Sunday, January 05, 2014

ذات يوم

ذات يوم بعيد..
ذات يوم.. قريب

معكم كل الحق في جميع ما تفعلون.. بنا
لا ألومكم أنا..
(وهل ألوم الشحم على غبائه الثقيل؟
هل ألوم عائق الطريق أو مخلفات المنتجع؟
هل ألوم حتى النفاية النووية إذ تُدس في أراضي الفقراء؟)
معكم كل الحق طبعا..
يا نفاية البشرية!
---------------
من ذا الذي يجد الدلال فيزهد في المزيد؟
من ذا يحاط بالحَوَش المنافقين.. فيطلب الحقيقة؟
من الذي يولد في حِجْر ملكة لعوب وجلاد مفتول..
ثم يسأل في براءة مقززة:
ما سر تلك الرائحة النجسة يا ترى؟!
---------------
معكم الحق يا أولاد الذين..
(لا هم آمنوا ولا مرروا الرحمة من نوافذ السماء)
لو كان في طريقكم حواجز.. موانع.. أي حجر
لو قام في وجوهكم شاربٌ حازمٌ.. أو طرحة مهابة
لكنكم.. تتسكعون على خدودنا
تجربون أحدث الصفعات والصيحات 
تطبلون على هذا القفا وذلك القفا الشبيه
تلعبون وتضحكون.. على خريطة عمرنا
ونحن..
يسفك العبد منا دماء أخيه..
في حلقة مفرغة
--------------
معكم كل الحق.. ولكن انتبهوا!
من هذه الحلقة جاء سيدي الأصلي
استعبدوه أسلافكم فلم يستأصلوا النخوة الفطرية
ولا خدشوا سليقة الرجال في الأصلاب
استقدموه من بلاد الشرق حتى..
يسعد المقصورة المخمورة المترنحة
فيقتل العبيد والوحوش في صراع أجوف
إلى أن يموت ذات نهار دموي
مثل بقية كل هذه الكلاب البشرية
سيدي الأصلي..
سيدي الحقيقى..
لا سيد لي غيره
هو ذلك البطل الملقب بيننا..
بأمير العبيد
المُحَرِّر
الملحمة التي مشت يوما على قدمين
لا لم يكن أسطورة..
كان من لحم ودم.. وكرامة أولا
لا ليس أسطورة!
بل.. محطم الأساطير القيصرية
سيدي.. سيد المستعبدين
(ليس المستعبد كالعبد
ليس المهزوم قابضا على سيفه
كمن تمرغ في تراب الخنوع)
سيدنا
ليس لنا غيره من أب..
وهو ابننا كلنا..
أمير العبيد..
محررنا..
سبارتاكورس المعظم
--------------------
منذ أتى جائعاً مسلسلاً.. يتفكر في مفر
كان يأكل معنا أقل القليل
فلم يستحل طعام المذلة فى جوفه النبي
صامتا كان..
تتكلم عيناه بما في صدورنا جميعا
شاردا.. نحسبه يتأسى..
بينما كان يقرأ فى الغيم نصا خفيا
متوسط القامة معتدل العضلات يغري المنافس العنتيل
ساكناً يبقى.. كالشجر
لا يبادر بالهجمات أبدا
وحين يطمع المنافس في سكونه الطويل
ما إن يشرع..
ما إن يرفع أحد كعبيه للحظة..
حتى ينقض سيدى عليه بغتة ً كالدهر
يحول الفيضان عكس جموحه
يتخذ من غروره ثغرة..
ويسلمه في ثقة لأديم خشن  
فإذا انتهى منه طريحاً.. عاد ساكناً
كأن نسمة من الهواء داعبت شعر نخلة
وانتهى!
شاردا في غوامض تخصه
مترفعاً على صيحات المدرجات..
وتشجيع المقصورة المومسة
كان يرحم المنافسين قدر طاقته
لا يستجيب للطلبات الدموية من حلوق الأوساخ
(العب به قليلا مثل قط
يقيم حفل سمر صغير على جربوع)
كان يرحمهم..
يخطف النور من أجسادهم سريعا
يودعهم بشرف
يصاحب وحيه السري عادة
لكنه يقابل الجميع بابتسامة رزينة
على الكل يلقي التحية.. لا ينتظر الرد
رقيقاً مع كل جارية.. لا يتطفل على الوصال
لا يفرضه مطلقا
ولا طبعا.. يتسوله
بعينيه يفرز الحراس.. حسب ضمائرهم
يرمق الخنازير في المقصورة وكأنه..
يعد لهم قائمة مطولة بالسيئات!
-----------------
ذات ليلة..
قذفوا بالطعام لنا
غدا.. سنقتل بعضنا
والآن نأكل.. كالجراء حول ضرع أمها
لسيدي نظرت..
كان وقتها مجرد الزميل
لأميرنا الذي لم يكن وقتها غير عبد..
(عبد ولا عبد..
متفرد بيننا بلا شبيه)
سبارتاكوس! ما بك؟
أراك تأكل مثلنا الذلة؟
جائع أم سئمت الكِبر؟
أم.. تمضغ الوساوس وسط الفتات؟
سرت لحظةٌ من عدم
ثم همست حائرا:
أنموت غدا؟
رفع العظيم رأسه الحر باسما وقال:
غدا أخي..
لن يموت عبيد
ظننته يهذي.. هكذا الحكماء حينا
(بالذات من نواحي بلاده في الشرق)
لم أذق الزاد مكتئبا
هؤلاء الذين يقاسمونني اللقمة الآن
هؤلاء الذين لي بينهم من أعز علي من أهلي
هؤلاء هم الأعداء غدا!
(وأنا.. ما أنا؟ من أنا؟؟
مجرد ظل كريه لكائن عبثي..
يلحس التراب في اشتهاء لسراب..
اسمه.. يوم جديد!
ألهذا أعيش؟
أهذا أنا؟؟)
 كدت أفرغ جوفي وأنهار باكياً
تمنيت أن أفقد الفهم.. أو النطق
أن تضربني نوبة النكوص للطفولة مثلما
جرى يوماً مع الشاب الجبان ذي البشرة الملساء
يومها ضحكنا كلنا عليه..
إلا سيدي المعظم
تأمله صامتاً محايد القسمات والوقفة
ثم صاح فجأة كالرعد.. أخرس الجميع
وبلغته الأصلية قال شيئا للسماء
(كيف للدموع في عينيه أن تتحجر هكذا
لا تنساب ولا تتراجع
كنبع بعيد تجمد
في انتظار الربيع)
ثم غادر المكان مثل عاصفة تنصرف
هل يفهم أحد ماذا قال سبارتاكوس؟
قال واحد منا: أنا من بلاده
ما قاله ليس أكثر من شعر قديم
معناه بالتقريب:
(لا يموت المرء مرتين لكنه..
يعيش مرتين!
مرة تسرق منه حياته
وهذا موت.. كالبهائم
ومرة إذا استردها
فيعيش خالد الذكرى والأثر
المجد للذي ينفحنا بالمدد
فيزين من عُلاه ومن باطن المرء منا
نعيم النخوة في فردوس الشرف
على حياة الذباب المتكالب)
حط الكلام علينا.. ثم حط السكون
انفضضنا عن الشاب الذي ارتد طفلا
 وانزوينا فى العنابر نطلب نوماً لا يحنّ!
-------------------
ماذا فعل سبارتاكوس كي نسير وراءه
ونمنحه ألقابه الوارفة من أعماقنا الناضبات؟
برافو!
أخيرا سألتم سؤالا نبيها!
جيم..
منذ جاء..
كل يوم.. وكل ليلة..
يتجول بين العبيد
هو الذي كان أول من لقَّبنا بالأشقاء
يمازح الجميع ثم يختلي بواحد.. ويهمس
وبعد ساعة يقومان.. دونما اتفاق!
انتظرت أن يفعل نفس الشيء معي..
انتظرت طويلا
(كدت أظنه لا يبادلني ثقة واحتراما!)
وذات يوم بعيد..
وقت راحة دموية طازجة:
كنت شاردا في فراغ
ففاجأني هامسا:
أرأيت يا أخي المصارع الذي..
أسلمني –له الشرف كله- عمره؟
قلت: أيهم؟ قد حصدتَ عبيداً كثيرا
أنت ماحق يا رجل!
أتعشم ألا أصارعك أبدا
ذات أي يوم!
وضحكت في سماجة العبد اليائس
(موتي كحياتي وحياتي كالموت
انتصاري عابر كالبعوضة
وأنفي في التراب مستقر)
فقال فى تواضع.. دون زهو أو أسى:
الأخير
قلت: ذلك المارد الأسمر
قال: نعم.. ذلك الوافد الحديث
جاء من إفريقيا عريسا جديدا
تناوبوا على عروسه أمام ناظريه
وفي النهاية شطروها نصفين
صرخ الليل كله في قيوده
حتى فقد الصوت بعدما..
فقد العروس دافنا معها..
جوهر الرجولة.. لا نثارها البخس
(ذلك الذي في متناول الجميع)
أحضروه هنا.. جائعا للموت
كان يقدر على قتلى.. في لحظتين
مرة حينما انزلقت أول المصارعة
(أرض الحلبة غادرة كالبحر
ليس لها كبير)
ومرة حينما انقشعت الغيمة فجأة
فاخترقت الشمس عينيّ
لكنه كان يطلب الموت له وليس لي
لولا المذلة لم أكن أنا قاتله!
نظر في الأرض طويلا..
ثم ركل صحن الطعام
(عظم المذبوح يبرك على لحمه
والخبز يزاحم الأرز في تناحة!)
وقام ناظرا إلى الفتحة العالية
وكالأطفال خبأ وجهه فى الجدار..
وبكى!!
أويبكي سبارتاكوس؟
يبكي.. مثلنا؟؟
يبكي.. نعم
 مثلنا؟ لا
يبكي عن كبرياء!
لا عن عدم)

وجاء الصباح..
ذات يوم بعيد
تثاءب الغدر ومطت الخساسة عودها
وتيقظ الذل فينا متشحا بالنداء
وقفنا الذكر منا كفرخ البط سواء
وبالطبول شكلنا الصفوف كالنمل
وعلى زعقة أكبر الحراس خرجنا للحلبة
مثل قطيع من تيوس
انتظرنا طلة القيصر والعشيرة والهيلمان
ضجت المدرجات بالتحية والنفاق لسيدهم
سيد أسيادهم ليس سيدا علي
قيصر
بكرشه المخنث والثديين المتهدلين
بتفاحته العطنة التي يقضمها ببلادة
أشار لنا أكبر الحراس بالفروض الواجبة
مكرهين رفعنا السلاح..كالأفيال فى السيرك
ثم أنزلناه كارهين ذواتنا الحشرية!
نزلت الأسنة وارتخت السيوف كلها
غير نصل وحيد تجلى في الظهيرة
وقبل أن أرمش كي أتوثق مما رأيت..
قطف النصل البراق هامة أكبر الحراس!
وقبلما يغلق القيصر بالوعة الدهشة في وجهه الطري المنتوف
وقبلما تشهق العاهرات حوله مغشيا عليهن
قبلما نعي نحن أصلا ما وقع فى حضننا
كان نمرنا الرشيق ينحر الحراس صارخا بنا:
ثورا معي.. تمردوا.. لا تنصتوا لخوفكم
قاوموا جبنكم قاتلوا رعبكم.. اقتلوا ذلكم!
انفتحت الأبواب فصبت موتنا حرساً وعساكر
هنا انتبهنا..
لنداء من حشانا استجبنا
انبثق الدم حارا في عروقنا بعد طول برودة
في مضيق اللحظة الخانقة مررنا
فعبرنا
لاتساع أبدي..
كالولادة!
كالبعث!!

قاتلت مثلما لم أقاتل يوما قبلها
وجدتني أردد كلماته كأنني قائلها
(لا يموت المرء مرتين لكنه..
يعيش مرتين)
كنا نقاتل وفق خطة لم نخططها
مطلقا!
هجمنا على المهاجمين قبل أن يهاجموا
عند الأبواب حشرناهم..
نحرنا الطليعة منهم
سحقنا الرجولة فيهم
وكما نقول نحن فى المصارعة
ركبنا الحلبة
(كالليث يعفق اللبؤة)
أصبح الفعل منا..
والاستقبال عليهم.. والتلوي
تركنا لهم التخبط بين الذعر والتشتت
عم الهياج في المدرجات والتخبط
(كالقطيع يتقافز حد هجمة التمساح
القطيع الذي كان الحمار المخطط منه..
يدفس الرأس في إست زميله
ليزاحمه الارتشاف من ماء قذر)
أحلم أم حقيقة؟ هل أنا أم خيالي؟!
وجدت ضابطاً قيصرياً أمامي..
(كدجاجة وسط أنجر من الخضر)
راهنت نفسي.. كي أفيق من حيرتي
(حلم؟ خيال؟ أنا؟
ضربة أم ضربتان يا فتى..
لكي تريح الوغد من بطيخته العفنة.. فوق عنقه؟)
فساعدني الغبي حين سبني بأمي
وبضربة فصلتها..
وكسبت الرهان
---------------------
مقصورة النجاسة تشغي بالنمل المتخبط
لولا ارتعاشة الركب لاتخذوا مهربا
قفز العظيم –سيدنا عن جدارة-
تجاوز الأسوار والمظالم
وراح يرفع الخنازير من كشف الأحياء
لمحته..
كنت مندمجا مع الأشقاء أنا
انتزعنا أحد العواميد التي لطالما
مررنا من أمامها صغاراً تافهين
من الذي وجه السفينة الهائجة؟
سؤال نبيه آخر.. برافو!
(أحب أن يسأل الأرستقراط عن التفاصيل..
محاولين خنق جبنهم
فاستمتعوا بالكمين!)
جيم
كلنا كنا الجواب
الربان والشراع وأخشاب السفينة.. كنا
دون اتفاق استهدفنا أكبر الأبواب
وفي خطوة واحدة صرنا نرتد وننقض
كرقصة القبيلة فى غابات الحبشة
همست إليه في سري
(في ثقة من تراسلنا بالنوايا
مع الرفاق المصارعين.. الصرعى)
باسمك أيها العريس الأسمر المغدور
باسم كل من مات منا هنا
سنقلع أكبر الأبواب..
أصعبها جميعا
هيلا.. هيلا..
قولوا معى هيا
قال الرجال: هيلا هيلا.. فانتشوا
فكان نور.. وهواء.. ورضا
وعرفت تلك اللحظة..
ما دموع الفرح!
ذات يوم بعيد
---------------
أعظم الشجرات أنتِ
مباركة إذ استندتَ عليها
لكِ المجد كله أيتها الوارفة
السلام والبركة على ظلك الحنون
بأعذب ابتسامة قال:
لا يا أخي
لست ملكا ولا سأكون إلا شقيقا
كنا جميعا حوله..كجيش عمره يومان
بعيدين عن معقل الكراهية –روما- مسيرة يوم
قال الجميع: أنت الملك
ونحن جندك المخلصون
نحن جيشك من عبيد تحرروا على يديك
ونساء لم يكن لهن قبلك أسماء أو أوجه
قال وقلنا إلى أن وصلنا لحل وسط
فقال ضاحكا في حياء نبيل:
أمير العبيد لا بأس لكن بشرط
حين نسحق قيصر والقصر والقيصرية
ونحرر كل عبد وجارية..
وشعب..
فيسترد الخلق الشرف المسلوب من آبائهم
ونرشق فى الأرض ناموس الأخوة..
حينها..
تسقطون عني اللقب
حيا كنت أو ميتا يومها كرموني
بلقب واحد تزرعونه فوق قبري
لقب مثل:
أخ بكريّ..
تقدم الصفوف تنفيذا لوصية
ثم ضحك فأضحكنا
قاصدا أن يغلق انبهار أفواهنا المفتوحة في بلاهة
وانشرحنا كلنا.. نحن والأمير والشجرة الحنون
والطير والسماء الصافية والأجنة في الأرحام
قال: هيا ابحثوا الآن عن طعام
سيأكل الأطفال أولا ثم النساء ثم نحن
وبعدها امرحوا دون خمر ولا..
وأشاح بيديه ضاحكا ففهمنا ضاحكين
اصبروا قليلا.. وقريبا نصر واحتفال
وعندها تستمعون بالنبيذ والحب
حين تشربون من أقداح أسيادكم
وتمارسون الحب ممزوجاً بكبرياء ومجد
ذات يوم قريب
حين يأتي الليل ناموا بعمق كالموتى
غدا نرى الصعاب الأشد استعدوا لها
غدا نسير في شعاب تحوي مغلقات القدر
تفرق الجمع..كنت خائر القوى
ألقيت رأسي على وساد من حطب
فرأيت قمرا محررا يبتسم
ونجوما تتسامر وقد نجت من سبي
أيقظتني النسائم لكن قمت مفزوعا
هل كان حلما.. هل أنا ميت؟
ياه! بل هو يوم جديد..
أخيرا!
(يوميات العبد لا تجديد فيها
لكنني الآن لست بعبد..
ولا بميت أنا
أنا.. هنا!
بعد فقد التقيت بي!)
تسلق السيد جانبا من الشجرة المباركة
وحين صار واضحا للكل صاح بنا:
أيها الأشقاء..
يا رفاق الكرامة هيلا
فقلنا وراءه في عزة: هيلا هيلا
صاح في حسم البراكين والزلازل
فطيّر الهواء كلماته فينا كالعاصفة:
من الأشياء ما إن لفظته.. لا تلحسه
من الخطوات ما إن خطوت.. فلا تنمحي
بالأمس ثرنا.. ليس هذا غريبا
تثور الكائنات كلها.. نحن منها
بلغنا نقطة الغليان.. انفجرنا..
ولكن..
(سكتة كالدهر ثم..)
هل بلغنا المراد إذ هربنا؟
هل أصبنا من المجد شيئاً؟
جمعنا فى مسيرنا العبيد والإماء نعم
لكننا تركنا الظلم وسط جيشه حصينا
ثار قبلنا العبيد مرات.. فأين هم؟
هل استقامت الموازين؟ هل زال العبث؟
فصحنا دون اتفاق بيننا: هيلا!
قال: نعم.. هيلا هيلا
أول الحرية ألا نعيش هاربين منهم.. ومنها
أن ننزع احترامنا بالسيف من عيونهم
هيلا هيلا
هيلا هيلا
أول الحرية أن نحبها لغيرنا من المستعبدين
وأن نقيم راية الحرية..
نجعلها أم القوانين
هيلا هيلا
أول الحرية فينا..
لا نسأل أحداً خيرها
أول الحرية ألا نقبل في الأرض غيرها
هيلا هيلا
سنضرب غطرسة القيصر..
سنقطع نسل القصور
سنأسر روما..
نحرر الأشقاء..
وكما يفعص النسر بيض حمام مبطرخ..
سنسحق جيش الأساطير!
سكتنا..
بهتنا..
انخرسنا كما يسلم العبد روحه في الحلبة
بعد طول فرفرة!
نظر في عيني كل منا في نظرة واحدة!
نظر في أعماق أعماقنا
كأنه والد ليتامى
ثم أرعبنا حين صاح بنا:
هل الدنس هنا؟؟
هل حضر الشيطان بيننا؟
ثم همس من قاعه فسمعناه رغم الفحيح البعيد..
إياكم والخوف..
فهو نصف الهزيمة!
لا تقلقوا من جنود بلا قضية
جيش قيصر أكثرنا ذلا وعبودية
كبار قادته أصبحوا ديوكا منتفخة
على عشة تخلو من منافس
خربت أرواحهم من زمان بعيد
منذ أن خلطوا التجارة بالحكم
فأهدروا الشرف العسكري الذي توارثوه..
حين كان أسلافهم يحاربون وراء حلم
كان لكل شيء معنى.. حتى الظلم!
كانت الراية روما..
كان لحن يهز الجميع
كان -ياما كان- واحدهم مؤمنا ببقيته لا بإرثهم
ملتحما بعزوته -كعائلة حول رضيع-
حول وهم بديع!
الآن ماذا؟
يحارب القادة للمغانم والأسلاب..
لكنما الجنود المستعبدون..
لماذا.. لمن يحاربون؟
أنتم الفائزون غدا
فتغنوا بعمر سيصفو
ومأدبة للضحايا
ستجنون ما تزرعون..
فهيا أروني اشتياق الربى للبراعم
الآن هيا..
هيلا هيلا
فصحنا وراءه.. من رمل آبارنا الذليلة المحرومة
لم أسر مسرعاً مثل ذلك اليوم قط
استهنت باحتمال صَلبي قدر ما سطع الهدف 
وعلى باب عقلي المتطاير المشبوب..
أقمت دورية حازمة..
تقتل احتمال الهزيمة كلما اقترب
----------------------
 تسابقت الأنباء
ازدهرت بالخيال.. وزينت بالتمني
حذرنا البعض من ضربة في الطريق
أوصد الجبناء أبوابهم دوننا
وانشقت الأرض عن معادنها النفيسة
عن شباب وصبية يغنون: هيلا هيلا
تفتق الزمان عن مكامنه..صبّاراً و شهداً
يكبر الجيش..
(لا يهم العدد..
يكبر الحلم..
هذا يهم)
تتقوى الأكف ببعضها يوما بعد يوم
تكبر الحلقات مساء وتنمو فروع المشاورة
وخلال بضع من أيام.. وقبلما نلتقي جيش روما
كنت قد عرفت بعض المنطق من أشقاء جريج
ورسمت أول خارطة في حياتي
ناهيك عن إجادة الطعان باليسار كاليمين 
وطلبت بالفارسية يد امرأتي الحماسية
(متهورة تسابقني على الصفوف الأولى
وكالأطفال تضحك حين أزجرها ضاحكا) 
حفظني العبارات شقيق فارسي
مقابل أن أقول في حقه كلمة طيبة عند من يحبها
(من أول نظرة كان حبها
منذ عام أحبها في صمت!)
أنت يا حاصد الرؤوس في الحلبة؟ أنت؟!
(على المصارعة أقدر..
لا على سحبة النفس حين أراها)
ضحكت مذهولا فأضاف:
لو قلت لإنسان ما قلت سوف أذبحك
وضحكنا كثيرا بعدها..
لم نكن جيشاً.. بل أمة مصغرة
واحدنا للكل والكل للواحد..
وأنى يكون المسير نصحب الأرض والسماء
نصحب معنا قطعة الكون المحررة
--------------
في ساحة مكشوفة معادية..
أخيرا التقينا
كانوا أكثر الجراد عددا
أكثر الكوابيس خنقا
أكثر الأمراض فتكا
لكننا اعتصمنا بالعهد وبالتروي
بالأمس ناقش الجميع كل شيء بأريحية
والآن لم يبق مجال للجدال والتشكك
بأميرنا.. تعلقت أبصارنا
وضعن فيه عمرنا الفقيد.. وحلمنا البهي
وفجأة..
دب الخلاف داخل لجنة القيادة!
تضارب قادتنا مثل صبية فى الحواري!
تفرقت جموعنا دون وجهة أو كرامة
استسلم الكثيرون في أماكنهم في شلل
وفر البعض في اتجاه العدو مستسمحا
رأيت جيش روما يقهقه بخلاعة
يضرب القادة كفا بكف مشيرين لأخلاق العبيد
وهنا..
كما يغير النحل حاميا أوطانه الشجرية
من كل صوب هجمنا..
اخترقنا الظهر والجوانب المرحرحة
وبينما يحاول الضباط التوازن فوق ظهور الخيول
جربنا فيهم متعة الإعصار دون رحمة
نجحت الخطة! بوركت يا سيدي
والمجد للرفاق حين جادلوه أمس عند النهر
حتى أحاط بالثغرات في الخطة المبدعة
المجد كل المجد لكل من نفذوا الكمين اليوم
كأننا الألوف من أصابع ملائكية
تعزف بانسجام للقدر
ذات يوم بعيد 
------------------
اسمحولي الآن بفاصل
أستأذنكم في هدأة للنبض
أنا بخير.. سوف أكمل القصة.. لا بأس
لا بؤس ولا يأس.. ولا وجل
الكل يعرف الختام.. يعرف التاريخ كما..
دونه المؤرخون بين فخذي قيصر المنتصر
خاتمة القصة خادعة.. فانكشوا في التفاصيل
(صلب ستة آلاف من العبيد بطول الطريق لروما)
هذا المانشت المضلل لا يقول ما جرى
لقد تصادم الجيشان مرة بعد مرة
جادت الأقدار كما يقولون بالنصر في كل مرة
ثم بخلت علينا به..
في آخر مرة
اسخروا.. اشتموا..
أو افرحوا بغلِّكم
ألم أقل لكم على رأس الكلام من حقكم؟
تقيأوا الأحقاد على سجادة التاريخ
لن تستطيعوا أن تحرفوا ذاكرة الشجر
ما فعلناه وقتها كان نقطة ولكن..
بهذه النقطة سممنا نهر الظلم السافل
ما فعلناه في مزارع الشر سوف يدرس
أحرقنا ذيل فأر ورميناه في القصب
انهزمنا..نعم..
بعدما زلزل المرء منا الأرض والثوابت الغشيمة
عرفت القصور ارتعاش المفاصل
احتمى المنعمون بالحكام..
والحكام بالضباط..
والضباط بالجنود..
والجنود بالمشعوذين!
انهزمنا.. نعم..
صلب منا الآلاف.. أُحبطت الأرض
وفي النهاية اقتحم الصليب المخدع القيصري
تشتت الرومان فيمن يعبدون
فر كل امريء بروحه المعذبة.. كل في طريق
نشع السرطان بعدها في خريطة روما
غزتها القبائل من كل حدب وصوب
شققت المفاسد والغنائم الأمة كلها
انشقت العائلة على نفسها
نعمت قبضة القيصر.. مثل أكف جارياته العذارى
كبرت الكروش في القصر
أسرع من توالد الأبقار
عمت الميوعة في الجيش وهي توأم التكالب
شاع بين القادة الوزن الزائد والتصاق الفخدين
ثورة سقطت.. لا يهم..
كانت مجرد بروفا فاشلة
كل ما سقط من ثورات قبلها ومن بعدها
بروفات..
تدريبات وتجويد ليوم العرض
سقطت ثورة.. إنما..
هل سقطت الثورة نفسها؟!
سقطت ثورات.. نعم..
فهل نضبت الأرض؟
هل عقمت المناجم؟ هل جفت الأثداء؟؟
ثورة أخمدت.. سحلت.. كُوّرت.. انمحت!
فهل انقطع الفيض من سلسالها؟

قوس قزح
من أمير العبيد البعيد
إلى أمير الشباب.. جيفارا
تريدون أن تشتموا فيه أيضا؟
تريدون أن تنهشوا سيرته؟
أن تفرغوه من التمرد؟
نعم قتلتموه.. ولكن..
أطمستموه؟
أوأدتم "حرب العصابات".. في الأحراش
أو في الكتب؟
هل حطم أسيادكم أنف فقير في فيتنام؟
أو كادح هزيل يسعل من سل..
ثم يحرر موسكو بالسلاح؟
هل أوقف النطع منكم انسياب النيل رغم المكائد؟

اخرسوا واسمعوا!
مت من قبل كثيرا حتى..
أصبحت كل موت.. مطمئنا
وصيتي خضراء دائما
وطرف ثوبي نظيف كعمامة والدي
وذمتي صافية.. مثل أمي
ويدي ثابتة كالوتر..
كالوتد
لازالت الثورة تجري هنا.. وهناك..
وهكذا..
سوف تنتصر الثورة القادمة
وذات يوم قريب..
(أقرب من ضمة الأم للرضيع)
سوف يصحو الكوكب كله
على البهجة المعجزة التي صحوت عليها
ذات يوم بعيد


 

No comments: