Wednesday, June 27, 2007

إيثاكي

فيلم آخر لن تراه إلا مصادفة.. "إيثاكي".. تأليف وإخراج إبراهيم البطوط خريج الجامعة الأمريكية 1985 والذي قضى شبابه متتبعا بكاميرته الحروب والكوارث البشرية لصالح محطات أوروبية ويابانية حاصدا للجوائز عن أسلوب تغطياته لحرب الخليج الأولى، وللمقابر الجماعية في العراق، وليوميات قائد سيارة إسعاف في رام الله، وللختان في الحبشة.

أنتج المصري إبراهيم البطوط واليوناني كيراكي باباجورجيو فيلم "إيثاكي" الواقع في منطقة ما بين الفيلم التسجيلي والفيلم الروائي عام 2005 فنال جائزة مهرجان الفيلم المستقل الذي نظمه المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة.. ولكنك لم ولن تراه في دور العرض ولا على شاشة تلفزيونك سواء وجهت الريموت للمحطات المصرية أو للفضائيات العربية، لأنه فيلم خارج السياقين.. السينمائي والتلفزيوني.. أي أنه لا يتبع القواعد ولا القوالب الصارمة التي تفرضها مؤسسات استثمار وإدارة الفنون في الميدانين.

إيثاكي هي وطن البطل الإغريقي الأسطوري أوليسيس الذي استغرقت رحلة العودة لدياره عمرا طويلا وعذابات جمة، وإيثاكي هي أيضا قصيدة الشاعر اليوناني السكندري قسطنطين كافافي التي كتبها عام 1911 والتي استهل بها البطوط فيلمه إذ نجول كوبري قصر النيل فجرا فنسمع باليونانية:
حين تعتزم الرحيل إلى إيثاكي
تمن طريقا طويلة شاقة
حافلة بالمغامرات وبالمعرفة
وما دامت روحك صافية
فلا تخش لقاء الوحوش الأسطورية
فما لم تحملها في روحك بالأساس..
فإنك غير ملاق للشرور
ويأخذنا البطوط في رحلة تفاصيل بصرية.. فيمتزج تراشق الضوء بالشموع بالبخور، وصولا إلى شاب وشابة متحابين –عمرو فكري وكريمة نايت- هي تكتب بالمعجون على مرآة الحمام "أحبك" وتطعم العصافير ثم يلتحم وجه الحبيبين وسط الميوعة الضوئية الراقصة.. فما هذا؟ إنه توحد الحياة بالحب كما يراها البطوط وفريق عمله غير الهادف للربح، وهي الرسالة التي لا يخشى إبراهيم الإعلامي من التصريح بها إرضاء لإبراهيم الفنان.. فالاثنان هما إنسان واحد يحاول استخدام قلمه وكاميرته للدفاع عن حب الحياة بعد أن خاض حتى العنق في مشاهد الموت والخراب وقد عاد يبحث عن إيثاكي.. وطنه الإنساني الذي يكمن في القلب.. إن جاز التعبير.

ويتقمص أحمد كمال دور البطوط نفسه ليقص لنا بعض ذكرياته، فمثلا في رحلته لكوسوفو جاءه رجل يحمل طفله وكلمه بلغة لم يفهمها واستمر البطوط في تصويره ثم طلب من شخص ترجمة ما قاله الرجل فقال: كان يسأل: "أين أدفن ولدي.. هل تعرف"؟؟

بصفعات كهذه ترج المرء عاد البطوط لبلاده بعد سنوات من معايشة روح الشر في العالم طامحا في الوصول لشاطيء الوجود الإنساني الحقيقي والممتليء، أو ذلك الضوء في آخر نفق النفس الإنسانية.. فيتجول بنا وسط دائرة أصدقائه من وسط البلد غازلا قصته بقصصهم.. وإحداها قصة الشابين المتحابين واللذين ستنتهي قصة حبهما في نهاية الفيلم ولكن الحب نفسه سيولد ثانيةً في لحظة الفقد.

هناك الزوجان بيسو وحنان (بطرس غالي وحنان يوسف)، الأول يهدد عشقه للخمر كبده المصاب والثانية مهتمة بالسحر الأبيض –نقيض السحر الأسود- ورسالتها إضفاء طاقة الحياة والحب على تماثيلها الصغيرة وعلى كل من يلامسها، وهناك الباحثة الأجنبية المقيمة بمصر والتي تتبحر في هذه العوالم ، وهناك الموسيقار فتحي سلامة بشخصه ووسط فرقته وفي جانب من حفلاته، هناك الرجل الذي فقد عينه في التدريب العسكري فتحول لعشق الموسيقى، والمخرج الجزائري الذي قتلته يد الإرهاب..

إيثاكي قصيد فيلمي تثريه الروابط الخفية بين تجربة النجاة بعد الجراحة، وموت سمكة حزن عليها الزوجان اللذان ربياها فسخر منهما الأصدقاء، والطفل الذي عاش في الحرب تجربة مريعة جعلته يعتبر مخيم اللاجئين جنة، والمرأة التي تلف نفسها بدائرة من الورود وكأنها تستحضر قوى الحب ضد قوى الكراهية، والتفاهة التي تغلف نصف حياتنا بينما الذعر والوحشية يجتاحان نصفه الآخر.. إنه دعوة للإبحار في النفس الإنسانية لاقتلاع جذور الأنانية والكراهية والتدمير.. وسواء وافقته أو عارضت فلسفته المسالمة ستحترمه وتتحمس لمناقشة ما يطرحه من قضايا شائكة، متشوقا لرحلتك الذاتية بحثا عن "إيثاكي" التي تخصك.

6 comments:

مشربية said...

الله الله الله يا استاذ شرحك لشخصيات الفيلم و كلامك عن ابراهيم بطوطي حببني فية اكثر ما انا بحبة لانة بجد فنان و للاسف مش واخذ حقة في الظهور للناس
ايثاكي اللي داخلي هي اني سالتك مرة في برنامج علي الثقافية الاخراج موهبة ولا دراسة؟
عجبك السؤال و سعتها فرحت قوي ان في حد بالفكر اللي عندك يا فنان بيقولي كدة و سعتها ردك كان حلم و اداتة مكنتش عندي و هي الكاميرا و وراثت و جيبت كاميرا:) الحمد الله و اول حاجة صورتها هي عماير مصر الجديدة ذو الطراز القديم
متشكر يا مبدع علي نصيحاتك لي لاخراج ايثاكي اللي جوايا

Unknown said...

أنا شفت عرض للفيلم وعجبني جدا

بالمناسبة المخرج مدون برده :)

http://batoutfilms.blogspot.com/

وده لينك للفيلم

http://ithakifilm.blogspot.com/

BaSsMa said...

صديقي الغالي
انا حقيقي بحب تعليقاتك على الأفلام جدا وأسلوبك مميز أوي
تصدق انا ممكن أقرى مقال هنا أو هناك واعرف اذا انت لي كاتبه أم لا
انت كتلة من الابداع ياخالد
:)

nousha said...

do u know where will it be shown next??

حدوته مصرية said...

الفيلم ده جامد جدا و انا بحب ابراهيم البطوط اوى

و شفت الفيلم مرتين فعلا مبدع

تحياتى

monyo1st said...

dear khaled..i realy appreciate ur words about ithaki film wich i watched more then 20 times cz it put me in a mood i allways needed...hope for u khaled all succes and love from milions and milions from egyptians who respected ur part at ya3kobian film with basem elsamra...realy courege actors u r.