Sunday, September 06, 2009

اليوم الذكرى الرابعة لكارثة بني سويف

"تمر هذه الأيام الذكرى الرابعة لمحرقة بني سويف، وكي لا ننسى أحباءنا أعيد نشر ما سبق ونشرته وقتها.. تغمدهم الله برحمته الواسعة في هذه الأيام المباركة"

محرقة المبدعين
لا أريد أن أبكي رفاق الطريق الذين سقطوا في محرقة بني سويف، لا أريد أن أنعي شباب المبدعين ولا فناني الأقاليم المظاليم، لا أريد رثاء تيار المسرح الحر الذي فقد بعض أهم رموزه ولا حركة النقد المسرحية الحديثة التي قدمت أكثر من شهيد.. لست حزينا ولكني غاضب، ولهذا لن أبكي بل سأحدد العدو القاتل وسوف أوجه اليه ما في خزنة رشاشي من طلقات.
بداية أنا لا أفرق بين من ماتوا في محرقة بني سويف ومن ماتوا في حريق قطار الصعيد من قبل، كلهم بشر لا ذنب لهم في هذه الدولة المنحطة الا الفقر.
لو كانوا أغنياء لتمتعوا بامتيازات الدرجة الأولى سواء في القطار أو في المسرح، ولكنهم فقراء ولهذا احترقوا وماتوا وهم يتعذبون، لم تؤمّن حياتهم ولم تسعفهم المطافيء ولا الاسعاف ولم تحن عليهم الأدوية والمراهم لأنهم فقراء، تراكمت المهازل المأساوية عليهم لأنهم لا سند لهم، واليكم الحكاية:
عرض مسرحي فقير في قاعة الفنون التشكيلية بقصر ثقافة بني سويف، الجميع فقراء، شباب فرقة الفيوم الذين يقدمون العرض في مهرجان نوادي المسرح، أعضاء لجنة التحكيم القاهريون، طلاب الفنون وفنانو الأقاليم القادمون لمتابعة عرض جاد مأخوذ عن نص قصة حديقة الحيوان لادوارد البي، أهالي بني سويف، موظفو القصر.. الجميع يشتركون في سمتين اثنتين: الفقر، ومحبة الابداع الزاهد في الربح.
شمعة تسقط فيحترق المكان كله، وبسبب الغياب شبه الكلي للدولة في الأقاليم –الا من الأمن المركزي طبعا- فقد لقي البشر موتا أقل من موت البهائم، ولم لا وهم –ونحن منهم- نعيش معيشة البهائم وأقل.
المهرجان "تحت رعاية" رئيس هيئة قصور الثقافة ومحافظ بني سويف، ومع ذلك فلا رعاية من أي نوع، أموال الدولة تتدفق على كبار موظفي هذه الهيئة –كالعادة- بينما مبدعوها يعيشون على الفتات، أرواح البشر مهدرة بسبب عقود من الفساد والاهمال والتمييز الطبقي السافر، ولهذا فقد سقطت الشمعة على بنزين الدولة الظالمة فاحترق الجميع.
لا طفايات، كابل التكييف عار، أنبوبة بوتاجاز، عربة اطفاء بعد 45 دقيقة بلا ماء! ثم عربة أخرى بعدها بعشر دقائق يأمر ضابطها جندي الاستكشاف بدخول المحرقة دون وجود مساعد له فيدخل ليحترق، عربتا اسعاف بعد 50 دقيقة تسعان 4 مصابين فقط وعلى الأرض حوالي 70 جثة بين محترق ميت ومحترق يحتضر، كيس واحد تتم فيه تعبئة الجثة لتلقى على أرضية السيارة ثم يعود الكيس الفارغ للتعبئة! محترقون يذهبون للمستشفى العام بالميكروباص! المستشفى فيه طبيبان أحدهما طبيب أسنان، لا مراهم تكفي، مشرحة ليس بها ثلاجة، فتيات محترقات لم يلمسهن أحد لأسباب غير مفهومة، شجار على من سيفتح خزينة الدواء المخدر متحملا المسئولية، الأهالي يشكون فيضربهم الأمن المركزي الذي يحاصر المستشفى (يومين قبل انتخابات الرئاسة)، فجأة الملاءات النظيفة تظهر والدواء كذلك، المحترقون ينقلون لمكان أنظف قليلا.. ما السر؟؟ آه .. انه وزير الصحة بصحبته الموكب الشهير! أحد الأهالي يستصرخه: لا دواء بالداخل ولا رعاية، الوزير يزجره: أنت كاذب! المحترقون ينتقلون للقاهرة ليجرعوا كأسا مريرة أخرى، أهالي يستلمون جثة خطأ!.. الى آخره من عبث أسود لا معنى له الا أنه ليس هذا وطنا للفقير.
ولنتأمل الأمر من زاوية عكسية.. شمعة تسقط في قاعة مشمولة برعاية الدولة بحق ترتادها الطبقة الحاكمة وكبار المستثمرين، أولا سيطلع للمخرج الشاب مسئول الأمن ليمنعه من استخدامها الا بعد التأكد من اشتراطات الأمان، صفارة الحريق جاهزة (غالبا)، الطفايات ملأى وجاهزة (غالبا)، المطافيء والاسعاف على تليفون، واذا حدث أن وقعت مأساة عاجلة -وهو شيء ممكن جدا حتى في هذه الأوساط لما وصلت اليه دولتنا المنحطة من انهيار كلي- فسوف تتم معالجة الأمر في المستشفى المتميز وبدواء متميز وبقرار سفر عاجل، الميتون والمصابون سيستحقون المعاش الاستثنائي والتعويض السريع والقيّم، النجوم سيضعون النظارات السوداء وسيبكون أمام الكاميرات في المستشفى، وقد يصل الأمر الى اقالة وزير، وبالتأكيد سوف نلمح طابورا من الشخصيات المرموقة يبكي ويواسي ويعد بتجاوز احتمالات مثل هذه الكارثة مستقبلا.
لقد اندلعت شرارة الغضب في أوساط الفنانين المظلومين من هذا النظام ككل، فهبت حركة كتاب وأدباء وفنانون من أجل التغيير ثائرة وتكونت حركة 5 سبتمبر للمطالبة معها بمحاكمة المسئولين والتعويض الكريم لأهالي الضحايا، وقفات احتجاجية متكررة، وزير الثقافة يناور باستقالة يرفضها رئيس الجمهورية بعد أن وقع المئات من مثقفي السلطة عريضة الدفاع عن الوزير، النقابات الفنية تغط في نوم متواطيء، الانتهازيون يصنعون من موت وعذاب رفاقنا سبوبة مستقبلية ميممين وجوههم صوب الدعم الأجنبي لمؤسسات المجتمع المدني، اهانة للأهالي على أيدي المسئولين، استيعاب غضبة طلاب الأكاديمية بواسطة جنرالات الثقافة، الايقاع بين الجميع حفاظا على الكراسي.
ماذا نفعل الآن؟ لماذا لا يجيبوننا الى أبسط المطالب وهو معاملتهم كشهداء ومصابي حرب قانونا؟ لماذا لا يحاكمون كبار المسئولين؟ لماذا يحفرون قبورنا بدم بارد؟ لماذا يهينوننا؟
ليس للفقير وطن.. ليس للفقير حرمة في عيشه ومماته، ليس له كرامة ولا أمان، ولهذا ليس للفقير الآن الا الثورة.
خالد الصاوي
سبتمبر 2005

14 comments:

فـدوى فـريد فتحى said...

أنه مسلسل الاهمال ذو العدد اللانهائى من الحلقات الذى نحى فيه على أرض مصر الطاهره ...
سأتحدث عن القطاع الذى أعرفه
القطاع الصحى المهمل ...
ما شوهد من أهمال فى مستشفى بنى سويف هو صوره متكرره لما نشاهده فى المستشفيات الحكوميه العامه ...
انها تطالبك ببساطه ان تنذرها قبل وقوع الكارثه بيومين تلاته
عشان تحضر نفسها وتجهز الاستقبال
وتشوف لك دكتور فاهم
ودكتور فاهم دى تعنى كتير اوى ...طبيب الامتياز غير مؤهل وفى الغالب ماعندوش فكره عن الاسعافات و الطبيب المقيم لا يمتلك الخبره ولا الاعصاب التى تؤهله لتحمل كارثه او صدمه اما الاخصائيين والاستشاريين ففى عيادتهم الخاصه ...

أرجو من الله ان يتغمد أرواحهم بواسع الرحمه
وان يلهم ذويهم الصبر والسلوان

وتعيش وتفتكر يا أستاذنا

LOLO . ALI said...

اللهم اغفر لهم و ارحمهم واقبلهم في جنابك اللهم امين

جيهان احمد said...

ربنا يرحمهم برحمته ويجعل مثواهم الجنة دعائنا ليهم فى الايام المباركة واد ايه حضرتك انسان انك بتحى ذكراهم كل سنة حتى لو بالمقال فقط بس دة حال بلدنا يا استاذ خالد..ومش بس كارثة بنى سويف حصلت مصائب عده فى اماكن كتير جدا فى مختلف احياء وماحفظات القاهرة الكبرى وضواحيها ومع ذلك كل كارثه فى اولها بتاخد الاهتمام والضجة فى وسائل الاعلام وبعد كدة كله بينسى ويستنى كارثة اخرى للاسف .. ياريت كل الفنانين كانوا زى حضرتك كدة

أم مريم said...

البلد كلها أصبحت محرقة كبيرة ومن لم يمت بالنار احترق قلبه بها
نفوسنا أصبحت متفحمة من المرارة في عالم يدوس على الضعفاء بلا هوادة وينحني بكل احترام لحيتان البزنس وأباطرة المال
ومن محرقة بني سويف لقطار الصعيد للعبارة يا قلبي لا تحزن
تعددت الاسباب والقاتل واحد
عسى الله أن يرحمهم جميعا ويلهمنا الصبر فنحن في أشد الحاجة اليه

Aaya said...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أ/ خالد الصاوي

لا يوجد عندي ما أقوله غير

حسبنا الله ونعم الوكيل
وهذا الدعاء
لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد
وله الشكر وله الفضل وله الثناء الحسن
يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل
شيء قدير لا اله إلا الله لا نعبد إلا
إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
اللهم صلي الله على سيدنا محمد خاتم النبيين
والمرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم اللهم
يا رحمان الدنيا والآخر ارحمنا وارحم أمة محمد
رحمة كافة تغنينا عن رحمة من سواك اللهم من
أحييته منا فأحييه على الإسلام ومن توفيته
منا فتوفاه على الإيمان اللهم ارحم
من مات في محرقة بني سويف وقطار الصعيد
رحمة واسعة وتغمده برحمتك
اللهم ارحمهم فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض
عليك اللهم قهم عذابك يوم تبعث عبادك
اللهم انزل نوراً من نورك عليهم
اللهم نور لهم قبورهم ووسع مدخلهم
اللهم اجعل قبورهم روضة من رياض الجنة لا حفرة من حفر النار
اللهم اغفر لهم وارحمهم واعف عنهم وأكرم نزلهم
اللهم أبدلهم دارا خيرا من ديارهم وأهلا خيراً من أهلهم
وأدخلهم الجنة بغير حساب برحمتك يا ارحم الراحمين
اللهم اغفر ( لمن توفى في محرقة بني سويف
وفي قطار الصعيد ) وارحمهم عدد من قالها ويقولها القائلون
من أول الدهر إلى آخره عدد من أحصاه كتاب الله
وأحاط به علمه وإضعاف ذلك أضعاف مضاعفة وكل ضعف
يتضاعف من ذلك مضاعفة ابد الأبد ومنتهى العدد بلا
أمد لا يحيط به إلا علمه

آمين آمين آمين, وصلى الله وسلم على
نبيك محمد وعلى آله وصاحبه أجمعين

....

آية

آخر أيام الخريف said...

الف شكر لتذكيرى بهذا الحدث الذى كادت مشاغل الحياة اليومية تعوقنى عن احياء ذكراه فى مدونتى...صديقتى و زميلة دراستى هناء عطوة كانت من ضحايا هذا الحريق حيث كانت عضوا بفرقة قصر ثقافة الفيوم...رحم الله الجميع

محـــــ ولى الدين ــــــمد said...

كارثـــة حقًا ... حقا

Aиgel said...


أ/ خالد الصاوي


حقيقة أستاذ خالد
أبكيت قلبي قبل أن تبكي عيني
تلك الواقعة لن تنسى أبداً
ودائماً لهم الدعاء فهم شهداء الإهمال
وكما قلت حضرتك
لو كانوا أغنياء لتمتعوا بامتيازات الدرجة الأولى سواء في القطار أو في المسرح، ولكنهم فقراء ولهذا احترقوا وماتوا وهم يتعذبون

رحمهم الله برحمته هؤلاء الشهداء
وحقاً أنا اعتبرهم شهداء
شهداء الظلم والإهمال وعدم الرعاية
التي يحظى بها أفراد أخر

رحمهم الله برحمته الواسعة
وأسكنه فسيح جناته

أشكرك أستاذ خالد لذكرك تلك الواقعة
دمت بكل خير

▼ (( Angel Love )) ▼


أبو العريف said...

السلام عليكم

الحادثه غم اني قرأتا عنها الكثير

لكن لم اشعر بمرارتها كما شعرت من حديثك عنها

لانك تحدثت بقلب رجل يشعر بهؤلاء الضحايا

الذين لم يشعر بهم احد

حادثه بني سويف ليست الاولي ولن تكون الاخيره

التي يتحمل الاهمال الجسيم مسئوليتها

ولكن

سيظل الاهمال هو عنوان هذا المرحله

ارجو ان يخيب ظني وتنصلح الامور

Angel said...

انا بقالي اكثر من 25 سنه بره مصر واضطريت اني أرجع اجباري وكل يوم بكتشف قد ايه العيشة هنا بقت حرب انت ميت ميت فيها...
ربنا يرحم موتى جميع المسلمين يارب

رشا عبد الرازق said...

عن أي شيء تسأل خالد ؟ تطالعني حروفك فتضيف لكل ما حولي في هذه اللحظات وجها مقززا من الحقائق ؟أنت تححي كارثة وتسأل عن معاملة الراحلين كشهداء بالرغم انهم وانك وأننا نحيا في هذه الكارثة طوال الوقت ... تتحدث عن الفقر وجور توزيع الحق الآدمي على المواطن المصري ! فلتعلم يا عزيزي ان موت المواطن المصري فقيرا أغلى ثمنا من حياته كريما ... وليس عليك سوى ان تجمع وضرب في جيوب من يربحون من خلف هذه الكوارث فيبقون بها _ وبها فقط _ في مناصبهم من اجل أرباح جديدة مكنوزة في أكفان تعد !!!
آلمتني الذكرى وأفاضت علي
رحم الله الجميع

Anonymous said...

عادى اهمال اهمال اهمال

Zahra Youssry said...

أستاذ خالد
أنا لا أقلل من أحزانك على رفاق العمر ، و لا أدافع عن تلك الحكومة القميئة التى تدير مصالحنا رغم أنوفنا ، فلا شك أن الموت حرقاً من أبشع الميتات التى قد يقابلها إنسان ..
لكن التاريخ ملئ بحرائق المسارح و دور السينما ، حتى فى أكثر دول العالم تقدماً و فى أزمنة حديثة ، فالجانب المضئ فى الكوارث المصرية ، أن الأهالى بنفسها تسرع لإتقاذ المحترقين فى ملحمة شعبية خالدة ، أما فى الدول الأوروبية ، فيكتفون بالمشاهدة حتى تحضر سيارات الإطفاء!!!
نسأل الله حسن الخاتمة و أن لا نموت محترقين كالسحرة فى الدول الأفريقية!

Unknown said...

قتل من لايستحق الموت على يد من لا يستحق الحياه !!! تبا لك من بلد ظالم