اليها بشعره المجعد وشاربه ولحيته المنسدلين على ملامح وجهه الباهته ..
شاهدها تنظر اليه للحظة قبل ان تعود الى متابعة العازف .. تذكر أنها باتت ليلة فى حضنه ذات مرة منذ زمان بعيد.. بعيد جدا.. كانا يومها يجلسان وسط ذلك الجمع بين الأشجار كثيفة الأوراق مرتخية الأفرع.. كانا يتابعان مع ذلك الجمع دقات ذلك الرجل علي الطبول..وكان هو عاري الصدر .. وكانت هي عارية الصدر ..رقصا مع من رقصوا.. تمناها وتمنته... وناما في ركن من الغابة حتي تسلل الضوء الي غفوتهما .. وتذكر انه احبها ليلتها..
نظرت تجاهه مرة اخري وهي ترفع الكاس البرتقالية الي شفتيها ... ثم عادت تتابع التشيللو.. كان التشيللو عميقا.. كهوة بلا قرار.. تذكر انها حملت منه ...وانه اخذها هي والطفل الي مكان بعيد.. وعلي شاطىء البحر اقام ثلاثتهم ... فى البداية كان البحر مخيفا ، ثم صار بعد فترة صديقا.. كانا ينزلان البحر .. ويضحكان .. وكانت هناك شمش ترش الدفء والرؤية .. وكان المكان خاليا.. وهناك عاشا سنوات وسنوات..
نظرت الية ثانية وهى تصفق للعازف بعد الوصلة الاولى .. ثم التفتت عنه الى جارها فى الاريكة الفخمة ذات اللون النبيذى.. تذكر انه حملها وهو يعبر بها جدول الماء .. وكانت محمومة .. أخذها الى القبيلة الأم ...داواها الكاهن ... ثم حملها وعاد بها الى شاطئ البحر عبر الغابة وجدول الماء والاعشاب التى كان عليها تناولها كلما تعبت ثانية ... ولم ينم حتى شفيت ... وحين عادت كما كانت جميلة .. ناما سويا فى احضان بعضهما ليلا طويلا حيث كان القمر عينا مبتسمة فى السماء.. لم يكن هناك برد.. لم يكن هناك برد مثل هذا الذى يحسه الان وهو واقف بينه وبينها زجاج الفيلا.. يبحث عن شىء يأكله فى صندوق القمامة بجواره... خائفا من مجيء الشرطيين الليليين اللذين يصفعانه على قفاه كل ليلة اذا لم ينصرف فور رؤيتهما ... واذا كانا كريمين ولم يأخذاه الى القسم للاشتباه فيه..
حين جاءه ذلك الخاطر نظر اليها نظرة أخيرة قبل أن يستجمع قواه ويشير إليها ساحبا طرف جلبابه القذر بأسنانه تاركا على الزجاج دموعا تخصه وبعض الدماء حول الكسر الذى أحدثه قبل أن يركض حافيا ممزق الشريان فى الكف والقدم.

Sunday, February 25, 2007

يوم الحد الجاى

" لازم تفهموا يا جدعان ان العيال الصيع دى مش حتسيبنا فى حالنا، ماحدش يقولى خايف، محدش ينطق الكلمة دى، خايف من ايه يابنى انت وهو؟ دول صيع صحيح لكن أى كلام، وإذا كنت راجل وتفيت فى وش أتخن من فيهم حينخ زى الجزمة القديمة، دول كلاب ولا يستاهلوا إن الواحد حتى يحطهم فى دماغه لكنهم زودوها قوى، ودى مش حتة أبوهم، لازم نقف قصادهم مرة واحدة وحتشوفوا حيبقوا زى الجزم، لازم يفهموا إننا مش عيال، أصغر من فينا عمره ستاشر سنة يعنى رجالة، وهم دايرين معاكسة وغلاسة وسفالة لازم نديهم فى وشهم يا رجالة".
أول ما خلص عمرو كلامه، بصوله كلهم، وكانوا بيجزوا على سنانهم، يمكن من الحمقة، ويمكن من الخوف، ما حدش يعرف، لكنهم اتفقوا يروحوا يدوهم علقة يوم الحد علشان هم قلوا أدبهم على نيفين أخت طارق وهى مارضيتش تقول عملولها ايه بالضبط بس كانت بتعيط جامد قوي وأول ما عمرو عرف اتجنن. " لازم نضرب الكلاب دول .. لازم نكسر دماغهم " ..
وعنها بعد ما اتفق مع الشلة على يوم الحد قابل واحد من الولاد التانيين وراح ضاربه بالقلم وقال له لو رجالة بصحيح يلموا بعض ويقابلوهم يوم الحد الجاى على ناصية المحل الجديد، لو رجالة بصحيح.
جه يوم الحد، وكان شمس قوى، حر جامد خالص، وراح عمرو الساعة اتناشر حسب الميعاد ووقف واستنى الشلتين شلته وشلتهم وهو طبعا كان محروق منهم قوى، وكان مصمم يضربهم جامد جدا علشان ضايقوا نيفين، ومش مهم انهم اكبر ولا أكتر، "الشجاعة تغلب الكثرة".
فضل مستنى شويه وكل شويه يبص فوق على الشباك اياه ، الشباك كان فاضى وفين وفين لما طلعت نيفين فى الشباك وقعدت تشاور لعمرو وتقوله حاجات مش مفهومة وشاورتله يمشى وشاورتله يطلع وهو مصمم مايمشيش وشاورلها تخش جوه بس هو كان نفسه تفضل واقفة وتتفرج عليهم وهم بيضربوهم وبعدين جت الشلة التانية، ولا واحد جه من شلته، ولا طارق جه، وهم كانوا جامدين خالص وهو مارضيش يجرى، وفضل يحاول معاهم، يحاول يحاول وكان وشه كله دم وهو بيبص على الشباك وكانت نيفين عمالة تعيط..
أنا كنت شايفها وكنت واقف بعيد شوية عمال أهوهو... أهوهو ... لكن زى ماانتى عارفه يا " لايكا " ان "اللولو" اللى زينا ما يقدروش يعملوا حاجة خالص ... وخصوصا لما يكونوا لوحديهم خالص ... خالص ...
===========
(من مجموعة يوميات خلود 1990)

الهوامش

كان شابا رائعا !!!!
كان مولعا بالقراءة الى حد بعيد ، يصرف كل وقته فى استكشاف الكتب التى كان كل كتاب مغلق فيها يشده شدا لا يقاوم كى يفتحه ويعرف ما بداخله، كل كتاب مغلق لغز ... كل كتاب مغلق قضية ، هكذا كان يفكر .
كان يقرأ منذ كان طفلا ولهذا صار مراهقا قارئا وهكذا وجد نفسه شابا يمارس القراءة بانتظام وسلاسة.. ( ولكنه فى الواقع لم يمارس غير القراءة منذ كان طفلا، ولهذا ارتبط بالقراءة اكثر فأكثر ، المهم... المهم..) التحق بكلية الحقوق.. بدأت دراسة القانون تثير حماسته وفضوله ، وفى احدى الأمسيات الباردة من شهرديسمبر كان يدرس مادة تاريخ القانون التى أشعلت فى نفسه الرغبة لمعرفتها أكثر فأكثر ..
انتبه الى شىء لم يكن يقرؤه من قبل فى أى كتاب بل كان لا يفكر فى المرور به مطلقا انه الهامش أسفل الكتاب .
اكتشف أن هذا الهامش مهم للغاية ، للغاية ، لقد وجد أن هناك مراجع يمكنه بها الاستزادة من التعرف على المادة ، كف عن الدراسة وعكف على افراغ كافة الهوامش من كتاب تاريخ القانون فى دفتر على أمل أن يقرأ هذه الكتب فيما بعد .
صارت عادة لديه ان يوجه عينيه الى الهوامش أولا بأول، كانت أحيانا تقابله فى الهوامش أشياء تثير أعصابه من عينة " المرجع المذكور آنفا " ، او التواريخ الكثيرة والارقام التى تملأ الهامش او كلمات المؤلف الجانبية .
هو لا ير يد مثل هذه الجمل الاعتراضية هو يريد الكتب فحسب يريد عناوين الكتب فى الهامش لكى يعرف اكثر عن نفس الموضوع .. انها متعة !!
بدأ اهتمامه بالهامش يتزايد عاما بعد عام ، حين أنهى دراسته الحقوقية صار يمتلك سبعة دفاتر كاملة ملأى بعناوين مراجع محلية ، أجنبية فى مختلف فروع القانون ، الاقتصاد والتاريخ والاجتماع و ... و ... و ... ( المواضيع تتشابك ) وكان قد قرأ بعضا منها ولازال أغلبها مقيدا كعناوين فى "دفتر الهوامش" كما كان يسميه ( المواضيع تنبع من الموضوع الواحد تتفرع وتتشابك تتباعد وتتلاصق تصير شجرة المواضيع كبيرة كبيرة ).
أراد استكمال الدراسة ، عليه الآن الحصول على دبلومين يوازيان درجة الماجستير، ولذلك، فقد قرر فى هذه الفترة – من بعد ان كابد مصاعب كثيرة بخصوص مسألة كثرة المراجع بين يديه- قرر ان يكتفى بالقليل من المراجع حتى يتمكن من الانجاز فى الوقت المتاح ( حسبما نصحوه !) .
بدأ يعانى من أنه كثيرا ما يضبط عينيه تتسللان من أعلى الصفحات بمجرد قلبها الى الهوامش ( رغما عنه وعنها ) كان يصرف فى اليوم الواحد حوالى 15 ساعة فى القراءة .. استقر فى المنزل ( طبعا ) صرف النظر عن التمرين فى مكتب محاماة لقد اكتشف رسالته ! لن يكون محاميا جيدا فهو يشعر فى نفسه مشروع فقيه قانونى متميز .
اقترب موعد الامتحان ، بدأ يعانى من عدم التركيز ... فهو يركز بداية فى المادة ثم يركز فى منع نفسه من النزول الى الهامش وتدوين مراجعه ، ثم يركز فى صرف انتباهه عن الهامش ، ثم فى عدم الانصياع لقرار تدوين المراجع ، ثم فى تأجيل القرار إلى أن ينتهى من تفريغ هذا الهامش فقط !!
هذه هى الفعلة الرائدة التى سيمنع بها عينيه من التجول فى أرجاء الصفحة ، ورق لاصق بلون داكن لتغطية كل الهوامش!
استراح كثيرا بعد ذلك حى انتهى الامتحان . بعد حصوله على الدبلوم ، أخرج كل الكتب المشمعة هوامشها محاولا تنحية اللاصق جانبا مما أفسد ورق الكتب كليا ، ولذلك كان عليه ان يشترى من جديد كل الكتب التى عكف على دراستها فى العام الذى انتهى ليمارس هوايته من جديد ... تفريغ الهوامش .
مده والده بمبلغ ضخم لكى يتزوج ، ولكنه لم يتزوج فى الحقيقة لقد كانت فى ذهنه فكرة ثانية.. يجب شراء كافة المراجع المدونة فى دفاتر الهوامش .
استطاع بالفعل الحصول على 80% من الكتب اللازمة ، الباقى كان كتبا أجنبية بعث الى أقاربه فى الخارج بعناوينها ( بما تبقى من المال لديه !!) زادت ساعات القراءة الى 20 ساعة يوميا ، نقص عدد ساعات النوم .
اكتشف اكتشافا مذهلا ... لا مناص من الرجوع الى المراجع التى تقبع عناوينها فى أسفل صفحات الكتب التى اشتراها حديثا ( وقد كانت من قبل مراجع ) .
عاد من جديد الى تفريغ الهوامش !!
لم يتمكن فى العام التالى من تكرار وضع اللاصق الذى يفسد الورق ، لكنه استطاع بعد عناء بالغ تكثيف قراءاته وحصرها فى مواد الدرس حتى حصل على الدبلوم الثانى .
بدأ يستعد لدرجة الدكتوراة كان فى منتهى السعادة وهو يشعر بأن أمامه متسعا من الوقت ليقرأ فيه كل المراجع التى أحضرها والمراجع التى سوف يحضرها ، اشترى مراجع أخرى ، لم يحدد حتى تلك اللحظة موضوع رسالته .
( ألوف المواضيع تطرح مواضيع أخرى فى الرأس ... تتطاير الأفكار الأخرى فى الرأس ... تلتمّ وتتفجر مواضيع أخرى .. ) كان كل كتاب يحيله الى كتب أخرى .
أراد أن يخوض حربا مع الهوامش ، يحصر موضوعا ويتابعه فى كل مراجعه ، المراجع كثيرة كل منها يشير الى كتب اخرى كثيرة ... دائرة مغلقة .. غاية فى الاتساع !
توفى والده بعد خمس سنوات ظل يحاول فيها أن يكتب حرفا دون جدوى ، كل الوقت تبلعه القراءة ... ( 21 ساعة ونصف ) بصره يضعف وعيناه تخوران .. صار نحيفا بشكل مرعب ... عظمات وجهه برزت بفضول.. اضطر الى العمل بعد وفاة والـــده (لا مورد ) كان حزينا مع نزوله الى العمل ( لا مناص ) .
يعود ليلا فيقرأ حتى ينزل عمله فى الصباح ( ينام حين يتذكر ) ، ولكنه ما عاد يقوى على متابعة الهوامش ، صارت تستفزه تحطم أعصابه ، كل كتاب يصور فى وجهه كتابا آخر وكتابين وألف كتاب ... أين نهاية المواضيع ؟
( الموضوع ممتد فى عينيه ، لا أول له ولا آخر )
حدث حدث هام فى حياته بعد عام من العمل ، مات عمه الثرى ، ورث ثروة ضخمة الى حد ما لذا استقر من جديد فى المنزل وعاد للقراءة لرسالته ، ولمواضيعه المطروحة.
بعد ثلاث سنوات ، صارت الهوامش هدف الكتاب ، صار يشترى الكتاب ويفتحه ولا يغلقه أبدا ولكن يقفز الى أول مرجع يشير اليه الكتاب يفتح المرجع ويتابع القفز الى مرجع جديد ( يصر على تتبع الموضوع ... من أوله ! ) صارت الكتب تملأ جدران المنزل ، صار المنزل .. سريرا ومكتبا ومقعدا وكتبا !!
أصيب بداء فى عينيه منع على أثره من القراءة لفترة طويلة ، ولذلك صار يدفع بعض المال ليستأجر طالبا فقيرا يدرس القانون لكى يقرأ له ... وكان دائم التأكيد عليه على أهمية الهوامش ... وكان الطالب مطالبا بقراءة كل ما فى الهامش بعناية ... ( الولد يعانى ) ...
عاد بعد شفاء عينيه من جديد الى موضوعه القديم ( رسالة الدكتوراة ) .
لقد قرأ الكثير جدا من الكتب منذ حصل على معادل الماجستير منذ خمسة وعشرون عاما ، ولم يكتب حرفا واحدا بعد ، كان يشعر دائما ان الأمانة تقتضى منه أن يقرأ ... ويقرأ وأن يلم بكل شىء .. كل شىء .. كل شىء .
============
(من مجموعة يوميات خلود 1990)

قصــة مكنسة

هو يكتب الشعر ، له عشرون عاما يطرح أعماله الشعرية فى الأسواق ، وهو – وان كانت شهرته ضعيفة ، إلا أنه احيانا ما يكتفى بالقلة التى تعرفه ، ( أحيانا يتوقع انها ماضية الى النقصان ) يجلس فى حجرة مكتبه المتواضعة فى حيه المتواضع ، يمسك ورقة وقلما ويشرع فى الكتابة .
( نظرة جانبية )
الغرفة .. بسرعة .. مكونة من مكتب متواضع ، مكتبة من نفس اللون ترتص فوق صفوفها كتب كثيرة ، وهى كتب تعد فى نظر المثقفين ثمينة ، فراش متواضع ، لون الجدران مصفر .. تزداد صفرته وضوحا فى الأركان الثمانية ( التى يلتقى كل ركنين منها فى ركن واحد لتأخذ الغرفة فى النهاية أبعادها الأربعة .. ما علينا ) فى نقاط الالتقاء بين الجدران هذه تظهر بدايات أعشاش عنكبوتية .. الأوراق مبعثرة فوق الفراش ، مرتب بعضها ومطوي بعضها بشكل غير عمد ( وهكذا ... ) .
( انتهت النظرة الجانبية )
هو يشرع فى الكتابة .. يتردد للحظة ، يظهر على وجهه تفكير عميق ، تردد ، عدم حسم لمسألة ما ، تقطيب حاجبين ، محاولة للتذكر ، فشل فى المحاولة ، محاولة أخرى ، فشل آخر اكثر وضوحا ، نهوض وتوجه الى المكتبه المعلقة على الحائط .
( تفسير جانبى )
( تردد فى مفتتح القصيد ، بيت راوده ، وظن للحظة انه قرأه فيما قبل ، ربما كتبه من قبل ، ولما لم يتأكد لديه أحد الظنين نهض ليراجع ذلك على الطبيعة ) .
( انتهى التفسير الجانبى )
يخرج ديوان شعر ، يفتحه ، يقلب بين صفحاته ... ما هذا؟ ( قالها لنفسه .. ثمة أصوات هامسة تنبعث من مكان ما بجواره .. ما هذا ؟ ( قالها لنفسه ) شرع يبحث ويسترق السمع ... ملامحه عصبيه وحائرة ... هناك أصوات أناس تتهامس بقربه .. اللعنة .. (قالها علنا ) .. هناك أصوات تخرج من المكتبة!!
طوى الكتاب وعيناه مشدودتان الى الكتب ... أذناه كادتا ان تزداد طولا ( كناية عن شدة الانتباه) ... انها حقيقة .. الكتب تصدر أصواتا آدمية هامسة !!! ربما ازداد الهمس ارتفاعا .. وربما هو الذى كثف انتباهه فوق العادة .. المهم ان هناك الآن وضوحا فى السمع .
كانت الكتب فى بداية الأمر تفرغ ما فى جوفها من كلام .. اصوات متداخلة تتلو بيانات وتحاضر وتلقى شعرا معا ، فى اللحظات التالية ، بدأت بعض الأصوات تتمايز.. ثََمّ صوت نسائى ، صوت كهل ، أصوات صبية ، لكنات قديمة ، لهجات تطورت وصارت لغات منذ زمن ، الأصوات تتمايز أكثر فأكثر .. " أنا امرأة أيها الوغد ، لا تعاملنى هكذا " بمجرد ان التفت إلى السيدة التى صرخت فى أقصى يسار المكتبة من مسرحية ، هاجمه الصوت الآخر فى أقصى اليمين قادما من قاموس Freedom" = حرية " وتوالت الأصوات ... " لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى .... "
" لو كنا نبحث عن شىء نجهله ، فكيف نتعرف عليه ان قابلناه ..... "
" أكائن أنا أم غير كائن ؟ " . الحرية التزام ... " " .... وليس فى أن نحنى رؤوسنا لطاغية ما .. " " كان الكسندر ديمتريتش ... " " ... قردا ثم تطور عبر ...... " سقوط الحضارة يعنى ببساطة أن.. " " وإذ قال ربك للملائكة اسجدوا لأدم.." " .. وجراح يسوع المسيح.."
******
تطور الأمر فى سرعة رهيبة ، اشتبكت الأصوات وتورطت فى مناقشات حامية ، كان كارل ماركس بصوته الغليظ فى أعلى الأرفف مصطدما بجاره الغزالى ، وكان نيتشه فى أول الأرفف التى تقابلها لدى دخولك من حجرة المكتب يوبخ فى متى القابع فى انجيله فى الطابق الثاني ، وكان ثم خلاف فى الرأى واضح بين القواميس المختلفة فى ثالث رف لليسار بدأ بين قاموس اللاتينية وقاموس الانجليزية ، وازداد الأمر سوءا بتدخل القاموس الفرنسى والمعجم العربى . وظهر أن رمبو قد بدأ فى جناح الشعر الفرنسى يتلو احدى قصائده المجنونة فى حين كان بودلير يزيد صوته قوة ووضوحا كى يفسح لأشعاره المجال ، مما جعل صوت لامارتين الناعم يخرج عاليا جدا خاليا من نعومته المعتادة .
( نظرة جانبية )
عيناه ازدادتا اتساعا ، أذناه زادتا بالفعل طولا ..
( عودة )
المناقشات تحتد ، الأصوات تتداخل اكثر ، البيانات يزيد وقعها اصرارا ، القصائد تتعالى أصوات رواتها .. لا سبيل الى التناغم .. يكاد يجن ... يسمع ضحكات ساخرة .. تصدر الآراء حين ارتطامها ببعضها أصواتا غريبة .. والمفاهيم لدى تجمعها تتنافر وتتشتت .. الجمل الاستفهامية يقطعها تقرير تعطله جملة تعجبية ... عصبية الاداء ... والصوت الغليظ لدى التقائه بالصوت الحاد يصدران نشازا يحلق فى أعماق أذنيه .
بدأ الآن يدرك المسألة ( وليس بالضرورة يعقلها ) ، توجه الى أعماله التى ترتص جوار بعضها فى ركن خاص بها كتب هو عليه دون سواه من الأرفف " كتب للكاتب " ، وضع اذنه ليسمع كلامه ، لم يستطع فى البداية أن يميز صوته الخاص بسبب الازعاج الذى ينبعث من سائر أركان المكتبة ... حين كثف سمعه لم يسمع شيئا يخرج من كتبه ، كتبه هى الوحيدة التى لا تصدر صوتا .. يركز أكثر ... كتبه هى الوحيدة التى لا تصدر صوتا .
برهة / الوقت / الطويلة التى مرت بعد ذلك كانت فترة احتضار للكلمات .. أفرغت الكتب ما فى جوفها ... بدأ صوتها ضعيفا ، فمهيضا ، فخافتا ، فهامسا ، فمتحشرجا ، فمختنقا فى وداعة ، فشاحبا ، فمتعذرا سماعه.. فصمت.
ترددت فى الفراغ أعلى الحجرة الأصداء النهائية للأصوات ... ثم برهة صمت .. الآن .... تسقط الحروف من الكتب وتستلقي على الأرض فى أشكال سريالية ، نزفت كتبه حروفها مثل الأخريات .. لحظات .... ثم انطوت الكتب على ذاتها للداخل بعض الشىء ... فذبول ... فجفاف ... فرقاد ...
ينظر الى الحروف المتناثرة على أرضية الحجرة ، يشرع فى التقاطها ... القاها ممددة فى موت ... يتوجه الى مطبخه المتواضع يعود بمكنسته المتواضعه يكنس الحروف .. يكنس الحروف .. يكنس الحروف .
***
له الآن عشر سنوات ، وهو ينهض فى الصباح الباكر فى لباس نومه غير النظيف، يحك لحيته مرتين .. يمسك بالمكنسة التى ظلت ممدة بجواره على فراشه طوال الليل.. ويبدأ عمله كالمعتاد..
انه النزيل الوحيد هنا الذى يكنس المصحة كلها بارادته ، ودائما يشكو من أن بعض الحروف قد تناثرت فى الأركان هنا أوهناك.
============
(من مجموعة يوميات خلود 1990)